قالت خبيرة السلوك التنظيمي للشركات العائلية د. نوف الغامدي ل"الرياض" إن 80% من الشركات العائلية في الخليج ستواجه تحديًا يتعلق بنقل الخلافة من جيل إلى آخر خلال السنوات العشر المقبلة، وانتقال أصول تبلغ قيمتها التقديرية نحو تريليون دولار إلى الجيل التالي من الشركات العائلية في الشرق الأوسط. وأضافت د. نوف الغامدي: العائلات وبحكم طبيعتها شبكة متداخلة من الشخصيات المتنوعة، والمصالح المتنافسة والنزاعات الخاصة، وتكون احتمالات الخلافات فيها كبيرة، وهي تدرك أن عدم وجود هياكل للحوكمة العائلية يمكن أن يشكل أكبر سبب للصراع، وخاصة حول الخلافة، فالشركة تبدأ بمؤسس فهي "شركة بدون عائلة"، ثم تنتقل الى الجيل الأول فتكون "عائلة بدون شركة"، لكنها في الأجيال القادمة تكون "شركة عائلية"، وبالتالي لا بد ان تخطط كل شركة لإعداد خلافة في العائلة تكون مقبولة لتحافظ على الشركة، وتزداد أهمية وضع معايير واضحة لاختيار أعضاء الأسرة المؤهلين لقيادة الأعمال التجارية، ووضع معايير مدروسة للحوكمة والشفافية. وقالت ان 52% من الشركات التي أجريت معها مقابلات مسؤوليات واضحة في العلاقة بين المساهمين ومجلس الإدارة، وبين المجلس والإدارة التنفيذية، من المهم للشركات العائلية أن تؤسس هيكلًا قانونيًا يلائم بأفضل شكل ممكن خطة الخلافة في العمل الأسري، والديناميكيات، والأهداف الأسرية"، وأؤكد أهمية انتقال الملكية للجيل الثاني بهدوء، نظرًا لأن استمرار الشركات العائلية في دول الخليج مهم باعتبارها الداعم الأبرز والمحرك الرئيس للاقتصاد، إذ تسهم بنسبة تتراوح بين 60 و75% في الناتج المحلي للاقتصاد. وعلى المستوى المحلي اشارت د. الغامدي الى ان هناك العديد من النزاعات والقضايا القانونية بين أفراد العائلات في المحاكم المحلية تصل قيمتها إلى مليارات الدولارت، هذه النزاعات تؤخر التعاقب وبالتأكيد لا توفر قدوة جيدة أو ممارسات جيدة، وأن 41% من أصحاب الشركات العائلية يشعرون بالقلق في محور خلافة الأجيال للشركة، و49% من أصحاب الشركات العائلية لا يثقون بأداء الشركات العائلية مع الجيل القادم، فيما ترى النسبة ذاتها بأن الجيل الثاني ليس ناضجا لقيادة الشركات العائلية، 78% من قادة الشركات يعترفون بعدم وجود نظام وآلية عمل لإعداد قادة من الجيل القادم. وأضافت د. الغامدي إن طبيعة الشركات العائلية "العاطفية" مقارنة مع الشركات الأخرى تعد عقبة رئيسة أمام إضفاء الطابع المهني على الشركات العائلية، أي تبني بيئة تجارية أكثر تنافسية من خلال إدخال أنظمة إدارية أكثر صرامة وتوظيف مواهب استثنائية، وإن نقاط قوة نموذج الشركات العائلية وضعفها تكمن في كلمة "العائلة"، ويمكن للعمل مع الأقارب أن يخلق مستويات مرتفعة من الثقة والالتزام، ولكنه قد يؤدي إلى التوتر، والصراعات الخفية أو العلنية، في الوقت الذي يكافح الأفراد للفصل بين المنطق والعواطف والعمل على إنجاح مشاريعهم وحياتهم العائلية، كما ستزداد المخاطر الناجمة عن عدم مواجهة هذه التحديات مع مرور الوقت. وتشهد غالبية 60% من الشركات العائلية في منطقة الشرق الأوسط مرحلة انتقالية بين الجيلين الثاني والثالث، ما تسبب في ضغوط جديدة، وإن الأجيال المختلفة لها آراء متباينة عند يتعلق الأمر باتخاذ القرارات بشأن العمل، فالأجيال الأكبر سناً يعتقدون