دولة تتزعم العالم الاسلامي بمكانتها الدينية المهمة لدى مسلمي العالم وبثقلها الاقتصادي الكبير ودولة تلعب دور القوة العالمية الأولى سياسياً واقتصادياً وتكنولوجياً.. كان بدهياً أن يرتبطا بعلاقات خاصة ومتينة تحتمها حاجة كل طرف للآخر وضرورات السياسة والاقتصاد التي تجعل استمرار هذه العلاقة وتعزيزها حاجة ماسة.. وهكذا بدأت العلاقات التاريخية بين المملكة والولاياتالمتحدةالامريكية. وبعد الحرب العالمية الأولى بسنوات بدت اللحظة التاريخية مناسبة لبدء صداقة ستتوثق عراها فيما بعد.. ففي هذه الاثناء كان الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود قد اشرف على استكمال مشروعه الوحدوي العظيم بتوحيد اجزاء المملكة وتدشين دولة كبرى في الجزيرة العربية في الوقت الذي كانت الولاياتالمتحدة في عهد الرئيس فرانكلين روزفلت تتهيأ للخروج من عزلتها التي نسجتها حول نفسها منذ تأسيسها لغير سبب من الاسباب.. وبدأت تتلمس دوراً خارجياً لها خارج القارة الجديدة. وبحكمة الملك المحنك ودهاء القائد الخبير ادرك الملك عبدالعزيز الحاجة لمد جسور العلاقة مع هذه الدولة العظمى مستشرفاً رحمه الله اهمية قيام علاقة متينة بين المملكة والولاياتالمتحدة تلبي مصالح الطرفين وتحقق العديد من المكاسب. وانطلاقاً من هذا الادراك السياسي والنظرة الاستراتيجية الثاقبة قام المؤسس باستقدام مجموعة من المهندسين الزراعيين من الولاياتالمتحدة واوكل اليهم مهمة البحث عن المياه في مناطق المملكة. وعاد هؤلاء الخبراء بتقارير تشيد بفرص الاستثمار غير المحدودة في هذا المجال. وفي ذات الوقت منح الملك عبدالعزيز شركات النفط الامريكية امتياز التنقيب عن النفط في اراضي المملكة وكان قراره هذا نابعاً عن بعد نظر ورؤية سياسية استراتيجية.. اذ كان الملك عبدالعزيز يسعى من وراء هذا الاتجاه الى الابتعاد عن النفوذ البريطاني السائد في تلك الفترة وذلك لسببين مهمين ادركهما رحمه الله حيث ان الشركات الامريكية كانت تتمتع باستقلالية اكبر تجاه حكومتها فضلاً عن أن الولاياتالمتحدة نفسها كانت بعيدة عن المنطقة في ذلك الوقت وبالتالي خالية من اي اهداف سياسية من اي نوع يمكن ان تشكل مصدر ازعاج للمملكة.. وتوسع نشاط شركات النفط الامريكية في المملكة وتعززت العلاقات بين البلدين وازدادت رسوخاً ومتانة. بعد ذلك اقامت الولاياتالمتحدةالامريكية تمثيلاً قنصلياً مع المملكة وارتفع مستوى التمثيل في عام 1942م الى مفوضية وبعد ذلك بسبعة اعوام اصبح التمثيل الدبلوماسي بين البلدين على مستوى سفارة. في عام 1945م كان اللقاء التاريخي بين الملك عبدالعزيز رحمه الله والرئيس الامريكي فرانكلين روزفلت على ظهر المدمرة الامريكية «كوينسي». وفي 1957 اصبح الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود أول عاهل سعودي يزور الولاياتالمتحدة، واجتمع مع الرئيس دوايت ايزنهاور. وكان ذلك بعد دور ايزنهاور الرئيسي في وقف العدوان البريطاني الفرنسي الاسرائيلي على مصر. وناقش الملك والرئيس مبادرة الرئيس لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط، ولمواجهة النفوذ الشيوعي. وفي فبراير (شباط) 1962، زار الملك سعود الولاياتالمتحدة مرة اخرى، واجتمع مع الرئيس جون كيندي. ومن المواضيع التي بحثها الملك والرئيس، بالاضافة الى تقوية العلاقات بين البلدين، تنسيق