منذ اكثر من ثلاثة عقود ومعدات (الحفر، والردم) الخفيفة، والثقيلة لم تتوقف، وهي تعمل تحت اسماء مختلفة من المشروعات: مشاريع سفلتة، ومشاريع رصف، ومشاريع إنارة، ومشاريع مياه شرب، ومشاريع صرف صحي، ومشاريع هاتف، وغيرها، وغيرها. وطوال هذه السنوات مازالت - المعدات - تعمل فوق جسد العروس فأي جسد يتحمل كل هذا الحفر بكل هذه المعدات..؟ انها مشروعات تتكرر، بمعنى ان عملية الحفر تتم، وعملية الردم تتم، وبعد وقت تتم عملية حفر، وعملية ردم، وهكذا الى ما لا نهاية. هذا (المسلسل الدائم) حطم جسد العروس، وجعله مليئاً ب «الندوب، والثقوب» فهي لا تكاد تشفى منه حتى تعود اليه بسبب انه لا توجد (انفاق خدمات، او مرافق خدمات) تعتمد عليها المشروعات في تمديد خدماتها (كما الحال في كثير من الدول - المتقدمة بطبيعة الحال - وكان من الممكن ان تكون في مدننا امثال هذه الانفاق فنوفر على الدولة كثيراً من آلاف الملايين - لتستفيد منها هذه المدن في اعمال تطوير، وتحسين تضاف لمسيرة تنميتها). لسان العروس يتحدث عنها ولسان حال العروس يقول (انه لم يبق في جسدي شبر الا وفيه مطب طبيعي، ومطب صناعي، ومستنقع مجاري) فلا نامت اعين المراقبين الذين تقع عيونهم على كل هذه التشوهات. ولا يفعلون شيئاً، بل كأنهم يعيشون في كوكب آخر، وما فائدة 13 بلدية فرعية تتفاخر الامانة بها، وبعددها دون ان يكون لهم اثر في تنبيه المسؤولين، وتحريك كراسيهم تمهيداً لتحريك اقدامهم لاصلاح كل (التشوهات) قبل ان - تتفاقم - وتتحول لمشاكل مزمنة، ومعقدة، ودائمة. هذه - على سبيل المثال - اعمال الحفريات بكل انواعها، واشكالها، واصنافها، واحجامها تساهم كل يوم في زيادة حصيلة العروس من (المطبات الطبيعية).. ويعيش - كل مطب جديد، ووليد - في رعاية الامانة، وال 13 بلدية، وجيش المراقبين الى ان يكبر، ويساهم بدوره في الاضرار بالسيارات، ووقوع الحوادث بسببه فلا توجد اشارات تحذيرية تمنع الوقوع في مصيدته، وكذلك المطبات الصناعية التي لا توجد لها اشارات تحذيرية، واي مطب يولد، ويحظى بالعناية من فرق الامانة، او لا يلقى اهتماماً فورياً بعلاجه فإنه يصبح عنواناً للتخلف، وطريقاً للحوادث..؟ ودون القاء (اللوم) على اي أمين (سابق، او حالي، او لاحق) فإن حال الطرق، والشوارع، والاحياء يشكو (الامرين) من توالد المطبات الطبيعية، وتساندها المطبات الصناعية بشكل مخيف، وكلاهما نتيجة اهمال، واخطاء، وعيوب فنية، وهندسية، وبلدية، ومرورية يدفع السكان ضريبتها باستمرار؟. لقد اصبح جسد العروس مترهلاً من كثرة (ضرب المعدات).. واصبح وجهها (قاتماً) من كثرة (الغبار) الذي اصاب هذا الوجه، وبين ترهل جسد العروس، وقتامة وجهها لابد من (وقفة) يتم فيها تصحيح هذه الاوضاح، او التخفيف منها، وقليل من الحزم مع كثير من المتابعة نصل لهذا (التصحيح المنشود). الأمناء يتوارثونها اميناً بعد آخر وغير خاف على احد ان امناء العروس (اميناً بعد امين) صاروا (يتوارثون) هذه المطبات، وهذا التوارث يتطلب ان تكون هذه المطبات (عهدة) بحيث يقوم كل امين تنتهي فترته بتقديم (كشف) بعدد (المطبات) التي تركها الى الأمين الجديد، وان يكون هذا - الكشف - معلنا فلا تنتهز - بعض الاقلام - عدم ارتياحها للامين الجديد لاي سبب من الاسباب فتقوم باتهامه بأن المدينة صارت في عهده مدينة نموذجية في عدد المطبات، وان المدينة مرشحة - لدخول كتاب الارقام القياسية في عدد المطبات (ما كان منها طبيعياً، وما كان منها صناعياً).. والحق يجب أن يقال إن نصيب العروس من عدد المطبات بقسميها الطبيعي، والصناعي يستحق بالفعل أن يدخل (كتاب غينيس) للأرقام القياسية، وهذا الأمر ليس فيه تقليل من جهود - كل الأمناء - في التخفيض من هذه المطبات، وأعدادها المتزايدة إنما واقع الحال يقول ذلك بوضوح، وأعمال الحفر، والردم تزيد من عدد هذه المطبات، وحرص الأهالي على حياتهم، وحياة أبنائهم تدفعهم دفعاً إلى إقامة المزيد من المطبات الصناعية للحد من تهور السائقين فتصبح المدينة يوماً عن يوم عنواناً لهذه المطبات التي تُزعج، وتقلق، وتؤرق جميع أصحاب السيارات (الفارهة، وشبه الفارهة، والتي هي دون ذلك). وقد صدر عن أمانة مدينة جدة أكثر من تصريح آخره قبل