أن لديهم الدراية والخبرة في السوق، الأمر الذي يسبب صراعاً مع التفكير الإبداعي للجيلين الثاني والثالث، وقد يؤدي ذلك إلى نزاعات كبيرة بالنسبة للعديد من الشركات العائلية في العالم الإسلامي، ولا يوجد سوى قضايا محدودة حول الملكية المستقبلية لأن هذا الأمر تحكمه الشريعة الإسلامية، ومعظم الشركات العائلية في المنطقة محافظة، وسار العرف على أن تنتقل الشركة إلى الابن البكر، فيما يتم تعيين باقي أفراد الأسرة لتشغيل الفروع التابعة، ولن ننسى دور 'الأصهار" أو غيرهم، من الأقارب البعيدين فهم يُعدون من الأسباب الأخرى الشائعة للخلافات. وأوضحت: "يرى الناس بأن وجود أبناء عمومة هو أمر مثير للريبة بشكل خاص، فمن الممكن أن يكون أبناء العم قد ترعرعوا في أماكن أخرى في الشرق الأوسط وعاشوا أنماط حياة ونشأوا وفقاً لأخلاق وتربية مختلفة تماماً، هذه الاختلافات تزيد من تعقيد الأمور، ما يحدو بكثير من الشركات العائلية شراء حصص أبناء العمومة، إلا إذا كانوا قريبين جداً، وعندما نضع الخلافات الشخصية أو الثقافية جانباً، فإن الشركة تشكل مصدر رزق لعدد أكبر من أفراد الأسرة بمجرد انتقالها إلى الجيل الثاني أو الثالث، مقارنة بما كانت عليه عند تأسيسها وهو ما قد يشكل تحدياً من الناحية المالية، فهل تنمو الأعمال بمعدل سريع بما يكفي لتوفير مصدر رزق لجميع الأشخاص الذين يعتمدون عليها..؟ تقوم الشركات العائلية المعروفة باستغلال نفوذها عندما يتعلق الأمر بالحصول على قروض مصرفية وهو ما يعرف بالإقراض بضمان اسم وشهرة المقترض في الشرق الأوسط ويتسسب ذلك في خلافات نتيجة لاستغلال الناس لمناصبهم". وابانت: "أن القرارات حول الاستراتيجية المستقبلية للشركة، وأداء أفراد العائلة الذين يشاركون بنشاط في الأعمال، والقرارات حول من يمكنه العمل، وكيف يمكن للمساهمين من العائلة التخارج، وكيفية توزيع الأسهم وتوزيع الأرباح بين أفراد العائلة هي من المصادر المحتملة الأخرى للتوتر، وتتعرض الشركات العائلية في الشرق الأوسط لضغوط ناجمة عن ضرورة تحديد العلاقات بين أفراد العائلة وتنظيمها ودور كل منهم بصفتهم مساهمين وأعضاء مجلس إدارة وموظفين وبصفتهم الشخصية، وذلك في بيئة أعمال تشهد تطوراً على نحو متزايد، ويعد اللجوء إلى تعيين إدارات خارجية واحداً من طرق تشديد إجراءات الحوكمة في الشركات". واضافت خبيرة السلوك التنظيمي: "من جهة يتوقع منك تحقيق نتائج استثنائية، فأفراد العائلة هم أشخاص أذكياء كبروا مع هذا العمل، ويعرفونه جيداً، ويتوقعون منك أن تديره بشكل أفضل مما لو تولوا دفة القيادة بأنفسهم، وبالإضافة إلى ذلك عليك أن تأخذ في عين الاعتبار أن العمل الذي تديره وفي كثير من الأحيان، هو أحد أهم مصادر الدخل بالنسبة إليهم، ولذلك فهم يعتبرونه أمراً شخصياً، وتحمل العائلة ثقلاً عاطفياً متعلقا برؤية أجيال من أفراد العائلة ينطلقون مع الشركة وينمون معها خلال نجاحاتها وإخفاقاتها، وحتى لو تم قياس النتائج على المدى القصير، لا بد أن يشعروا بأنك تشاركهم المنظور طويل الأجل وتمتلك معايير صنع القرار التي جعلت من الشركة قصة نجاح طوال تاريخها، ويعود السبب وراء فشل معظم الرؤساء التنفيذيين الخارجيين في إدارة الشركات العائلية إلى تركيزهم الكبير على النتائج قصيرة المدى، دون التركيز على المسائل اللينة