مما لا شك فيه أن الهيئة العليا للسياحة تبذل جهوداً جبارة في سبيل النهوض والرقي بقطاع السياحة في المملكة وذلك طبقاً لمرحلتين؛ حيث إن المرحلة الأولى تركز على البنية التحتية وهي في الغالب تحتاج إلى جهد مضن. ذلك أن التأسيس هو أصعب مراحل أي مشروع وأكثرها تكلفة وقد أخذ بعين الاعتبار أن تركز تلك المرحلة على الاهتمام بالسياحة الداخلية والمرحلة التي تليها تركز على تشجيع السياحة من خارج المملكة وهذا له دور تثقيفي وتعريفي واقتصادي لا يخفى على حصيف. إن البنية التحتية الجيدة تضمن جودة البيئة الفوقية التي تعتمد على تلك القاعدة، على أن الناس يستعجلون المنظور وذلك لأن الإنسان بطبعه عجول، ويغلب عليه الإيمان بالمحسوس والملموس والذي لم تغفله الهيئة ولذلك فهي توائم بين المسارين قدر الإمكان. نعم إن حديث المجالس ينصب في المقام الأول على قلة وسائل الترفيه وقلة مناطق الجذب السياحي التي وإن وجدت إلا أن هناك عوامل تحد من الاستفادة منها مثل عدم توفر البنى المساندة بشكل كافٍ مثل الفنادق والشقق المفروشة ووسائل المواصلات والمطاعم والوسائل المساندة الأخرى. ولذلك فإن الفعاليات الترويحية تقتصر على التسوق الذي فاقت مرافقه ومراكزه في كل من الرياضوجدة والدمام ما هو موجود في كثير من الدول. أما الذهاب إلى الصحراء للتنفيس والقضاء على الروتين، خصوصاً وقت الإجازات فله مصاعبه.. إن الاستثمار في المراكز التجارية قد جعل من مدينة الرياض مثلاً واحدة من أكبر مراكز التسوق في المنطقة. وإذا كان المستثمرون قد نجحوا في هذا التوجه إلى حد أن بعض تلك المراكز بدأت بتغيير نشاطها أو أسلوب عملها فلماذا لا يتم الاتجاه إلى استثمارات ترفيهية وسياحية تدعم تلك الاستثمارات التي تمت في المراكز التجارية بحيث تشكل دعامة ووسيلة نجاح إضافية لها؟ إن اشتمال تلك الأسواق على وسائل جذب ترفيهي وسياحي أو إقامة تلك الوسائل في المناطق المجاورة كفيل بضرب عصفورين بحجر واحد. أما الخروج إلى البر والاستمتاع بالهواء الطلق والجو المفتوح فهو الآخر يعاني من بعض الصعوبات التي منها أن المتنزه يحتاج إلى من يصطحب معه كل شيء يحتاجه من عود الكبريت حتى المأكل والمشرب وربما المأوى ناهيك عن بعد المسافة بسبب تملك الأراضي القريبة من المدينة وتسويرها وحرمان الناس منها، وهنا لابد من الاشادة بالمشروع الذي يقام حالياً في الثمامة والذي سوف يشكل متنفساً جيداً للمدينة. وما يكتنف التنزه في الصحراء من صعوبات نجده في الشواطئ حيث محدودية المساحة المتاحة أمام الناس وذلك بسبب التملك أو إقامة المنتجعات والشاليهات الخاصة أو التجارية ناهيك عن ردم البحر بحيث يقتصر الاستمتاع به عن طريق المشاهدة فقط لأن الردمية وبالتالي عمق المياه يحولان دون النزول إليه ليس هذا فحسب بل إن وسائل الترفيه هناك معدومة إلا من عدد من الدراجات النارية المبالغ في أسعار استئجارها، أو عدد من القوارب الفردية غير المناسبة وغير الآمنة. لذلك فإن الاتجاه إلى دعم وسائل الترفيه ووسائل الجذب السياحي يتطلب الاستثمار في عدد من الفعاليات التي تخلق عدداً من الفرص الوظيفية وتفتح أمام الناس نوافذ جديدة وقريبة بدون مغالاة في الأسعار وقد يساعد على خفض الأسعار أن يتم منح المستثمرين أراضي حكومية تؤجر لهم بأسعار رمزية.. ولعل من أهم المشاريع التي تصب في هذا الاتجاه ما يلي: * الاهتمام بصناعة المتاحف والعمل على تعدد أنشطتها والتعرف على أسباب عزوف المواطن عن الاهتمام بها والذي ربما يُعزى إلى غياب الدعاية والإعلان ومحدودية عدد المرشدين المميزين، ومحدودية المعروض ناهيك عن غياب الأمور المساندة