التعاون بين المملكة والبنك الدولي ومؤسسات الاممالمتحدة الاخرى، واستعداد الحكومة الامريكية للتعاون مع المملكة في الاستفادة من عائدات البترول بما يفيد المملكة ويزيد النمو الاقتصادي فيها. بعد ذلك قابل ولي العهد الأمير فيصل الرئيس كيندي في نيويورك خلال اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة. وفي 1966، قابل الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود الرئيس لندون جونسون، واستأنف معه اتصالات سابقة عن طريق السفير الأمريكي في الرياض بتأسيس مشاركة سعودية امريكية لمشاريع التنمية في المملكة. واتفق الملك والرئيس على إرسال فريق تابع لسلاح المهندسين التابع للجيش الامريكي، وعلى تنظيم عقود الشركات الامريكية مع حكومة المملكة، خاصة في مجال الاسلحة. وجدد الملك فيصل طلب شراء طائرات «إف 104». وفي 1971، قابل الملك فيصل الرئيس ريتشارد نيكسون، وجدد طلب طائرات لسلاح الجو الملكي السعودي. وفي 1974، زار الرئيس نيكسون المملكة، وقابل الملك فيصل، وكان اول رئيس امريكي يزور المملكة وبحث الملك والرئيس زيادة التعاون بين البلدين، خاصة في مجال تدريب الحرس الوطني، وتطوير الاجهزة الأمنية، وتأسيس اللجنة الاقتصادية السعودية الامريكية المشتركة. وفي 1978 زار الرئيس جيمي كارتر الرياض واجتمع مع الملك خالد. وبحثا، بالاضافة الى تقوية العلاقات بين البلدين، مشروع الرئيس كارتر لتحريك عملية السلام بين العرب واسرائيل، والذي بدأ باتفاق امريكي روسي في جنيف. وفي 1985 قابل الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود الرئيس رونالد ريغان في واشنطن. وكانت العلاقات بين البلدين قد تحسنت كثيراً خلال ادارتي ريغان الاولى والثانية، ولعب ريغان دوراً كبيراً في اجازة بيع طائرات «اواكس» للمملكة وفي تنسيق مواجهة النفوذ الشيوعي واليساري في المنطقة، وفي دعم أمن الخليج. الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله خلال استقباله الرئيس الامريكي جورج بوش في جدة عام 2991م وفي 1990، زار الرئيس جورج بوش (الاب) المملكة وقابل الملك فهد، وبحثا العدوان العراقي على الكويت، ونسقا استراتيجية طرد القوات العراقية، وتفقدا القوات الدولية التي كانت قد بدأت تصل استعداداً لعملية «عاصفة الصحراء». وبحثا خطوات ما بعد العملية لاعادة الاستقرار الى الكويت والمنطقة ولدفع عملية السلام بين العرب واسرائيل، والتي تطورت فيما بعد في قمة مدريد. وفي 1994، زار الرئيس بيل كلينتون المملكة، وقابل الملك فهد في قاعدة حفر الباطن، وبحثا العلاقات بين البلدين، و تطبيق قرار مجلس الأمن بمقاطعة ومحاصرة العراق. وكان كلينتون قد امر بضرب العراق بعد ان حرك قواته نحو الكويت، وقبل ذلك امر بضرب العراق ايضاً عندما اكتشفت مؤامرة عراقية لاغتيال الرئيس السابق بوش خلال زيارته للكويت. وفي 1998 قابل ولي العهد الأمير عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود الرئيس بيل كلينتون، وكان الأمير عبدالله قد قام بجولة عالمية شملت سبع دول. وسبق ذلك لقاءات بين كبار المسؤولين في البلدين، منها اجتماع الملك فهد والأمير عبدالله بنائب الرئيس آل غور عندما زار المملكة، واجتماع الأمير سلطان بن عبدالعزيز بالرئيس كلينتون في البيت الابيض. وبحث الأمير عبدالله وكلينتون العلاقات بين البلدين