اسم ارتبط بالروحانية التي أضافها للأدب الروسي، العازف الذي صاغ مقطوعاته في الصراع بين الظلام والنور، وفي المنفى يتعلم الفن التشكيلي رافعا لواء الرومانتيكيين الثوريين، إنه الشاعر ميخائيل ليرمنتوف الذي ولد وسط طبقة نبيلة في موسكو عام 1814م، وحين الفطام كان قد فقد والدته إلى الأبد، فبات في حضن جدته التي أخذت على عاتقها أن تربت على كتفيه الحنونين ملقية حزنه عبر أنامله على شكل قصيدة، فباشر بكتابة قصيدته الأولى "الشيطان " وهو متخشب فوق كرسي المدرسة الخاصة التابعة لجامعة موسكو عام 1829م، وبعد أن فقد والده قرر ألا ينقطع عن القراءة وكتابة القصائد حتى وإن كان ضابطا في القرية القيصرية!. وفي عام 1837م اغتيل الشاعر الأول في تاريخ الأدب الروسي " بوشكين " فكتب ليرمنتوف متأثرا بمقتله قصيدة تكاد تسمع صداها على كل لسان يسكن روسيا: "فاضت روحه من الألم من الافتراءات الحقيرة حتى الانفجار.. وقف وحيدا في المواجهة وها قد قتل! قتل! فكل نواح الآن عقيم وفارغة تراتيل الإطراء وهمهمات الأسى الكسيح! ونحن نحملق في إرادة الموت! وبعد - فهل أنتم أبرياء! يا من حاصرتم في قسوة موهبته الحرة الشجاعة؟" هذه الكلمات التي أثارت غضب السلطات؛ مما أدى إلى اعتقال ميخائيل ونفيه إلى منطقة القوقاز بعد احتجاجه على مقتل بوشكين، وهناك في المنفى البعيد حيث لا أحد؛ مارس الشاعر مهنة رسم اللوحات بالألوان المائية والزيتية المعبرة عما حالت به أقداره، فكانت المؤنسة الوحيدة له. وعلى الرغم من أن ليرمنتوف لم يقض فترة طويلة وهو يحيك الشعر إلا أنه وبسبب الحياة الصاخبة التي عاشها في القوقاز كان قد كتب الكثير من القصائد التي تحمل أصالة في اللغة والتصوير الفني واستلهم من الثقافة العربية والإسلامية تماما كما فعل بوشكين، منها :" أسير القوقاز- الشركسي- الخريف- القرصان- الشراع- النبي" . كما قام بكتابة مسرحيتي :" حفلة تنكرية، الشقيقان" وبعدها قام بكتابة رائعته " بطل زماننا " الرواية التي ترجمت إلى كل لغات العالم تقريبا، وقال عنها نقاد الأدب الروسي إنها أول رواية سيكيولوجية واقعية في مرحلة الرومانتيكية الروسية، فاكتسح من خلالها تاريخ الأدب الروسي حتى أنه اقتحم بها بوابة الأدب العالمي، وبسببها قال عنه بيلينسكي: " لقد ظهرت في روسيا موهبة قوية جديدة، ويبدو لي أنه سيظهر في هذا الفتى شاعر روسيا الثالث، وأن بوشكين لم يمت دون أن يترك وريثا له! من الواضح أن ليرمنتوف شاعر عصر آخر، وأن شعره حلقة جديدة في سلسلة التطور التاريخي لمجتمعنا".