موضوع حارس المدرسة الذي تم تصويره وهو يساعد بعض الطالبات الصغيرات على عبور الشارع لتلافي خطر السيارات.. تفاعل معه المجتمع كثيرا وتنوعت صور هذا التفاعل بشكل كبير جداً؛ وذلك من خلال كافة وسائل التواصل الاجتماعي، بل وتجاوز ذلك أيضاً إلى القنوات الفضائية بحكم أن هذا الحارس قام بعمل بطولي غير مسبوق وغير معتاد ومستغرب وغير مألوف!! هذا التفاعل لم يتوقف عند هذا الحد؛ بل انتقل إلى أبعاد أكبر وإلى أروقة العمل الرسمي ومن خلال الكم الكبير من الهدايا والمكافآت التي انهالت على هذا الحارس بدءًا من وزير التعليم ومن بعض المسؤولين ومن الشركات ومن رجال الأعمال ومن المواطنين بمختلف فئاتهم وأعمالهم، وذلك تقديراً لهذا العمل الذي قدمه هذا الحارس لأنه من وجهة نظرهم يستحق هذا التكريم وهذا الاحتفال الكبير وهذا التفاعل الاجتماعي لقاء ما قام به من عمل. لكن.. بعيداً عن الحكم على طبيعة وسلامة العمل الذي قام به هذا الحارس سواءً كان ذلك الحكم مؤيداً أو رافضاً أو معارضاً له.. بعيداً عن ذلك فقد أثبت لنا حجم ونوع هذا التفاعل المصاحب لهذا العمل أننا اليوم في حاجة ماسة إلى دراسة جادة لمعرفة أسباب وطبيعة ونوع وحجم ونظامية هذا التصرف الذي قام به هذا الحارس من خلال هذا العمل ومع ما يماثله من أفعال ومواقف سابقة.. دراسة من كافة الجوانب الاجتماعية والأسرية والإعلامية وحتى الرسمية لكي نصل إلى قناعة مطلقة هل تفاعلنا مع هذا الحدث ومع أمثاله هو تفاعل طبيعي وتفاعل مقبول؟ أم أن هذا التفاعل بحجمه وبصوره وبطبيعته يؤكد لنا أننا نعاني من نقص في شيء ما من المتطلبات والاحتياجات والمبادرات الفردية والإنسانية في كل مواقع العمل وفي الشارع وفي الأماكن العامة؟! هل نحن نعاني من أزمة نقص في شي من أوجه السلوك الشخصي أو الاجتماعي فأجبرنا هذا النقص على السعادة والفخر والفرح بأي مبادرة كمبادرة هذا الحارس؟! وبالتالي نعظمها بمثل هذا التفاعل الاجتماعي العارم؟! هل نحن نعاني من نقص شيء في أوجه الخدمات أو قصور في شيء من المسؤوليات أو الاحتياجات أو الطلبات التي عوضتها مثل هذا المبادرات والتصرفات الفردية كتلك التي قدمها هذا الحارس بكل تلقائية فوجد نفسه فجأة بطلاً ونجماً اجتماعياً انهالت عليه - دون أن يدرك - كل صور هذا التفاعل الاجتماعي لقاء تصرفه التلقائي اليومي؟! هل نحن نعاني من ضعف في التواصل الرسمي والرقابي مما أتاح المجال لكافة وسائل التواصل الاجتماعي والإعلامي إلى "تضخيم" مثل هذه المبادرات والأفعال والأعمال الفردية ونقلها من منظورها وحجمها الطبيعي إلى عمل بطولي استثنائي؟! إن هذا التفاعل - الذي أفرزه عمل هذا الحارس وما سبقه من أعمال مماثلة - يجبرنا على مراجعة الكثير من سلوكياتنا الإعلامية بدءاً من الفرد إلى المجموعة إلى الأسرة إلى المجتمع ككل؛ ومن خلال تساؤلات أهمها: هل للعاطفة الاجتماعية دور مؤثر في مثل صناعة هذا التفاعل؟! أم أن ذلك التفاعل حدث طبيعي يبرز بين وقت وآخر لتلبية حاجة أو سد نقص شيء منها سواء من خلال تعامل رسمي أو قصور في أداء الخدمات العامة..؟!