منذ بدء الخليقة والصراع بين الخير والشر موجود، ويتطور بأشكال وألوان مختلفة على حسب الظروف والزمان المكان، صراعاً أزلياً دائماً مستمراً حتى قيام الساعة، حينها يعاقب الله سبحانه الظالم ويجعله في الدرك الأسفل من النار، ويكافئ المظلوم ويرزقه جنان الخلد، ومن المتعارف عليه فطرياً وفي جميع الأديان والمذاهب والملل والنحل والأيديولوجيات أن الخير يكمن أساساً في محبة الناس وقضاء حوائجهم ونشر السلام والمعاملة الحسنة والرفق حتى بالحيوان الضعيف، وأن الشر يكمن في نشر الكراهية وإيذاء الناس وسوء المعاملة والظلم وسفك الدماء البريئة. إضافة الى ما سبق تميز ديننا الحنيف كما أمرنا الله ورسوله صلى الله عليه واله وصحبه وسلم بأن نتحلى بمكارم الاخلاق، وببذل جهدا إضافيا لاحترام المرأة وحسن معاملتها والسعي في رفاهيتها وتحمل الأعمال الشاقة عنها وعدم جرح مشاعرها، فقد قال الحبيب صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف (رفقاً بالقوارير) وقال في حديث آخر (واستوصوا بالنساء خيراً)، وغيرها من الاحاديث التي أوصانا بها بحسن معاملة المرأة وعدم تحميلها أعباء فوق طاقتها، أضف الى ذلك ان من صفاتنا العربية الجميلة هي إكرام المرأة وخدمتها بكل الوسائل الممكنة، وأن تدفعنا الحمية والنخوة العربية للمساعدة و(الفزعة) عندما نرى امرأة يتم إيذاءها أوإهانتها أو أن تطلب مساعدة في أمر ما. فهكذا تكون الرجولة والمروءة، وهذا ما اعتدنا أن نراه دائما في مجتمعنا السعودي المسالم، أما ما حدث قبل عدة أيام من قيام الارهابي المجرم بقتل الشهيدة (بثينة العباد) بالقرب من الحيدرية في سيهات فهو يناقض تماماً أساسيات الفطرة البشرية السليمة، ويناقض تعليمات ديننا الاسلامي دين السلام والرحمة والمحبة (وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين)، كما يتنافى مع أدنى درجات المرجلة والمروءة والشهامة التي اعتدنا عليها في مجتمعنا السعودي الذي ينحني رجاله احتراماً وتوقيراً للمرأة، فهذه الجريمة الجبانة انتهت باستشهاد فتاة بريئة بعمر 22 ربيعاً وفي يدها طفل صغير، الذي لولا لطف الله لكان قتل هو الآخر، إضافة الى أربعة شهداء أبرياء، وبدمٍ باردٍ خالٍ من المروءة، لم ترتكب أي ذنب ولم تؤذ أي بشرٍ قط، بل كانت تسعى لتكون أحد ملائكة الرحمة بدراستها في كلية الطب، وكانت تعتزم بعد تخرجها القيام بعلاج المرضى وتخفيف آلامهم وإعادة البسمة والأمل على شفاههم، كان حلمها هو وظيفة مليئة بالإنسانية، بينما تم اغتيالها بطريقة تخلو من ذرة إنسانية. وفي هذه الجريمة النكراء لا يختلف اثنان من يمثل الخير ومن يمثل الشر، ومن يمثل الحق ومن يمثل الباطل، ولكن عزاؤنا أن مصيرها جنان الخلد باذن الله، أما قاتلها ومن خطط له ومن دعمه ومن أرسله فكيف يخطر ببالهم لحظة أنهم بجريمتهم النكراء وقتلهم الابرياء فإن مكافأتهم جنات عدنٍ خالدين فيها أبداً، وقد قال الله سبحانه وتعالى (من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً).. فهل يعقل أن يكون القاتل والمقتول في الجنة في هذه الحالة؟. ختاماً نسأل الله العلي القدير أن يرحم الشهداء برحمته الواسعة وأن يتقبلهم بأحسن قبول، وأن يكون الله في عون رجال أمننا ويقويهم لصد الاعتداءات المخزية من أصحاب هذا الفكر المهترئ، الذين لا يمثلون الا أنفسهم، وأن يحمي بلادنا الحبيبة من جميع الشرور.