يصعب اختصار خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود بعدد من الصفات وتحديد دوره في إطار معيّن. فالشمول هو الصفة الغالبة عند هذا الفارس العميق الخبرة بشؤون الناس والعباد الى أي طبقة، كونه عايش المواطنين العاديين بفعل ميله الى بساطة عيش وتواضعه، كما برز عالميا كرجل دولة من الطراز الأول فحمل قضية الإسلام والعروبة بصورتهما الأصيلة الى أهمّ المنابر الدّولية، وفرض احترام القيم التي يحملانها بفعل ثقافته الموسوعية، وإطلاعه الإسلامي العميق. رجل الإصلاح، والعروبة، المتعمّق بالثقافة الإسلامية، ذواقة الأدب والشعر، السياسي وصاحب المبادرات الوفاقية، داعية الحوار ونصير العلم للجميع وخصوصا للبنات، كلّها صفات يتمتع بها الملك عبد الله. وللبنان واللبنانيين في قلب الملك عبدالله حظوة خاصّة ورثها عن ملوك السعودية وأمرائها عبر التاريخ. «الرياض» اختارت التحدّث عن جلالته مع شخصيّتين لبنانيتين عرفتاه عن كثب: الأولى سياسية مخضرمة متمثلة برئيس المجلس النيابي سابقاً النائب في البرلمان الرئيس حسين الحسيني الذي ربطته معرفة زهاء 32 عاما مع خادم الحرمين، والثانية فكرية، عبر التحدّث الى الروائي والناقد والكاتب في صحيفة «النهار» الأستاذ الياس الدّيري الموقّع «نهارياته» يوميا باسم «زيّان». الحسيني: رائد العمل العربي ربطت الرئيس حسين الحسيني والإمام المغيّب موسى الصدر بخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز علاقة منذ بداية السبعينات، وتوطّدت في خلال زيارات عدّة قام بها الى مدينة بعلبك، في أقصى البقاع اللبناني جرت معه لقاءات وأبحاث عميقة تناولت مختلف الشؤون العربية والإنسانية، ولا سيّما اللبنانية. «تكررت اللقاءات حيث كان اهتمامه جليا بمسألة التضامن العربي، وكان يستشرف الأخطار التي استهدفت هذه المنطقة منذ أوائل السبعينات»، يروي الرئيس الحسيني مضيفا: «عُرف الملك عبدالله بحرصه الشديد على الانفتاح والحوار مع مختلف الفئات التي يتكوّن منها العالم العربي، وهو الى جانب إلتزامه الإنساني العالي المستوى، فهو يدعم مفهوم العروبة كحضارة وعامل تأليف بين البشر وهي التي لا تميز بين دين ودين أو بين لون ولون، وكان مشبعا بمعرفة خصوصيات البلدان العربية وهمومها واهتماماتها، وهو يرى في الصيغة اللبنانية القائمة على العيش المشترك والتسامح والاعتراف بالآخر ثروة عربية وإنسانية كبيرة من الواجب المحافظة عليه». انطلاقاً من الهم العربي الذي حمله دوما كانت له مساهمات لحلّ الأزمة اللبنانية، وهي نقطة مهمة يضيء عليها الرئيس الحسيني، «خلال عامي 1975 و 1976 حين عقدت قمّة الرياض الشهيرة والتي تقرّر فيها إرسال قوات الرّدع العربية كمحاولة أولى لإيقاف الحرب الدائرة في لبنان، كان الأمير عبدالله ولي العهد آنذاك من المساهمين في هذا الشأن، الى ذلك كانت له مساهمات عدّة قام بها من دون ضجّة في دعم عقد اللقاء النيابي في مدينة الطائف، فيما كان للملك الراحل فهد رحمه الله الدور الأقوى في اللجنة الثلاثية العربية العليا». الرجل الساهر على العروبة ووحدة الصف هو أيضا رائد الإصلاح ، يقول الحسيني: «في خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله المنحى الإصلاحي الذي يرمي الى تقدّم البلدان العربية بدءا بالمملكة، ولديه انفتاح على مختلف الفئات ومحبّة لسواه، وهذا عامل اساسي من عوامل النجاح. وبالتالي إن العديد ممن يعرفون خادم الحرمين الشريفين يعلقون الآمال الكبار على ما قام وسيقوم به من جهود في سبيل وحدة الصف العربي والمضي بالإصلاحات الإجتماعية والسياسية، فضلا عن تبديل نظرة الغرب ولا سيّما الولاياتالمتحدة الأميركية للمنطقة العربية بصورة عامّة وللمسلمين بصورة خاصّة، بما يؤدي الى علاقة عربية