في نسيج حياتنا الاجتماعية وتراكمها الثقافي والانساني والحضاري.. كثيراً ما نسمع عن مفهوم الصحة ومؤشراتها والتي تعني -وطبقا لتعريف منظمة الصحة العالمية- (بأنها حالة من العافية الكاملة البدنية والنفسية والعقلية والاجتماعية والروحية).. وللصحة مظاهر وأنواع أكثر شمولية، منها (الصحة النفسية), فالشخص الذي يتمتع بصحة جسمية ويحقق قدراً مناسباً من التكيف ويملك قيماً أخلاقية واجتماعية مقبولة في المجتمع.. نقول: إنه يتمتع بصحة نفسية طيبة، وهناك من يضيف على ذلك أموراً أخرى كأن يكون لدى الفرد علامات تشير إلى سلامته من الناحية النفسية مثل الشعور بالسعادة والرضا, والاستقرار العاطفي, والانفعالي.. وأن ينعم بشخصية متكاملة, وبالمقابل عندما يعاني الفرد من الاضطرابات الشخصية والأمراض النفسية.. مثل القلق والاكتئاب والانفصام والمخاوف المرضية والتوتر العصبي وغيرها من الأمراض والمثالب النفسية.. فهذا يعطي دلالة على اعتلال الصحة النفسية, وبالتالي انعكاسها على الحالة العضوية.. ومن مظاهر الصحة أيضاً (الصحة البدنية).. وهي تعني قيام أجسامنا بوظائفها الفيزيولوجية والميكانيكية بصورة أفضل, وهناك (الصحة العقلية).. وهي تعني القدرة على التفكير بوضوح, والتعلم على كيفية اتخاذ القرارات الناجحة وحل المشكلات, ومن مظاهر الصحة أيضاً.. (الصحة الروحية).. وهي ارتباط النفس بالعبادة والقيم الإيمانية التي تجلب الراحة والسعادة والاستقرار الوجداني, وأخيراً (الصحة الاجتماعية).. وهي محاور حديثنا في هذا السياق.. والصحة الاجتماعية تعني قدرتنا على القيام بالادوار الاجتماعية وبناء علاقات انسانية مع الآخرين وتحقيق مبدأ التعاون والتضامن والتكافل الاجتماعي وتنمية اتجاهاته الحضارية والانسانية والأخلاقية.. وتهدف الصحة الاجتماعية ومكوناتها إلى رعاية وترقية صحة الإنسان في مكوناتها الجسمية والعقلية والنفسية والروحية, الى افضل حالاتها.. باعتبار أن الصحة تؤثر على سعادة الفرد واستقراره العاطفي والنفسي, وبالتالي ينعكس تأثيرها-كيميائياً- على صحة وسعادة واستقرار المجتمع وتنمية اتجاهاته التكافلية وقيمها الأخلاقية, ويمكن تأصيل هذه المنطلقات التضامنية في الحديث النبوي الشريف.. (مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم: مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو: تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى), وهنا اشارة واضحة الى اهتمام الاسلام وعنايته بالصحة الاجتماعية. فعندما لاتحقد ولا تكره ولاتحسد ولاتنافق ولاتظلم فأنت تتمتع بصحة اجتماعية فائقة في السواء.. وعندما تكون مسؤولاً رفيعاً ولاتسخدم منصبك للواسطة والمحسوبية والمنسوبية فانت لاشك تتمتع بصحة اجتماعية ممتازة.. وعندما تكون معلماً أو استاذاً جامعياً لاتظلم ولاتحبط طلابك فانت بارع في صحتك الاجتماعية, وعندما تصنع معروفاً وتقدم عملاً خيرياً وتمد يد العون للآخرين دون أن تفّرق في اللون أو المذهب اوالمنطقة أو القبيلة فأنت لاجرم تتمتع بلياقة عالية في مضمار الصحة الاجتماعية.. وحين ترحم الصغير وتوّقر الكبير وتشفق على المحتاج وتمسح على رأس اليتيم وتزور المريض وتبتسم في وجه الآخرين, وتنزل الناس منازلهم وتشاركهم أفراحهم وأتراحهم.. فأنت لأريب إنسان تعيش بكامل صحتك الاجتماعية والانسانية والأخلاقية والإسلامية.. فما اجمل أن نعيش هذه القيم التربوية الأصيلة, والشيم الإيمانية الفضيلة التي تتمخض من رحم (الصحة الاجتماعية).. لتكون منهج حياة في تعاملنا.. وفي علاقاتنا وسلوكنا وتفاعلنا اليومي مع محيطنا الاجتماعي بمتغيراته وتقلباته وتحدياته.