منذ أن خرج "سامي" من السجن وهو يحاول أن يبحث له عن وظيفة يستطيع من خلالها أن ينطلق في حياة جديدة، وفي كل مرة كان سامي يطرق باب التوظيف يجد أن هناك ألف باب وباب مقفل بوجهه، إلا أن تلك الأبواب المغلقة لم تكن فقط عند الشركات التي كان يطرقها للتوظيف، بل أنه يجد الباب المغلق في كل مكان يذهب إليه، ففي المسجد يجد البعض من المصلين خاصة من أبناء الحي من يتجنب الحديث معه، وحينما يزور أحد الأقرباء يجد التهرب من مقابلته في ذلك المنزل، وحينما يمازح طفلا صغيرا في الحي الذي يسكنه فإن ذلك يقابل بإساءة كبيرة ورفض من أسرة الطفل، حتى علم "سامي" أن جميع الأبواب موصدة أمامه، وعلى الرغم من توبته فإن الجميع يصر على معاملته بذات النظرة القديمة والتي تذكره بماضيه المؤلم والذي يحاول أن يغيره دون جدوى. ماذا يجب علي أن أفعل؟، هذا السؤال الكبير والموجع بقي حائراً بداخل "سامي" الذي جلس أمام عتبة منزله ينظر إلى الشارع والرصيف وقلبه مليء بالآلام والإحباط واليأس، ماذا يفعل حتى يصدق الآخرين أنه تاب وأنّه إنسان جديد، يرغب في أن يعيش حياة طبيعية خالية من الأخطاء.. ذرفت عينا "سامي" دموع الندم والخذلان، وغرق في تلك المشاعر الصعبة التي يشعر بها وهي تلتهم به همته العالية أن يتحول إلى إنسان مختلف، مضى على خروجه من السجن ثلاث سنوات، ومازال يقف عند اللحظة التي خرج منها من ذلك السجن فالآخرين يرفضون أن يتقدم نحو النور في الحياة، ثم تساءل: ما الذي كان سيكون أفضل، أن أتوب وأعود عن طريق الضلال ذلك؟، أم أن أبقى على ذات الطريق؟ يبدو "سامي" محقاً في شعور الإحباط الذي يشعر به، فعلى الرغم من أنّه التائب الصادق، إلاّ أنّ المجتمع يرفض أن يصدق توبته تلك وأن يمنحه الفرصة الثانية التي من خلالها يستطيع أن يبدأ حياة جديدة، إننا كأفراد مجتمع يسهل علينا جدا أن نحمي أنفسنا من الانتقاد وأن نرفض أن نوضع في موضع التقييم، إلاّ أنّه يصعب علينا جداً أن نتقبل أن يطالب أحدهم بذات الفرصة خاصة، حينما يكون شخصا تائبا، ويرغب في البداية الجديدة. حالة "سامي" وغيره تجعلنا نتساءل: كيف من الممكن كمجتمع وكمؤسسات أن نساعد التائب أن يكمل مشواره الجديد دون أن ندفعه للعودة من جديد إلى طريق الخطأ السابق؟ كيف نستطيع كمجتمع أن نستوعب التائب وأن نمد له يد العون، وأن ننظر له كإنسان يستحق الاحترام والإنصاف بعيدا عن محاكماتنا الدائمة؟. كلام الناس ترى شهد الحامدي أنّ هناك خللا كبيرا فينا كأفراد مجتمع فالمشكلة حينما تكون مساحة التسامح بداخلنا معدومة خاصة مع من أذنب مسبقا وكأننا نعيش الحياة ونحن ملائكة لا تخطئ، وعلى الرغم من أن التائب يبذل جهده في أن يعاود كسب ثقة من حوله إلا أن ذلك يبدو صعبا ليس فقط على مستوى نطاق المجتمع الخارجي بل حتى في محيط الأسرة أحياناً، فهناك من الأسر من تنظر إلى المذنب بنظرة ازدراء كبيرة وعدم قبول بل أن هناك من الأقارب من يرفض أن يستقبل هذا التائب في بيته خشية من نظرة المحيطين له وهو يفكر ماذا سيقول علي الناس. نحتاج وعياً لحل أزمة الثقة بين التائب ومحيطه وزيادة مساحة التسامح في المجتمع وأشارت إلى أن المشكلة تكون أكبر حينما تكون تلك التوبة متعلقة بالمرأة فالرجل مهما عاش المعاناة في تلك النظرة إلا أنه يبقى أقل تأثيرا من المرأة التي ارتكبت الخطأ ثم تابت حتى إن كان ذلك الخطأ على مستوى محيط أسرتها في محيط البيت، فيصعب تغير الصورة التي أخذت عن سلوكها حتى إن كانت صادقة في توبتها، فالمرأة تبقى تحمل وزر أخطائها وتعيش تلك المعاناة الكبيرة وتدفع ثمن تلك الأخطاء ولن تجد من ينصفها حتى إن كان أبناؤها. موضع شبهة بدورها اوضحت لمياء علي أن المجتمع يرفض قبول التائب حتى إن كان التحول في سلوكه كبيرا فهناك من يشكك في توبته ويصف تلك التوبة أنها ستار يحاول أن يخفي بها عيوبه وسلوكياته الخاطئة حتى لا يعاود المجتمع انتقاده، مشيرة إلى قصة شقيقها الذي دخل السجن بسبب دين وبعد خروجه لم يجد من يقوم بتوظيفه أو حتى تزويجه بل أن هناك من أخوتها من مازال يرفض الحديث معه على الرغم من أنه عاهد نفسه والجميع أن يستقيم، فللأسف نحن كأفراد من السهل أن ننسى السلوكيات الحميدة ولكن من الصعب علينا أن ننسى السلوكيات الخاطئة. وأضافت: "إننا