أسبوعين بأن الأمانة ستزيل جميع المطبات الصناعية - غير النظامية - التي يرى الأهالي أنها آخر خطوط الدفاع عن أرواحهم، وأرواح أبنائهم. وكان على الأمانة مشكورة أن تضيف إلى رغبتها إزالة المطبات الصناعية غير النظامية رغبتها أيضاً في علاج المطبات الطبيعية. «الأحياء العشوائية» تتوالد أيضاً و«الأحياء العشوائية» تتوالد أيضاً.. كانت في عهد الأمين الأول ما بين ثمانية إلى (12) إلى أن وصلت في عهد الأمين الثاني إلى 44 حياً، واستمرت على هذا المعدل في عهد الأمين الثالث إلى أن وصلت إلى (52) حياً في عهد الأمين الرابع، إلى أن جرى الحديث عن (54) حياً في عهد الأمين الخامس. ولا ذنب لأي أمين في هذه الزيادات بقدر ما يكون الذنب على الروتين الذي يحتفظ في أدراجه بالأعداد السابقة دون الإسراع بإصلاحها فترتفع الاعداد تلقائياً من شهر إلى آخر، ومن عام إلى آخر، ومن أمين إلى آخر فقد تضاعفت (الأحياء العشوائية) في مدينة جدة خمس مرات تقريباً في عهد خمسة أمناء (بما يعني أن كل أمين جديد يأتي تحدث في عهده زيادات في عدد الأحياء العشوائية بدل أن تنقص، وبدل أن تتراجع، وبدل أن تختفي نهائياً بعد ذلك) وهو شيء غريب بالفعل، ويؤكد أن (السيد الروتين) هو المتهم الرئيسي بالإهمال الذي بدوره يعطي هذه الزيادات في عدد الأحياء العشوائية التي تشوه وجه أي عروس. وقد حرص الأمين الرابع (المهندس عبدالله المعلمي) خلال توليه الأمانة على تخفيف وطأة كلمة (الأحياء العشوائية) فأصدر تعليماته للعلاقات العامة باستبدالها بكلمة (الأحياء العفوية).. وكشف ذلك عن حس أدبي يتمتع به الأمين لكن التسمية الجديدة لم تصمد طويلاً فقد عادت عبارة (الأحياء العشوائية) إلى الواجهة مرة ثانية (وفي اعتقادنا انها الأصح، والأقرب لواقع الحال من التسمية التي اطلقها الأمين الرابع نظراً لأن هذه الأحياء تتزايد من وقت لآخر مما يؤكد عشوائيتها)..! لكن ذلك لا يلغي أن عبارة (الأحياء العفوية راقية مقارنة بعبارة الأحياء العشوائية).. ومن يزر أي حي من الأحياء العشوائية يلمس عشوائيتها التي تشير التصريحات انها على أبواب الإصلاح، والتخطيط الحديث، وهذا ما يتمناه، ويحلم به سكان العروس..! نذهب بعيداً نحو المستقبل ستختلف صورة العروس في عام 1430ه عما هي عليه الآن.. الاختلاف سيكون «نحو الأفضل» بإذن الله. الوعود تقول ذلك فهذه مشروعات الصرف الصحي أزعجت، وضايقت، وخنقت سكان العروس لكنها بعد زمن ستحل (المشكلة الأزلية لشبكة مياه الصرف الصحي) فلا نعد نرى هذه الفيضانات الكريهة تفيض على سطح الطرق، والشوارع، وخارج البيوت، وهذا حلم سكان العروس - الصحي - الذي ينتظرون تحقيقه رغم أن شبكات المجاري السابقة في أجزاء من جنوبجدة، ووسطها (تطفح) من وقت لآخر..! الخطوة الثانية - الموعودة بها العروس - فك الاختناقات المرورية التي تعاني منها مدينة جدة منذ سنوات دون حل إلى أن أنعم الله على سكان هذه المدينة بأول الغيث بعد افتتاح جزء من نفق، وكوبري الملك عبدالله - وسط المدينة - وهناك مشروع تقاطع شارع فلسطين مع طريق الملك، ولا يعيب هذه المشروعات (سوى البطء) الذي يحتاج إلى مضاعفة الجهد، وتنويع الشركات المنفذة. والخطوة الثالثة هي التخفيف من أزمة مياه الشرب الحادة، والعنيفة التي تتناوب على سكان مدينة جدة طوال الفصول الأربعة وليس فصل الصيف فقط فهناك شركة فرنسية تخوض في تفاصيل الأزمة، وتدرس الحلول، وتضع حداً للأزمة - الطاحنة - مع زيادة طاقة محطات التحلية، ومشاريعها الجديدة. بشكل، أو بآخر فإن عام 1430ه ليس بعيداً للغاية إذا نحن بدأنا في وضع الحلول الصحيحة من الآن، وإذا نحن بدأنا في الخطوات العملية من الآن، وإذا نحن بقيت عيوننا مفتوحة نحو العروس، ونحو سكانها، ونحو شوارعها، وطرقها، وخدماتها.. وحتى الآن مر على أمانة جدة - بعد تطويرها، وتحديثها، وتكبيرها خمسة أمناء - ثلاثة دكاترة هم محمد سعيد فارسي، وخالد عبدالغني، ونزيه نصيف، ومهندسان هما عبدالله المعلمي، وعادل فقيه، ولا نشك - لحظة واحدة - في غيرة أي واحد منهم على «العروس» وحرصه، وتفانيه عليها، وحرصه على أن يكون وجهها مشرقاً، وجسدها سليماً من كل مرض ووباء، وربما كان ذلك هو السبب في كتابة تحقيقنا اليوم.