يستطيع متابعو الوضع العقاري والاقتصادي العام في بريطانيا ملاحظة الصخب الذي رافق الانتخابات العامة الفائتة بخصوص التغيّرات في الضرائب العقارية، وبشكل خاص ضريبة المنازل الفارهة (mansion tax) وارتفاع رسوم المعاملات وكذلك التغير في حساب ضريبة أملاك المغتربين أو ما يشار إليهم بمصطلح (non-dom). تأتي هذه التغيّرات في متتالية ضرائبية على مدى السنوات السابقة جعلت من الصعب الادعاء بأن العقارات باهظة الثمن تنعم بضرائب منخفضة نسبيّاً وبخاصة بالنسبة لمشتري وبائعي العقارات الفاخرة أو "السوبر برايم" والتي تزيد قيمتها على 10 ملايين جنيه استرليني. وقالت " نايت فرانك" في نشرة بحثية: من موقعنا في الشرق الأوسط، شهدنا تغيّرا في نمط تدفق المستثمرين إلى سوق عقارات السوبر برايم في لندن، فمن جهة أصبح المشترون الجدد أكثر تعلّقاً بدرجة جودة العقار والخدمات المتضمنة فيه مثل خدمة البوّاب المتوفر على مدار 24 ساعة، ومواقف السيارات المؤمنة بطاقم حراسة وكذلك تجهيزات الترفيه المختلفة. ومن جهة أخرى، وبعد ازدياد الأسعار بشكل استثنائي في هذه العقارات التي دعيت خلال الأزمة المالية العالمية ب "العناوين الذهبية"، يبحث المشترون الآن في مناطق جديدة في لندن عن القيمة الاستثمارية في عقارات السوبر برايم تحت الانشاء. خريطة العقارات الأغلى من 10 ملايين جنيه استرليني خلال النصف الأول من سنة 2015 غطت مساحة أوسع من تلك المسجلة قبل ثلاث سنوات وتمتدّ الآن إلى مناطق تشمل ساوث بانك على سبيل المثال"، بحسب ضياء نوفل، مسؤول الأبحاث في شركة نايت فرانك الشرق الأوسط. وكانت التوقعات تشير بشكل ثابت إلى وقوع قفزة سعرية بمقدار يصل إلى 10% دفعة واحدة في أسعار العقارات في موجة رهان على التبعات الايجابية لانتخاب حكومة محافظين. إلا أنه وبمجرد هدوء ضجة الانتخابات انقشعت الأجواء ليدرك المراهنون على القفزة السعرية فشل رهانهم. وقبل أن تسقط ضريبة المنازل الفخمة من حسابات السياسيّين، ارتفعت رسوم معاملة العقارات الأغلى من 1.1 مليون جنيه بحيث أصبحت الضريبة على العقارات التي تقدر بعشرة ملايين جنيه تبلغ 1.1 مليون جنيه بدلاً من 700 ألف جنيه في السابق أي بارتفاع قدره 4% من قيمة العقار. لم تكن هذه الزيادة في الحسبان خلال موسم الانتخابات، وبخاصة أنها تؤثر بشكل خاص في العقارات الفاخرة (البرايم والسوبر برايم). ومع ذلك يدرك أصحاب هذه العقارات أن السوق لا يزال في حالة توازن بحيث إن التسعير الواقعي هو مفتاح هذا التوازن. وعلى الرغم من ارتفاع مبيعات السوبر برايم في شركة نايت فرانك بمقدار الربع خلال عام 2015 لغاية 30 يونيو، إلا أن عدداً من العوامل ومن ضمنها التذبذب السياسي والرسوم الجديدة سببت انخفاضاً على كامل مبيعات هذا النوع من العقارات في السوق بقيمة الخُمس. وبشكل مماثل لم تنمُ أسعار عقارات السوبر برايم (بقيمة 10 ملايين جنيه وأكثر) بشكل أسرع من نمو أسعار عقارات البرايم (الفاخرة) في لندن. فارتفعت أسعار الشريحة الأولى بقيمة 4% على سنتين حتى شهر يونيو بينما سجلت أسعار الثانية ارتفاعاً بقيمة 10.3%. التغير الطارئ الآخر في الضرائب العقارية فرضته الميزانية المعلنة في شهر يوليو حيث ألغت حالة الإعفاء الضريبي للمغتربين ووسّعت من ضريبة الإرث على قيمة العقارات المملوكة من قبل المقيمين في الخارج. فحتى عام 2010 كان البريطانيون المقيمون في الخارج معفيين من الضرائب المفروضة داخل بريطانيا، ولكن هذا تغيّر في شهر يوليو حين أعلن وزير المالية أن كل من ولد في بريطانيا لوالدين مقيمين في بريطانيا لمدة 15 من أصل 20 سنة ماضية سيتوجب عليه أن يدفع ضريبة على ممتلكاته ودخله حتى لو أقام في الخارج. ويقدر عدد البريطانيين في الخارج المشمولين بإعفاء المغتربين بحوالي 114,000 حتى نهاية 2013، منهم 1,750 ولدوا لأبوين بريطانيين. وهذا بالطبع ينسحب على عقاراتهم المملوكة داخل بريطانيا وستطبق عليها ضريبة الإرث خلال سنتين. وعدا عن هذه التغييرات، ملاحظة أخرى تشهدها هذه السوق تتمثل في كون المشترين ينتمون لفئة عمرية أصغر، فحوالي 18% من المشترين في النصف الأول من 2015 كانت أعمارهم أقل من 40 سنة مقارنة مع 10.7% على فترة 12 شهراً قبل ذلك. وكذلك فإن نسبة المشترين الذين هم في عقدهم الثالث من العمر ارتفعت بمعدل الضعف من 7.1% إلى 14.8% على نفس الفترة. وفي هذا الصدد يقول ضياء نوفل: "نشهد عدداً أكبر من الأثرياء صغار السن من الشرق الأوسط الذين جمعوا ثرواتهم من العمل في قطاع الضيافة أو النفط أو العقارات على سبيل المثال، كما نرى أن قرارات الشراء أصبحت منوطة أكثر بأفراد العائلة الأصغر سنّاً الذين عادة ما يكونون هم القاطنين الفعليين فيما بعد ويكونون قد قضوا بالفعل جزءاً من حياتهم أو خلال دراستهم في لندن." وفي ملاحظة مهمة، فإن نسبة البريطانيين بين مشتري عقارات السوبر برايم استمرت في الصعود مع تحسن الوضع الاقتصادي، فارتفعت إلى 37% في الأشهر الستة الأولى من عام 2015 انطلاقاً من 34% قبل سنة من ذلك. في المقابل كانت عقارات لندن ملاذاً آمناً للمستثمرين من الشرق الأوسط حيث ارتفعت نسبتهم من 11% إلى 16% هذا الارتفاع كان على حساب المستثمرين الروس الذين تأثرت عملتهم بشدة في الفترة الأخيرة. وهناك أيضاً دليل قوي على أن الصينيين عززوا من توجهاتهم نحو أسواق العقارات المستقرّة مثل لندن في الآونة الأخيرة بعد اهتزاز أسواق الأسهم في بلدهم. وهكذا فإن الأحداث الأخيرة في اليونان وسوق الأسهم الصينية أظهرتا كيف أن التقلبات الاقتصادية يمكنها أن تدفع بالطلب بشدة نحو ما يدعى بال "ملاذات الآمنة" للأصول من قبيل السندات الحكومية والعقارات.