بحاجة إلى جهات تقوم بدعم التائبين حتى يعودوا إلى الحياة من جديد، وقد تكون بعض الجهات لديها مبادرات في ذلك إلا أننا بحاجة إلى تأهيل المجتمع قبل تأهيل المخطئ حتى إذا تاب وجد المجتمع الحاضن له والذي يستطيع أن يدعمه وأن يقبله فلا يعود للخطأ من جديد"، موضحةً أنّه على الرغم من أننا مجتمع مسلم والدين الإسلامي يدعو إلى قبول من تاب فالله يغفر الذنوب فكيف بالعباد، إلاّ أنّ التقاليد للأسف تكون في واقعنا أقوى من الدين فهي من تحدد لنا ما ينبغي أن نفعله ومن تبني قناعاتنا الشخصية، وتلك هي المشكلة الكبيرة حينما يكون المجتمع أسير عاداته وتقاليده التي تربى عليها، والتي تقوم على رفض التائب والخوف منه واعتباره محل شبهة مهما حاول أن يثبت العكس وأن يثبت أن هناك طريقا مستقيما وجديدا في حياته. إحباط التائب ونوّه د. محمد بن مترك القحطاني –وكيل عمادة التقويم والجودة وأستاذ علم النفس المشارك بجامعة الإمام – بأنّ الشخص التائب يشعر بصراع نفسي عندما يواجهه المجتمع بالرفض فالتائب يشعر بالإحباط عندما لا تساعده مؤسسات المجتمع على التوظيف أو عندما لا يساعده الفرد على الزواج فيحبط لأنه لا يستطيع أن يغير التاريخ، موضحاً أنّ سبب رفض المجتمع أو مؤسسات المجتمع للتائب يعود لعدة أسباب أهمها الصورة النمطية السلبية عن الشخص وهذه الصورة السلبية تحتاج إلى وقت طويل لتغيرها لأن تشكيل الصورة النمطية السلبية سهل ولكن إزالتها صعب جداً، إلى جانب قلة الثقة من قبل أفراد المجتمع أو مؤسسات المجتمع بالشخص التائب. وأضاف أنّ من الأسباب رفع المعايير، حيث إنّ مؤسسات المجتمع وأفراد المجتمع دائماً يضعون معايير عالية لانتقاء الأفراد وهذا قد لا ينطبق على الشخص التائب من جرم، فمثلا القطاع الخاص يطلبون أن يكون لديه خبرة وللأسف التائب لا يمتلك تلك الخبرة فقد كان محكوما، وكذلك الزواج فالفتاة تطلب أن يكون الرجل الذي تحلم في الارتباط به غنيا أو له تاريخ معروف وهذا للأسف لا ينطبق على التائب، مشيراً إلى أنّ الحل يكمن في زيادة الوعي عند أفراد المجتمع بالتعامل مع التائب من خلال الصحف والمجلات والقنوات الفضائية والخطب في المسجد ومخاطبة المؤسسات بضرورة التوظيف للتائبين. برامج معلنة من جهته قال يوسف الهاجري –باحث علمي–: "إننا نحتاج في علاج نظرة المجتمع للتائب إلى النظر من زاويتين ضروريتين، الأولى تتعلق بالنظرة الشرعية والتي تؤكد أن الإسلام يدعو المسلمين دائما إلى قبول دعوة التائب وإعانته على الثبات على تلك التوبة من خلال قبوله وتدعيم جميع سلوكياته المستقيمة والتي تغيرت بعد التوبة، والثانية: تتعلق بالناحية الاجتماعية، فالمجتمع أعتاد على الجلد للمخطأ وانتقاده فمن يذنب الذنب يجد له المجتمع بالمرصاد والذي لا يستطيع تقبله بعد التوبة حتى إن تاب توبة نصوح فنحن كمجتمع لا نستطيع أن نتخلص من نظرتنا السلبية عن ذلك التائب". وأضاف إنّ هناك الكثير من المؤسسات والجهات المعنية من تتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية في تعميق تلك النظرة المجتمعية السلبية تجاه التائب، فعلى سبيل المثال جهة السجون عليها دور كبير أن تقوم بنشر السلوكيات الإيجابية التي يقوم بها المسجون في حال توبته وإظهار الأنشطة والبرامج التي يمارسها والتي أدت إلى نفع المجتمع والتي تدل على أن هذا السجين تحول إلى مواطن صالح قادر على العطاء. وأشار إلى أنّ هناك خللا مجتمعيا في إصلاح التائب فلابد من نشر تلك البرامج التي ساعدت على تقويم سلوكهم، كيف استقاموا؟ وماهي مظاهر التوبة لديهم، فنحن بحاجة كمجتمع لمزيد من التحري والدقة في الاقتراب من تجربة التائب، كما أننا بحاجة إلى مشاريع تظهر الجهود المبذولة في إصلاح هؤلاء التائبين، مشدداً على ضرورة أن نقوم بالستر على هؤلاء المذنبين من منطلق الشريعة السمحة التي دعت إلى الستر وحثت عليه ومن ثم محاولة دعمهم للثبات على تلك التوبة مع مساعدة التائب على العودة للإندماج في المجتمع من جديد وتكوين حياة له مستقيمة وفاعلة ليقبله أفراد المجتمع. السجين بحاجة لكسب ثقة من حوله بعد خروجه ليعود انسانا جديدا التائبة ضعيفة وعدم تقبلها يضعفها أكثر نظرة المجتمع السلبية للتائب تدخله في صراع نفسي د.محمد القحطاني يوسف الهاجري