يبني الجادون من الناس طموحاتهم وفق ما تمكنهم قدراتهم وظروفهم إليه، أو فوق ذلك بقليل ما يشكل تحدياً يمكن الوصول إليه، ثم يسعون إلى تحقيق تلك الطموحات والآمال بجد واجتهاد غير ناظرين إلى غالب الناس من حولهم ممن لم ينظر في واقعه ولم يضع أهدافاً وغايات ولم يسع إلى تحقيقها، أو ممن ثقلت بهم خطواتهم عن التقدم والهمة والطموح. وهكذا ينشغل بعض قليل من الناس في الجوانب البناءة، ويتفرغ البقية للمشاهدة بحسرة من حالهم وعجزهم، وتفوق أولئك من بينهم عليهم؛ وهنا تنشأ للأسف حالة الحسد والحقد، فبدلاً من أن يدفع نجاح أولئك، الباقين إلى محاكاة، أو الرغبة في التفوق على من سبقهم إلى النجاح فإنهم يلجؤون إلى التقليل من شأنهم وانتقاص نجاحهم، بل وهدم بنائهم إن استطاعوا. وهكذا يصبح النجاح وبالاً وسبباً للتفرق والتناحر والاختلاف بدلاً من أن يكون مولداً لنجاحات أخرى تليه. لو نظرنا من حولنا فسنجد أن إنجازات لبعض الأشخاص لا يقابلها الآخرون بالنجاح المنافس والتحرك للتغلب والتفوق الإيجابي، وإنما بالتشكيك والهدم والاحتقار والافتراء والازدراء، بل ربما، بذل ما يمكن لإيقاف النجاح، أو الحد منه، أو تهميشه!! وهكذا فإننا على المستوى الجماعي لا نملك إلا أمثلة قليلة للنجاح، يحاول أعداء النجاح إسقاطها ومحوها بدلاً من الانطلاق لبناء وتحقيق مثلها أو أعظم منها. تحطيم الرقم القياسي في السباقات على سبيل المثال لا يتم بإزالة اسم محققها والتشكيك فيه، وإنما بتحقيق رقم أفضل منه، وهكذا يبرز الأقوى بسبب ما أنجز هو، وليس بسبب إلغاء ما حققه السابقون. إذا حقق شخص أو مجموعة أشخاص إنجازاً ما، فعلى الأشخاص أو المجموعات الأخرى إثبات أنهم الأفضل بتحقيق ما هو أفضل، كما على الطرف الآخر تقبل المنجز الذي تفوق على منجزه، ثم السعي في التغلب الإيجابي عليه، وهكذا تدور عجلة النجاح. وتأتي المشكلة إذا ثبت للحاسد الحاقد عجزه عن تحقيق منجز مشابه أو أفضل ممن يحسده، أو تحقيق منجزات في جوانب أخرى، فهنا تنطلق شرارة الحسد، فاستعذ بالله. يوصف من يتقبل الخسارة وتفوق الآخرين بأنه ذو روح رياضية، والمشكلة التي نحتاج إلى علاجها أن بعض المعنيين بالرياضة في بلادنا افتقروا إلى الروح الرياضة وتفرغوا إلى ما يخالفها، وهكذا لم نعد ننجز، بل وبدأ أولئك بهدم ما تحقق سابقاً حتى لا ينسب النجاح إلى سواهم. إذا أعجبك نجاح غيرك فاصنع لنفسك أهدافاً ومنجزات تتمكن من تحقيقها، واقض وقتك سعيداً بالسعي إليها وقطف ثمارها، وإن كان طموحك أعلى فاسع إلى التفوق وكسر الأرقام القياسية التي حققها السابقون ضمن إطار المنافسة الشريفة، وليكن نجاح الآخرين محركاً لك لتحقيق منجز مقارب، ثم مماثل، ثم متفوق.