مفردة ديوانية، تعد من المفردات التي استخدمت حديثا، وليست ضاربة في القدم، على الأقل في جل استخداماتنا للمكان الذي يعنيه المسمى، فكنا نستخدم مصطلح القهوة، والمجلس والروشن .. الخ، والمعنى لهذه كلها واحد. والديوانية اسم مؤنث للديوان، وهو معروف وقديم الاستخدام وجمعه دواوين، وليس اسم الديوانية شائع الاستخدام في وسط الجزيرة ولو كان معروفاً، إلا بعد أن تأثر بتلك التسمية عدد ممن سافر لبلدان تستخدمها وخصوصا الخليج وبالأخص الكويت. والملاحظ أنها أي (الديوانية) تغيب في كثير من الأشعار التراثية وقد تنعدم تماما لدى بعض الشعراء، وكذلك في القصص يستعاض عنها بكلمة قهوة ومجلس وغرفة الضيوف.. الخ ماذا يعني مصطلح الديوانية ومفردتها؟ ومن حيث وظيفة الديوانية فهي نفسها وظيفة الغرفة التي تسمى قهوة أو مجلس حتى صارت المفردة مرادفة. وكما كانت القهوة مفصولة عن المنزل بحيث تستقل بمدخل خاص أو متصلة به والمدخل مشترك، ويجتمع فيها الرجال ويستقبل فيها الضيوف وقد يبيت فيها بعض الضيوف الذين وفدوا من بعيد ولا أهل له ولا قرابة في البلدة، كذلك الديوانية. ونقول ديوان بصيغة المذكر، وديوانية بصيغة المؤنث، والديوان ما كان معدا للعمل، وفيه تنفذ أمور الإدارة وتنظيمها وتدوينها لعدة أغراض، إما تجارة واقتصاد وإما سياسة أو شؤون تهم المجتمع من تدابير لا يمكن متابعتها وضبطها وحفظها إلا من خلال سجلات وكتابة وتدوين، ويجتمع في هذه التسمية مكان وأدوات وأهداف ووظيفة، في حين تختلف الديوانية ولو تقاربت الأسماء. ولأن الديوان مكان اجتماع رسمي مخطط له، أخذت الديوانية وهي الغرفة المعدة للاجتماع اسمها اشتقت من التدوين ودون، وهذا الاجتماع فيها يجري فيه كل ما يجري في الديوان تقريبا ما عدا التخطيط المنظم والصفة الرسمية التي لا تنطبق على الديوانية، فهي بمثابة مجلس للتلاقي العفوي غير المنظم قد يخصص لبعض الفئات والمعارف والقرابات وقد يكون عاما من دون ضوابط، وليس مختصا بمتابعة شؤون إدارية رسمية، وهي بحسب ما تعارف عليه المجتمع مكان عام يرده كل من أراد، من دون تحديد. ولدينا الآن في مجتمعنا أنواع من الديوانيات، فمنها ما ينسب لفرد خصص ديوانيته وحدد مرتاديها كأن يكون رجل معروف في البلد بتجارة أو علم أو اهتمام بشؤون زراعية أو اقتصادية، فيلتقي به معظم المهتمين بمجال صاحب تلك الديوانية، وتلقائيا تتحدد نوعية الحضور، وهناك ديوانيات خصصها أصحابها للعموم حتى ولو كانت تحمل أسماءهم وهي ملك لهم وتعد غرفة من غرف منازلهم، قد يغلقها يوما من الأيام وينتفع بها، وهناك ديوانيات تتبع مؤسسات أهلية كما هي الحال في أعمال لجان التنمية التي توجهت لخدمة المجتمع فكانت الديوانية من ضمن خدماتها الاجتماعية، ونطلق عليها والحالة تلك ديوانية عامة. ولا تختلف مضامينها وما تقدمه أيا كان تصنيفها، فهي نفسها: قهوة، أو مجلس، وفي بعض البلدان يطلق عليها: روشن، والروشن تعددت أسماؤه ولكن أحدها يطلق على المجلس. يقول الشاعر: حميدان الشويعر: روشن عالي فوق كل الملا مغلق ما هوته الوجيه السماح والشاهد ذكر الشاعر لمفردة: الروشن، في معرض الذم عندما يغلق ولا يجلس فيه الرجال الطيبون، وهو كناية عن البخل. ويتنادى الناس في البلدة للقهوة بكلمة: تقهو، أو القهوة زاهبة، أو ترانا شابين، أي النار مشبوبة، ومعروف أن شبة النار ستكون للدفئة وتصليح وتجهيز القهوة، وقد يطلق على التجمع وميعاده: الشبّة، فيقال: الشبّة عند فلان. القهوة (المجلس) مكان استقبال الضيوف ولكن بعد تهيئة الديوانيات العامة المفتوحة في مواعيد محددة أول النهار وأول الليل لا يتنادون الناس إليها، فلا تتم العزيمة من أحد، بل من أراد الحضور فليحضر. ويفضل الغالبية القهوة والديوانية والشبة العامة على الزيارات الفردية، وذلك لأن الهدف من التجمع هو أخذ الأخبار وتلقي العلوم والأنس بالكثرة وعدم الرغبة في التشتت، وهناك