في فبراير 1945 غادر الملك عبدالعزيز ميناء جدة للقاء طال انتظاره مع الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت.. ومن جهته حضر الرئيس روزفلت جوا بعد انتهائه من مؤتمر يالطا (الذي جمع بين الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الثانية) للاجتماع بالملك الذي سمع عنه كثيرا .. كان الرجلان يكنان لبعضهما تقديرا واحتراما عظيمين؛ فالرئيس روزفلت كان متشوقا لرؤية ملك وحد شعبا وصنع دولة وبلور أمة.. والملك عبدالعزيز من جهته كان يعرف أنه سيلتقي برجل قاد أمته في أحلك الظروف خلال الحرب العالمية الثانية (رغم أنه كان مقعدا) والوحيد الذي انتخبه الشعب الأميركي لثلاث مرات متتالية.. كان الرئيس روزفلت يحترم ذكاء الملك عبدالعزيز الذي لم يبد ميلا لأي من أطراف النزاع في الحرب العالمية الثانية حتى تأكد من انتصار الحلفاء.. كما ان الملك عبدالعزيز لم يلتق بالرئيس روزفلت قبل ذلك بخمسة أعوام (وفضل بعث ابنيه الأميرين فيصل وخالد للولايات المتحدة كأول وفد سعودي عال المستوى يلبي دعوة واشنطن عام 1940).. وكان الملك عبدالعزيز قد بعث لروزفلت قبل ذلك (وتحديدا عام 1938) رسالة شرح فيها موقف العرب من القضية الفلسطينية وخطورة تدفق المهاجرين اليهود للمنطقة.. وحين التقى أخيرا بالرئيس روزفلت عام 1945 (على ظهر الطراد البحري كوينسي في البحيرات المرة في مصر) كانت شركة ستاندرد أويل قد اكتشفت النفط في السعودية وتحولت قبل عام فقط إلى اسم جديد يؤكد شراكة الحكومة السعودية فيها (شركة الزيت العربية - الأمريكية).. وهكذا كان كل طرف يدرك أهمية الطرف الآخر قبل اجتماعهما الفعلي ويتفقان على ضرورة بناء شراكة إستراتيجية طويلة ودائمة بين البلدين. وفي حال رأيت صور اللقاء ستلاحظ (بين الزعيمين) وجود الكولونيل ويليام بيل إدي الذي كان يجيد العربية وعمل مترجما بينهما.. وبعد تقاعده نشر المحادثات التي دارت بينهما في كتاب يدعى "فرانكلين يقابل ابن سعود" يتضح من خلاله تقدير الرجلين لبعضهما البعض.. وفي هذا الكتاب يؤكد الكولونيل ويليام أن هناك قضيتين أساسيتين تمحورت حولهما رؤى الزعيمين.. الأولى حرص الرئيس روزفلت على ترسيخ علاقة بلاده بالسعودية واعتبارها حليفا استراتيجيا واقتصاديا في المنطقة (خصوصا بعد هزيمة ألمانيا وتراجع دور بريطانيا في المنطقة).. والثانية حرص الملك عبدالعزيز على مناقشة القضايا العربية وسرعة حل المسألة الفلسطينية.. وقد تمكن الملك عبدالعزيز بالفعل من أخذ وعد شفهي من روزفلت (عززه بخطاب رسمي قبل وفاته بأسبوع بتاريخ 5 ابريل 1945) جاء فيه بأنه يعد ابن سعود: بألا تقوم أميركا مطلقا بأي عمل عدواني ضد العرب، ولن تغير سياستها تجاه القضية الفلسطينية قبل إجراء مشاورات أولية مع العرب واليهود.. يقول المترجم الخاص بروزفلت: حين غادر الملك عبدالعزيز السفينة عائدا الى بلاده نظر إليه الرئيس روزفلت حتى غاب في الأفق قبل أن يتنبه لوقوفنا بجانبه.. وقبل يومين فقط لاحظ الجميع نظرة مماثلة على وجه أوباما حين ودع الملك سلمان قبل أن يتنبه لوجود كاميرات التلفزيون.. لمراسلة الكاتب: [email protected]