أو المدى الطويل، أو لأنهم يستنتجون بعد قراءة بعض الكتب عن ثقافة الأعمال في الشرق الأوسط بأن العلاقات هي كل شيء، مما يجعلهم يقضون كل وقتهم في التواصل مع أفراد الأسرة دون قضاء أي وقت للقيام بالأعمال والواجبات الإدارية في الشركة، ويمكن اللجوء إلى تقسيم الشركة كملاذ أخير". واوضحت: "في الوقت الذي يدعم فيه بعض الخبراء والمستشارين فصل الشركات عن العائلة، إلا انه لا يمكن فصل الجانبين عن بعضهما البعض، حاول أن تقنع نفسك بأنك شخص مختلف في العمل عما هو الحال في المنزل، ما عليك إلا أن تحاول أن تكون مسؤولا ومهنيا، لكن يمكن لهذا الأمر أن يتسبب في خلق توتر في بعض الأحيان، حيث يحاول أفراد العائلة عدم التحدث عن بعض القضايا لتجنب إيذاء شخص ما، فالأسرة هي كل شيء في منطقة الشرق الأوسط، ويُنظر إلى النزاعات العائلية على أنها أمر مستهجن وحساس للغاية، وتتحرك الشركات العائلية بالوراثة من مرحلة الحكم الفردي إلى الحكم الديمقراطي، وهذا ليس عملاً عادياً، وعندما يتعلق الأمر بالشركات العائلية، فلم يعد المالك هو الشخص الوحيد الذي يتخذ القرارات، أما في الدول العربية: فتبلغ نسبة الشركات العائلية قرابة 95% من عدد الشركات العاملة، وفي المملكة تبلغ نسبة الشركات العائلية قرابة 95% من عدد الشركات العاملة، وبالرغم من أهمية الشركات العائلية في اقتصاداتها الوطنية فإنها في تغير مع تقادم الزمن في شكلها القانوني أوفي حجمها وقدرتها على منافسة الشركات الكبرى ذات النشاط المماثل أو البديل. واختتمت خبيرة السلوك التنظيمي للشركات العائلية د. نوف الغامدي حديثها: "تقدر الدراسات في علم الإدارة أن متوسط العمر الافتراضي لهذه الشركات هو 40 سنة تقريباً، وأن واحداً من ثلاثة أنشطة عائلية يعيش حتى الجيل الثاني، ونحو واحد من عشرة أنشطة عائلية يستطيع المواصلة حتى الجيل الثالث، وفي دراسة أجريت في الولاياتالمتحدة الأميركية اتضح أن 30% من الشركات العائلية تستمر إلى الجيل الثاني، وتنخفض هذه النسبة إلى 12% للجيل الثالث، ثم 4% إلى الجيل الرابع، وأخيراً يصل أقل من 1% إلى الجيل الخامس، ووجد أن السبب الفاعل في تضاؤل الشركات العائلية هو التغيير الذي يطرأ على أفراد العائلة من جيل لآخر في معرفتهم وخبراتهم المتخصصة لطبيعة النشاط الاقتصادي وإدارته، وعليه فإن الرؤية لمستقبل الشركات العائلية تأخذ مسارين فإما أن تتمكن العائلة المالكة للشركة من البقاء مترابطة فتعمل على الحفاظ عليها وتطويرها وتوسيعها ولمزيد من القوة والنفوذ في الأسواق، أو أن تتضاءل أمام المشاكل والتحديات التي تواجهها، ومن تلك التحديات التنافس الداخلي بين أفراد العائلة للوصول إلى قمة إدارة الشركة وملكية الحصص الأكبر فيها، أما المخاطر الخارجية فتتمثل بعدم قدرة الشركة على التطوير والتجديد، والأخذ بالأساليب والطرق الحديثة في الإدارة، الأمر الذي ستترتب عليه الحاجة إلى تمويل كبير قد لا يتوافر من دخل العائلة، مما يدفعها للجوء إلى التمويل الخارجي فتفقد السيطرة على إدارتها لصالح الممول الأكبر، ولكي تتجنب الشركات العائلية المخاطر الذاتية أو الخارجية عليها اللجوء إلى المستشارين من ذوي الخبرة المتخصصين، سواء أكانوا من داخل العائلة أو من خارجها، تعمل على تدريب النشء الجديد من أفراد العائلة على إدارة الشركة".