دافع قوي آخر مهم وهو أن من يحضر لديوانية عامة لا يشعر أنه أثقل على أحد، ولا تكلف صاحب الديوانية من أجله. وكل بلدة صغرت أو كبرت لا تخلو من الديوانيات، وهي التي كنا نسميها: قهوة، وقد تتعدد الديوانيات ووقد يتقسم روادها بين تلك الديوانيات بحسب رغبة كل من المرتادين ونوعية الحضور وثقافتهم ومدى توافقهم في الاهتمامات، وهذه مماثلة للقهوة وغرضها السابق حيث تهتم بالتواصل لحاجة الناس إليه وعدم وجود فرصة للتواصل إلا من خلال تجمعهم في القهوة. ويوصف بالكرم كل شخص يخصص ديوانيته للجميع، ويجعلها مفتوحة لهم، لأنه لم تجر عادة أن يساهم أحد من الحضور في تموينها أو دعمها بشيء، بل ربما يرى بعضهم أنه من العيب ذلك، فصاحب الديوانية هو الذي ينفق على ما يلزمها من هيل وقهوة وشاي وحطب... الخ، مع مرابطته المستمرة من أجل استقبال الجميع، سواء مما تعود الحضور أو من الضيوف المرافقين. ولا تقدم الديوانيات المفتوحة التي تتبع الجمعيات الأهلية أي طعام سوى القهوة والشاي والتمر، فهي ليست دار إقامة بل ضيافة مؤقتة واجتماعات خفيفة. يقول الشاعر محمد القحطاني موجها القول لولده: يا بو محمد شب واقضب مكاني في غيبتي قهو الرجال المشاكيل وفل الحجاج لكل من جاك عاني وابدا التحيه قبل سوق الفناجيل وللديوانية التي يفتح بابها دوما لمن يقصدها إقبال أكثر من القهوة الخاصة التي تحتاج إلى طرق الباب والاستئذان فربما غلب الحياء على بعضهم فيتركها. يقول الشاعر محمد بن شلاح امل الوجار وخلو الباب مفتوح خوف المسيّر يستحي ما ينادي نبغى اليا جانا نازح الدار ملفوح وشاف البيوت مصككه جاك بادي يقلط بديوانٍ به الصدر مشروح ورزقه على رازق ضعاف الجرادي يا نمر ما في صكت الباب مصلوح ولا هي بلنا يامظنة فؤادي وقبل الختام نشير إلى الأهمية التي تؤديها الديوانية اليوم في خدمة المجتمع، فإذا كانت الغرفة المسماة في الماضي القهوة تختص بدرجة كبيرة في استقبال الضيف، الذي لا يجد في البلدة أو المنازل الصحراوية مأوى ولا مطعم ولا من يبيع الغذاء ويتلقى في القهوة الترحيب والإقامة فترة قراه وضيافته كما تهيأ مكانا يجتمع فيه بعض أفراد من المجتمع أو (الجماعة)، فإن الديوانية تقوم بالوظيفة نفسها، وتعد استمرارا وامتدادا للقهوة وتحقق فرصة لتلاقي فئات من المجتمع من دون تحديد ثقافة أو برنامج أو فرض حديث ومجال نقاش، وهي في وقتنا الحالي يحتاجها المجتمع في ظل المتغيرات الكثيرة التي أدت إلى التباعد، ما يجعل من الديوانية فرصة للإبقاء على رابط تلقائي وغير متكلف يكون ملتقى الأفراد، يعبرون من خلاله بعضهم لبعض عن رؤاهم ويأخذون بعضهم عن بعض الأخبار والمستجدات. ذلك أن الديوانية مكان يحقق أمرا مهما يحتاجه المجتمع بشدة وهو الترابط الاجتماعي ومن خلالها واجتماعات تلقائية تكون فيها باستمرار، يتم حل كثير من المشكلات إن وجدت وأيضا مراقبة متطلبات المجتمع، ما يفتقده في محيطه البيئي، فإما أن يوجد له حل وإما يحسن أداءه، فالرأي المتبادل حول هذه الأمور يوجد الحلول لها أو تطرح لمن هو قادر على تنفيذه. وكثير من بوادر المشكلات والخلافات وهي في طور بدايتها تنتهي قبل أن تطفو على السطح لأن الأفراد إذا تقاربوا وتهيأت لهم فرص التلاقي حصلت المكاشفة وتقاربت النفوس وزالت الشحناء والبغضاء، فالمجتمعون يراعون مشاعر بعضهم بعضاً ويتجاوزون كثيرا من الخلافات ويستشعر الحاضر بين جماعته ماذا يريدون وماذا يرغبون فيه وما الشيء الذي يتمنون وجوده أو عدم وجوده، ومن خلال ذلك يتكون لديهم رؤية بعضهم لبعض عن قرب، ويتولد إحساس بمراعاة مشاعر الآخرين ويضحي كل منهم من أجل الآخر، وهذه ثمرة من ثمرات التلاقي والاجتماعات في الديوانية. يقول الشاعر: يازين المجلس اللي فيه شبة نار للضيفان مشب صممه راعيه لاجل اكرام ضيفانه أصالتنا كرمنا نحتفظ به والكريم معان ما تنسى عند قوم ٍ روسهم بالعرف مليانه