الأخرى. لذلك فإن إنشاء أنواع متعددة من المتاحف مثل متاحف للآثار ومتاحف لأنواع الحيوانات ومتاحف للعلوم والتكنولوجيا، ومتاحف زراعية وتاريخية وعسكرية، فهذه المتاحف لها أهمية تثقيفية وعلمية وترفيهية وسياحية على أن يوجد بجوار كل منها وسائل جذب تتناسب والفعاليات المناطة بها أو أن تقام هي بجوار الفعاليات ووسائل الجذب التي تمكّن من زيارتها وإشهارها والاستفادة منها. ولعل خير مثال لذلك خلق وسيلة جذب لمتحف صقر الجزيرة تتمثل في تحويل طائرة الترايستار القديمة التي خرجت من الخدمة إلى مطعم ملحق بالمتحف.. وما يزيد من تألق هذا القرار أنه بداية لسلسلة مماثلة من الطائرات المدنية والعسكرية التي سوف تخرج من الخدمة بالإضافة إلى تمكن الزائر من دخول الطائرات المدنية أو العسكرية برفقة مرشد سياحي فني يُعرفه على الطائرة وأجزائها وكيفية عملها خصوصاً لطلاب المدارس ما سوف يوسع دائرة المعرفة والتثقيف بواسطة أشياء محسوسة. * الاتجاه إلى إنشاء مراصد فلكية ليس لرصد الأهلّة فقط بل من أجل جعلها ذات أبعاد علمية وتثقيفية أيضاً وذلك من خلال إقامة تلك المراصد على ساحات مناسبة تحتوي على قاعات محاضرات وصالات عرض تؤطر لزرع ثقافة علمية ترفيهية تثقيفية تتعلق بعلم الفلك والعلوم ذات العلاقة.. إن تثقيف الناس عن حركة الشمس والأرض والقمر وعلاقتها بحياة الإنسان من حيث إمدادنا بالطاقة والضوء وتعاقب الفصول والليل والنهار ودور ذلك في تغيير المناخ وكيفية ولادة الهلال واكتماله ودوره في عمليات المد والجزر، بالإضافة إلى نظريات الكسوف والخسوف .. كل ذلك يدخل في باب التفكير في ملكوت السموات والأرض الذي أُمرنا به. كما أن وجود قبة فلكية مفتوحة أمام الجمهور له جاذبية كبرى ناهيك عن تزويد تلك المراصد بأجهزة نموذجية تحاكي أوضاع الجاذبية والبيئة في الكواكب الأخرى مثل المريخ والمشتري تمكن الزائر من معرفة وزنه هناك، هذا بالإضافة إلى توفر غرف تحاكي أوضاع الفضاء وانعدام الجاذبية. * في بعض المناطق أو الولايات التي لا تتمتع بموارد اقتصادية في أمريكا وأوروبا وغيرهما من الدول يتم إنشاء مدن سياحية وترفيهية ذات جذب سياحي فعال من أجل رفع المستوى الاقتصادي لتلك المناطق وإيجاد وسائل دخل لها وبالتالي زيادة الكثافة السكانية فيها. وهذا العمل يمكن أن نقوم به ونأمل وجوده في كثير من مناطق المملكة.. ولعل مدن الديزني لاند وعالم ديزني في أمريكا وأوروبا ليست ببعيدة عنا بل إن هناك كثيراً من الناس يشدون الرحال من أجل زيارتها وغيرها، كما أنها تشكل فرصاً استثمارية لما تحظى به من عوائد.. وإذا استطعنا أن نضيف إليها مما هو موجود لدينا من إبداع نستطيع أن نخلق مراكز ومدناً للترفيه والسياحة مدعومة بالوسائل المساندة. * أما على الواجهات البحرية والسواحل فإن هناك كثيراً من الفعاليات الغائبة والتي يحسن الاتجاه إلى توطينها والاستثمار فيها ولعل من أهمها خلق وسائل ترفيه وسياحة على السواحل دائمة تصلح للفصول المختلفة من السنة فإقامة مطاعم مفتوحة ومغلقة على شاطئ البحر ذات أسعار مناسبة له أهمية كبيرة على أن تكون ذات قدرة على التكيف مع فصول السنة حتى في الهواء الطلق. هذا بالإضافة إلى توفير وسائل الاستمتاع بالرياضات البحرية مثل التزلج على الماء والغوص والتجديف، والإبحار بواسطة القوارب الشراعية وإيجاد مسابقات لها ناهيك عن الرحلات البحرية بواسطة اليخوت والسفن الكبيرة التي تمكّن من قضاء يوم أو يومين أو أقل أو أكثر في عرض البحر أو التمكن من زيارة المدن الساحلية في الخليج أو البحر الأحمر أو من أحدهما إلى الآخر.. كما أن إقامة فنادق ومطاعم تحت الماء من