جميع المآسي والحروب وما يحدث في سوري واليمن وبورما وجنوب السودان لا يقارن بعدد الأطفال الذين يتوفون في كل العالم بسبب الجفاف أو الإسهال.. البعض يولد محظوظا (في سنغافورة والسويد والنرويج) فيصل الى سن البلوغ، والبعض يولد تعيسا (في سيراليون وأنغولا وليبيريا) فيموت خلال أربعة أسابيع من ولادته!! ما زلت أذكر قمة القرن التي عقدها قادة العالم عام 2000 واتفقوا خلالها على خفض وفيات الأطفال بمعدل "الثلثين" بحلول هذا العام (2015). وهذا يعني أن دولة مثل السعودية (التي يبلغ فيها معدل الوفيات حاليا 15 حالة من كل 1000 ولادة) يُفترض أن ينخفض هذا المعدل إلى 5 وفيات فقط! وغني عن القول أن وفيات الأطفال زمن جدتي وجدتك كانت مرتفعة لدرجة موت ثلاث أطفال من كل أربع ولادات.. كانت كثرة الإنجاب أفضل سلاح يملكه الناس لمواجهة المجاعات والأوبئة ووفاة معظم القادمين الجدد وما تزال الأمهات في الدول الفقيرة يلجأن لهذا السلاح حتى اليوم! وبالطبع تغيرت الحال الآن وانخفضت وفيات الأطفال في السعودية حتى وصلت إلى 65 حالة من كل ألف ولادة عام 1980، ثم 18 حالة عام 2000، ثم 17 عام 2010، ثم 16 عام 2013، ثم 15 عام 2013 (حسب بيانات البنك الدولي لوفيات الأطفال دون سن الخامسة من كل 1000 مولود حي)! وعموما؛ تُشير إحصاءات منظمة الصحة العالمية ومنظمة الطفولة (اليونيسيف) إلى انخفاض معدل وفيات الأطفال في العالم أجمع إلى أكثر من النصف خلال ال 25 عاما الأخيرة. ورغم ذلك (ورغم أن المتوسط العالمي انخفض إلى 43,52 حالة بين كل 1000 ولادة) مازالت دول كثيرة ترتفع فيها وفيات الرضع وحديثي الولادة بشكل مفجع.. فنصف الوفيات تحدث خلال الأسابيع الأربعة الأولى بعد الولادة، بينما يموت نحو مليون طفل في أول يوم وفي الإجمال يموت سنويا حول العالم عشرة ملايين طفل قبل بلوغهم سن الخامسة 99% منهم في الدول النامية.. وتأتي أنغولا وسيراليون وأفغانستان وليبيريا بالترتيب كأسوأ الدول من حيث وفيات المواليد الجديد (حيث يموت أكثر من 150 طفلا من بين كل 1000 ولادة) وبعدها النيجروالصومال وموزمبيق ومالي وغينيا وتشاد (بأكثر من 100 طفل من بين كل 1000 ولادة).. وفي المقابل؛ تأتي سنغافورة والسويد واليابان وهونج كونج كأفضل الدول من حيث نجاة الأطفال الرضع (حيث لا يموت فيها أكثر من 3 أطفال فقط من بين كل 1000 ولادة).. المحزن فعلا أن أغلب الأطفال (تحت سن الخامسة) يموتون لأسباب بسيطة وغير مكلفة ويمكن تلافيها بقليل من الوعي الصحي والرعاية الأولية.. فحوالي 90% من هؤلاء الأطفال يموتون بسبب أربع مشكلات هي: الإسهال، وسوء التغذية، والحصبة، والملاريا.. والحالة الأولى يمكن علاجها ب "محلول الجفاف" والثانية بقدر كاف من الوعي الغذائي، أما الثالثة فبلقاح لا يكلف دولارا لكل عشرة أطفال في حين يمكن محاربة الملاريا باستعمال "ناموسية" صغيرة! ورغم أن معظم الدول تسير بخطى جيدة نحو هذا الهدف إلا أن هناك دولا يصعب عليها تحقيق هذا الإنجاز في المستقبل القريب.. بل إن كثيرا من الدول الأفريقية السوداء ارتفع معدل الوفيات بدل أن ينخفض بسبب الإيدز والحروب الأهلية المستمرة منذ عقود. ففي سويزلاند مثلا ارتفعت وفيات الأطفال بنسبة 39% وفي بوتسوانا بنسبة 37% وفي زيمبابوي ب25% وفي الصومال ب17% مقارنة بعام 1999! وبطبيعة الحال لا يمكن التنبؤ بالمتغيرات المستقبلية التي ستطال هذه الأرقام.. ولكن يمكننا دائما العودة إلى نفس السؤال: لماذا فشلنا حتى الآن في الوصول لمعدل 5 وفيات من كل 1000؟