لم نكن لنسمع عن "قيس وليلى" و"روميو وجولييت" و"جميل بثينة" أو "عنترة وعبلة" لو أن علاقتهما انتهت بالزواج.. ما يحفظ قصص العشاق هو "دراما" الفراق وعدم الوصال وتقديم "نموذج" يتكرر في كل جيل.. .. قبل فترة قرأت لقاء مع ابن الشاعر المصري الراحل أحمد رامي يسرد فيه محطات من سيرة والده وعلاقته بأم كلثوم.. وكانت علاقة رامي بأم كلثوم قد بدأت مبكرا حين قرأت له قصيدة "الصبّ تفضحه عيونه" فغنتها فاتصل بها ليشكرها.. ومن المعروف أن أحمد رامي كتب أشعاره بالفصحى والعامية وترجم رباعايات الخيام من الفارسية، وكتب نصف أغاني أم كلثوم وكانت تحول إليه ما تبقى من القصائد لتقييمها.. وفي هذا اللقاء سئل ابنه (توحيد) عن صحة الادعاء بأن والده أحب أم كلثوم فقال: سألت والدي عن ذلك فقال: "نعم أحببتها ولكنني لم أخبرها بذلك أبدا".. ولكن أم كلثوم ووالدتي (التي وصلت اليوم لسن المئة) كانتا تعرفان ذلك، وكانت والدتي حين يسألها أحد: هل صحيح إن أحمد بيحب أم كلثوم؟ تبتسم وتقول: وأنا كمان بحب أم كلثوم! .. والعشق ذاته عاطفة نبيلة لا يملك حيالها الانسان شيئا.. وكانت العرب تقدرها كثيرا ولا تلوم حتى بناتها في ذلك.. قال رجل لعمر بن الخطاب: يا أمير المؤمنين رأيت امرأة فعشقتها فقال: ذلك ما لا تملك. وقيل ليحيى بن معاذ: إن ابنك قد عشق فلانة، فقال: الحمد لله الذى صيّره إلى طبع الأوادم.. وليس أدل من تقدير العرب لهذه العاطفة أنها كما ذكرت قبل أيام قسمت الحب الى عشر مراحل تبدأ ب(بالحب والهوى) فإذا زاد سمي (الكلف) ثم (العشق) ثم (الشغف) ثم (الجوى) ثم (التيم) ثم مرض يدعى (التبل) ثم اضطراب في العقل يدعى (التدلية) حتى ينتهي ب(الهيوم) حيث يهيم المحب على وجهه كالمجانين.. والمرحلة الأخيرة هي التي وصل إليها قيس بن الملوح لدرجة أحضره أبوه إلى مكة ليسأل الله له العافية من حب ليلى فتعلق بأستار الكعبة وقال: اللهم زدني بها حبا، وكلفا، ولا تنسني ذكرها أبدا..! ومصيبة قيس كانت في أن العرب تخشى تزويج العشاق خوفا من اعتقاد الناس بأنهم أُجبروا على ذلك بقصد الستر.. فآفة العشق فعل الفاحشة وانتشار الفضيحة وقالوا في ذلك: إن الحب إذا نكح فسد.. وبالتالي إن سلم العشق من هذا الاحتمال يصبح من أسمى العواطف وأنبل الأخلاق بدليل حديث (من عشق وعفّ وكتم ثم مات مات شهيدا)، والذي أتى أيضا بلفظي(من عشق فكتم ثم مات) و(من عشق فظفر ثم مات).. وقال بعض العلماء ممن صححوا هذا الحديث إن الموت عشقاً أشرف منزلة من الموت حرقا أو غرقا (التي أتت فيها أيضا أحاديث تبشر أصحابها بالشهادة) وذلك لأن العفاف فيه مخالفة لهوى النفس وشهوات الجسد.. ومخالفة هذا في حضرة العاشق يرتفع لمرتبة الأعمال الصالحة بدليل الثلاثة الذين سُد عليهم مخرج المغارة فدعوا الله بصالح أعمالهم وكان بينهم رجل عفيف قالت له ابنة عمه: "اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه" قال: "فانصرفت عنها وهى أحب الناس إلي"! .. المشكلة؛ أن "الصب تفضحه عيونه" مهما كتم وتعذب بصمت.. وفي حياة كل انسان قصة.