إحدى أهم مآثر الدولة السعودية الثالثة هي الوحدة الوطنية، فهي الوحدة التي جعلت من جزيرة العرب تلتئم حول كيان سياسي واحد، وتخطو إلى العصر الحديث وهي دولة مستقلة ذات سيادة، بعدما كانت متشظية قبلياً مابين البادية ومجتمعات شبه زراعية، ذات ظروف بيئية واقتصادية شحيحة تقصيها عن العالم المتحضر والمدنية. لذا فوحدتنا الوطنية أعتقد هي قدس الأقداس الذي يجب أن لا يمرر على أي من تجاربنا الفكرية الخرقاء، أو مغامراتنا التحليلية، أو اجتهاداتنا القاصرة. لأن الذي يغامر في هذه المنطقة، هو يغامر بوحدتنا الوطنية التي هي مصدر أمننا واستقرارنا ومستقبل أبنائنا، وهو كالمجنون الذي يلوح بقنبلة فوق رؤوسنا. مفهوم المواطنة كان حاضرا دوماً منذ مطالع التأسيس، ومن هنا نصت المادة الثانية عشرة من النظام الأساسي للحكم على (تعزيز الوحدة الوطنية واجب، وتمنع الدولة كل مايؤدي للفرقة والفتنة والانقسام). والدولة تعي بأن الوحدة الوطنية تتداخل مع أمنها القومي، ومن هنا يصبح المساس به من خلال التعريض ببعض مكونات ومذاهب الوطن هو اعتداء على استقرار الوطن وسيادته. ومؤتمرات الحوار الوطني التي كانت منعطفاً تاريخياً هي أيضا جزء من هذا الوعي، أظهرت بها الدولة موقفها المتساوي من جميع الاختلاف المذهبي الوطني، واحتفاءها بالتعددية والغني الذي تعكسه ألوان الطيف في مملكتنا. حتى توج هذا كله موقف الملك سلمان حفظه الله عبر مسارين عملي عندما أمر بحجب وإقصاء من يحاول أن يعرض بكرامة أحد المواطنين عبر مقابلة تلفازية، والمسار القولي عندما قال (ونؤكد حرصنا على التصدي لأسباب الاختلاف ودواعي الفرقة، والقضاء على كل ما من شأنه تصنيف المجتمع بما يضر بالوحدة الوطنية، فأبناء الوطن متساوون في الحقوق والواجبات. وإن للإعلام دوراً كبيراً وفق تعاليم الدين الإسلامي الحنيف في دعم هذه الجهود وإتاحة فرصة التعبير عن الرأي، وإيصال الحقائق وعدم إثارة ما يدعو إلى الفرقة أو التنافر بين مكونات المجتمع، فالواجب على الإعلام أن يكون وسيلة للتآلف والبناء وسبباً في تقوية أواصر الوحدة واللحمة الوطنية) وفي نفس الخطاب أكد حفظه الله على أمراء المناطق (باستقبال المواطنين والاستماع لهم ورفع ما قد يبدونه من أفكار ومقترحات تخدم الوطن والمواطن، وتوفر أسباب الراحة لهم). لأن ملكنا المثقف، صاحب الخبرة الإدارية العريقة، يعي خطورة الأمانة الكبرى التي على عاتق المسؤول، ويعي حساسية موقفه، وانعكاس هذا الموقف على أمان واستقرار الوطن. فالمسؤول نتيجة لمنصبه يمتلك سلطة ونفوذاً وحضوراً إعلامياً، ومن يوظف هذه السلطة والنفوذ لتمرير أفكار ومرئيات خاصة به هنا تبدأ الكارثة في التبلور، لأن ذلك يتقاطع مع وحدتنا، ويضرب بعرض الحائط تاريخ ونضالات المؤسسين، ويستهين ببنود النظام الأساسي للحكم، ويتنكب درباً (يشذ بعيداً عن النهج الذي سار عليه قادتنا) باتجاه بؤر الفتن والاضطرابات، وتكفير بعض من معتقدات المواطنين الآمنين الذين يعيشون بيننا. وطننا يخوض الآن حرباً يلعب بها البعد الطائفي دوراً واضحاً فهل نصب مزيداً من الزيت على النار؟ ووطننا الذي يشرف بخدمة الحرمين الشريفين يستقبل هذه الأيام موسم حج وفوق أرضنا ضيوف علينا يلتقي المسلمون من جميع أصقاع العالم بجميع مذاهبهم وطوائفهم هل نهينهم؟ ومن يحاول أن يتلاعب بأمننا القومي عبر نثر آرائه الشخصية على صفحات الجرائد.. فلا بد أن يحاسب ويؤخذ على يده.. فهذه المنطقة ليس حيزاً للعبث.. إنها الوطن. لمراسلة الكاتب: [email protected]