وسائل الجذب السياحي التي نجحت في الاستثمار فيها كثير من الدول. إن الاستثمار لا يعرف حدوداً فقد تمت إقامة الفنادق تحت البحر ومطاعم مظلمة وكذلك بنيت أخرى من الثلج ولكل منها زبائنه. * إن عملية فتح المحميات أمام الزائرين والسياح بطريقة منظمة وتحت إشراف الهيئة الوطنية للحياة الفطرية سوف تشكل متنفساً أمام الناس من ناحية، وسوف تشكل وسيلة دخل للهيئة على أن يوجد من الوسائل المساندة ما يشجع على ذلك؛ ولعل وسيلة المواصلات تأتي في مقدمتها. كما أن ذلك يمكن الهيئة من ايصال رسالتها إلى الناس ويمكن الناس من الاطلاع على جهود الهيئة وأهمية المحافظة على الحياة الفطرية بما في ذلك النباتات على اختلاف أنواعها ليس في المحميات فقط بل في كل مكان لأن ذلك يشكل جزءاً من أساليب محاربة التصحر. * الاهتمام بالصناعات الثقافية ذات الأبعاد التثقيفية والتنويرية والترفيهية والسياحية بعيداً عن الاسفاف والمحظور سوف يغني كثيراً من شبابنا عن السفر للبحث عن تلك المنتجات خارج الحدود، وفي نفس الوقت تبعدهم عن السموم التي تبثها بعض القنوات الفضائية الموجهة والتي رسالتها القضاء على الحشمة وزرع الرذيلة من خلال الأفلام الإباحية والتي يتم الوصول إليها رغم وسائل الفلترة والحجب. لذلك فإن الاهتمام بالمسرح والإنتاج السينمائي اللذين يخضعان للرقابة أفضل بكثير مما تبثه وتبشر به بعض القنوات الفضائية.. إن الأفلام السينمائية ليست كلها سيئة ففيها كثير من الأفلام لمفيدة التي تخدم الحقيقة مثل الأفلام الوثائقية والعلمية والبيئية ومنها ما يخدم الخيال العلمي مثل حرب النجوم، ومنها ما يخدم التاريخ والجغرافيا.. ومن الأفلام المشهورة فيلم تيتانيك وحرب النجوم وعمر المختار والرسالة كما أن أفلام المغامرات والاستكشافات وتلك التي تهتم بعادات ومكونات الشعوب كلها ذات أبعاد تثقيفية وعلمية وترفيهية بعيدة عن المحظور، وكما قيل كل شيء في هذه الدنيا له وجهان أحدهما ضار، والآخر نافع بما في ذلك الدواء والماء والغذاء. نعم إن موقع أي شعب من الشعوب على الخارطة الثقافية العالمية، والوعي الجماهيري بمكانته ينبعان اليوم ويعتمدان على ما ينتجه ذلك الشعب من فعل ثقافي مصور وذلك لأن الأفلام المنتجة عن أي بلد من البلدان تلعب دوراً كبيراً في إقناع الرأي العام الآخر بوجهة النظر المطروحة؛ وذلك لأن الأفلام يتم تلقيها بصورة جماعية من خلال دور العرض أو البث المباشر عبر التلفزيون. لذلك فإن الاهتمام بالصناعات الثقافية ذات العلاقة مهم جداً حتى لو أدى الأمر إلى الاستعانة بممثلين ومنتجين ومخرجين يسدون النقص الحاصل إن وجد وذلك من خلال قاعدة التكامل والتعاون. إن من يملك صناعات ثقافية متقدمة يستطيع أن يحيد جبروت الإعلام المعادي الذي تدوس عجلته اليوم مكانة وكرامة وثوابت العرب والمسلمين في أساليب لا تخلو من تبادل الأدوار والتشويه والتجني وإلصاق تهم الإرهاب ومفرداتها بكل ما هو عربي ومسلم، فالعرب والمسلمون اليوم يملكون وسائل إعلام كثيرة لكنها غير فاعلة فعدد المحطات الفضائية في العالم العربي يربو على الستمائة محطة ولكن أغلبها غثاء والعيب ليس في الأجهزة بل في التوجه؛ لذلك فإن الاهتمام بالصناعات الثقافية يؤدي إلى صيد عصفورين بحجر واحد أحدهما ترفيهي تثقيفي تنويري انفتاحي علمي، والآخر دفاعي يوضح الحقيقة ويصل بها إلى عقر دار الخصم الذي يتخفى حتى يحيرك من الفاعل إذا نسيت بني صهيون ومن يدور في فلكهم من صناع المصائب الاقتصادية والسياسية والعسكرية والأمنية والاجتماعية والأخلاقية والذي يساعدهم على تحقيقه غياب الوعي والثقافة الوطنية الرصينة.. والله المستعان.