وتدهور الوضع في العراق بسبب رفض العراق تنفيذ قرارات مجلس الأمن، مما ادى الى عملية «ثعلب الصحراء» الامريكية البريطانية ضد العراق. الزيارة التاريخية للملك عبدالله إلى الولاياتالمتحدة سحابة 11 سبتمبر.. ثم وقعت الكارثة.. وبدأ العالم كأنه يتأهب لحقبة جديدة في علاقاته ومفاهيمه قبل حتى ان يزول الغبار من نيويورك 11 سبتمبر.. تلك الصبيحة الجهنمية التي قلبت العالم رأساً على عقب ودشنت لعهد جديد بعلاقات جديدة ومعادلات مغايرة..وبشريعة عالمية مختلفة. ولوهلة بدأت أن شقوقاً اعترت جدار العلاقات السعودية الامريكية التاريخية.. وخمنت فئة متشائمة ان هذه الشقوق ماضية الى ان تصبح صدعاً عميقاً بين البلدين الصديقين.. وبدأ حينها ان صداقة اكثر من 60 عاماً تمر بمأزق تاريخي حقيقي وان جميع الاحتمالات مفتوحة على المجهول. ولم يخل الامر من منتهزي اللحظة حيث تحركت جهات مشبوهة ومعاهد بحث معروفة الانتماء داخل الولاياتالمتحدة للعب دور كبير في تأليب الرأي العام الامريكي على المملكة من خلال حملة اعلامية مضللة ومغرضة مبنية على كم هائل من الاكاذيب والادعاءات في مسعى لزيادة الصدع بين الصديقين التاريخيين وقطع عرى هذه العلاقة التي بدت لهم كحجر عثرة امام اهدافهم وتصوراتهم المرسومة للمنطقة وقضاياها التاريخية. هكذا بدت الصورة بعد 11 سبتمبر ,2001. وهنا ستظهر الحكمة السعودية المعتادة في التعامل مع كافة الامور والقضايا والمستجدات. وذهب الملك عبدالله بن عبدالعزيز وكان ولياً للعهد حينها الى الولاياتالمتحدة مطلع صيف هذا العام.. فكانت زيارة تاريخية بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى وعلى وقع الصور التي تبثها وكالات الانباء العالمية للقاء الدافئ بين الزعيمين السعودي والامريكي تهاوت كل الصور المتشائمة عن العلاقات بين المملكة والولاياتالمتحدة جورج بوش في كرافورد وعبر حرارة الاستقبال التي استقبل بها (الأمير عبدالله) اتضحت الرؤية تماماً وايقن الجميع ان سحابة 11 سبتمبر العابرة قد زالت من على وجه العلاقات التاريخية واصبحت محض صفحة تمر طيها. والمدهش (الذي ليس مدهشاً لمن يراقب السياسة السعودية) ان المملكة وهي تستعيد دفء علاقاتها بالصديق الامريكي لم تتنازل قيد أنملة عن مواقفها المبدئية وآرائها الثابتة من كافة القضايا العربية والإسلامية وظلت متمسكة بدعمها لجميع الحقوق العربية رافضة ان تكون هذه الحقوق مجالاً للمساومات او الصفقات السياسية. بل ان المملكة ورغم معرفتها بمدى تغلغل اللوبيات ومراكز الضغط الصهيونية في مراكز صنع القرار الامريكي لم تنس ابداً تكرار مواقفها الداعمة للحقوق الفلسطينية والتنديد بالسياسة الاسرائيلية الاجرامية وانتقاد اختلال الميزان الامريكي في التعاطي مع قضية الشرق الأوسط المزمنة.. معرضة نفسها بذلك لسهام اللوبيات المتصهينة والسياسيين مزدوجي الولاء في الولاياتالمتحدة.. وقامت العلاقة بين المملكة والولاياتالمتحدة على الدوام على مبادئ وركائز اساسية: - احترام الشأن السياسي لكل دولة. - تحقيق المصالح المشتركة بين البلدين بما يخدم كل طرف ودون ان يترتب على ذلك اي ضرر يلحق بأحد اطراف العلاقة. - الشفافية والوضوح والمصداقية في عرض المواقف من كافة القضايا. - الالتزام بالتعهدات التي يتم عقدها سواء على المستوى الثنائي بين البلدين أو عبر اتفاقات دولية.