وإسلامية من جهة، وغربية وأميركية من جهة أخرى على أساس المصالح المتبادلة والعلاقة المنصفة». ويختم الرئيس الحسيني قائلاً: «أنا أفخر بهذه العلاقة ذات المستوى الرفيع مع جلالة الملك عبد الله، وأنا على ثقة بأن دعوة جلالته الى الحوار الوطني في المملكة ناتجة عن قناعة راسخة، وأعتقد أنه من المفترض أن تؤدّي الى ما هو خيرللسعودية وللمنطقة». الدّيري: صلابته نادرة الروائي والكاتب في صحيفة «النهار» اللبنانية بتوقيع «زيّان»، الأستاذ الياس الدّيري راسل صحيفة «الرياض» من بيروت عام 1965وهو صديق لأمير منطقة «الرياض» سلمان بن عبد العزيز آل سعود الذي عرّفه الى المغفور لهما الملك فيصل والملك فهد. كذلك عرّفه سموّه الى الملك عبد الله يوم كان وليا للعهد ورئيسا للحرس الوطني عام 1990 ، وكان الديري يومها يهيئ لإصدار عدداخاص من مجلّة «الآن» عن المملكة العربية السعودية. يقول الديري: «أنا متابع بإعجاب وتقدير كبيرين لمراحل تمرّس الملك عبد الله في إدارة شؤون المملكة وتعاطيه في الشؤون العربية، وهو يمتاز بشخصيّة القائد المميز بالصلابة والحكمة والشجاعة. هو قائد رؤيوي يدرك جيّدا ما تحتاجه المملكة، والمعروف عنه أنه يدرس كلّ ما يتعلق بنهضتها وبمستقبلها وبتطوّرها، ومن يعرفه جيدا يصفه بأنه ليس ملك السعودية فحسب بل ملك العرب جميعهم». ويشرح الديري هذه الفكرة بقوله: «إنّ الهموم العربية تأتي لدى خادم الحرمين في موازاة هموم المملكة لا سيما بالنسبة الى القضية الفلسطينية والوفاق العربي الذي يتقدّم عنده على أي أمر آخر لأنّه مؤمن بأن هذا الوفاق هو السلاح الأمضى الذي يمتلكه العرب ويحسّنهم ويحسّن قضاياهم في وجه العواصف والمطامع الإسرائيلية وسواها. ولا أحد ينسى مبادرته في القمة العربية في بيروت عام 2002». ويضيف كاشفاً عن وجه آخر للملك عبدالله لا يعرفه كثيرون: «قبل أن يتولّى الملك عبد الله الحكم ويتوّج ملكاً خلفاً لخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله، كان يخصص الكثير من وقته للإطلاع على أوضاع المملكة من السعوديين على مختلف طبقاتهم، فيخصص وقتا لاستقبالهم ويتابع همومهم ويسهر عليها على أنه أب للجميع». ٭ لبنانيا، يقول زيّان: «يتخذ لبنان في قلبه، كما كان في قلب المغفور له الملك فهد ومن قبله المغفور له الملك فيصل وحتى قبله لدى الملك المؤسس الأوّل المغفور له الملك عبد العزيز. للبنان منزلة خاصة في المملكة ولدى ملوكها ومسؤوليها وامرائها بصورة عامّة. وللمناسبة فإن الأمير سلمان كان ولا يزال يعتبر بيروت العاصمة الثانية للسعودية. أما الملك عبد الله فعندما يلمّ أي خطب أو تمرّ ايّة ازمة بلبنان، فإنه يكون أوّل الملبين أو العاملين على معالجتها. وقد ازدادت الطمأنينة اللبنانية الى المملكة وازداد الاهتمام السعودي ببيروت وقضاياها، وخصوصا بعد الجريمة المروّعة التي ذهب ضحيّتها الرئيس الشهيد رفيق الحريري. فقد حملت المملكة العربية السعودية بقيادة الملك عبد الله هذا الهمّ وهذا الحزن مع اللبنانيين واعتبرت أنّه همّها وحزنها، وهي تتابع هذه القضية على الصعيد اللبناني والإقليمي والدّولي باهتمام ومثابرة دائمين وبإشراف مباشر من الملك عبدالله». ٭ دولياً يقول الصحافي والأديب الياس الديري «للمملكة منذ الملك عبد العزيز أسلوب يكاد يكون واحدا في التعاطي والتعامل مع القضايا الدولية والمجتمع الدولي والمؤسسات الدولية قائم على ركائز ثابتة عناوينها: الحق والصدق والصراحة والشجاعة والمصلحة العربية وبمقدمها القضية الفلسطينية وعروبة القدس، وأضاف الملك عبد الله على هذه السياسة وأعطاها زخما إضافيا منذ توليه العرش ، وينظر اليه والى سياسته الحكيمة في المحافل الدولية والى شخصيته القوية وصلابته النادرة باحترام دوليّ قلّ نظيره».