أظهرت التوجهات الاقتصادية الجديدة في المملكة ضرورة تنويع مصادر الدخل، وتحديداً بعد تراجع أسعار النفط، وتنافسية العرض والطلب العالمي، وتذبذب الأسعار بسبب الظروف السياسية المحيطة بالمنطقة، حيث أضيف إلى قائمة صناعات التعدين والبتروكيماويات صناعات واستثمارات جديدة تشمل البنية التحتية والترفيه والتأمين والتقنية والمعرفة وغيرها؛ بما يضمن مستوى اقتصادي أفضل يستجيب للتطورات التنموية واحتياجات المواطن، ويعكس قيمة الاقتصاد الوطني كقوة مؤثرة عالمياً. ويتابع مجلس الاقتصاد والتنمية برئاسة ولي ولي العهد تنفيذ تلك التوجهات، بل يعدها واحدة من أهم أهدافه للخروج بحزمة من الاستثمارات المتعددة لجذب مزيدٍ من الشركاء المستثمرين، والشراكات الدولية في دعم علاقات المملكة السياسية، وكان آخرها حجم الاستثمارات المعروضة على الجانب الأميركي أثناء زيارة الملك سلمان إلى واشنطن في سبتمبر الماضي، وقدّرت حينها بنحو تريليوني دولار، وكان من بينها صناعة الترفيه، وهي الصناعة التي نرى فيها أهمية خاصة وضرورية، حيث لا يزال الاعتقاد سائداً من أن بيئتنا طاردة، والدليل الأرقام الكبيرة لحجم مصروفات السفر والسياحة للمواطنين مع كل إجازة خارج المملكة، وتقدّر سنوياً بعشرات المليارات من الريالات. وصناعة الترفيه لا تتوقف عند مفهوم مدن الألعاب الكهربائية أو المائية أو السفاري، ولكنها تشمل أيضاً المتاحف والمعارض والتسوق والسينما والتعليم، حيث تعتبر المملكة واحدة من أهم مناطق الشرق الأوسط استهلاكاً للترفيه، بل يعد الجمهور السعودي من أكثر جماهير المنطقة استهدافاً لمهرجانات وفعاليات تقام في دول مجاورة، وعروض سياحية أخرى في أوروبا وشرق آسيا، وهو ما يعبّر عن دخول اقتصادية كبيرة لتلك الدول على حساب المواطن الذي يقطع مسافات سفر طويلة، ويحجز فنادق، ومصروفات نقل وإعاشة بحثاً عن الترفيه الذي لا يجده في بلده. نعم نحلم بمدن ترفيه لا تقل عن "ثيم بارك" في أي دولة أوروبية، وغابات سفاري تنسجم مع المكونات الطبيعية الهائلة في بلدنا، ومعارض تسوق على مستوى عالٍ من الخدمة، ومتاحف للفنون، وسفن للرحلات البحرية، ودور سينما، ومطاعم ومقاهٍ مفتوحة، وفنادق سياحية مطلة على واجهات بحرية في العقير أو تبوك أو جازان أو السفّانية أو في أي موقع آخر، وساحات في وسط كل مدينة تعبّر عن ملتقى فكري وثقافي واجتماعي بنوعية المأكولات الشعبية، أو الجلسات، أو حتى المعروضات والحرف التقليدية. تلك الأحلام قابلة للتحقق ولكنها غير قابلة مطلقاً للتأجيل؛ لأن المواطن دفع كثيراً خارج بلده، ويأمل أن يصرف بعضاً من ذلك داخل وطنه، خاصة في عطلة نهاية الأسبوع التي هي أساس التحرّك العائلي، حيث لا تجد كثير من العوائل متنفساً سوى داخل الأسواق المكتظة، أو الاستراحات باهظة الثمن، أو في حدائق محدودة جداً ولا تتوافر فيها الخدمات الكافية مقارنة بحجم المرتادين. صناعة الترفيه تنتظر شركاء حقيقيين، واستقطابات مستثمرين من خارج المملكة، ولكن الأهم أن نوفر البنية التحتية التي تساعد على نجاح تلك الصناعة، ومن ذلك تحديد جهة واحدة تشرف على قطاع الترفيه (الهيئة العليا للسياحة مثلاً)، وتوفير أراضٍ في ضواحي المدن مكتملة الخدمات، وقروض للبناء والتشييد، وتهيئة العنصر البشري بالتدريب والتأهيل لممارسة تلك الصناعة، كذلك تهيئة المجتمع لقبول العصر الجديد من صناعة الترفيه القائم على الوعي، واحترام خصوصية الآخر. أنا واثق أن صناعة الترفيه ستأخذ عهداً جديداً في المملكة، حيث وضعها المجلس الاقتصادي من بين أهم الصناعات التي تساهم في تنويع مصادر الدخل وجذب السائحين، وتطوير المواقع السياحية التي تتميّز بها المملكة في أكثر من مكان، ولكن الأهم أن نتحرك كرجال أعمال ومواطنين في تبني تلك الصناعة حتى يتشجع المستثمر الأجنبي على الدخول والمشاركة في توفير مدن عالمية.