في مدينة مينيابلس - بولاية منسوتا الأمريكية - افتتح عالم نفس متقاعد أول وكالة سياحية نفسية في العالم.. هذه الوكالة الغريبة موجهة لذوي الدخل المحدود من السياح الذين يرغبون ب(لف) العالم ولكنهم لا يملكون قيمة ليلة في أتعس فندق؛ فبخمسين دولاراً فقط يعمد الدكتور جاك كالدون إلى تنويمك مغناطيسياً والذهاب بك إلى حيث تريد من خلال الإيحاء الصوتي والبصري. وهذه الفكرة يمكن تنفيذها جماعياً بحيث تستلقي أنت وبقية العائلة على سرير ضخم وتذهبون سوياً إلى سويسرا أو هاواي بطريقة ذهنية بحتة - وحين تستيقظون بعد ساعة تكتشفون امتلاككم لذكريات.. شبه مشتركة.. ومن محاسن الصدف أنني (بعد اطلاعي على إعلان هذه الوكالة) قرأت خبراً من كندا يصب في نفس الموضوع .. فمن جامعة ليرنتين توصل بروفسور الأعصاب مايكل بيرسنغر إلى اكتشاف فريد بالمصادفة. فقد صنع جهازاً يخلق الذكريات من خلال اطلاق ذبذبات كهرومغناطيسية خاصة توجّه نحو رؤوس البشر. وهذه الذبذبات تؤثر على مركز التخيل في الدماغ ومركز الهايبوكامبس المسؤول عن خلق الذكريات الجديدة. والتأثير على هذين المركزين في آن واحد يخلق هلوسات مختلفة تنطبع لدى أصحابها كذكريات واقعية وحية. ورغم أن الدكتور بيرسنغر لم يستطع التحكم بنوعية الذكريات المتولدة إلا أن من خضع للتجربة احتفظ بذكريات حية عن رؤية أشباح وأقارب متوفين وأماكن غريبة لم يزرها من قبل!! ما يهمنا هنا هو أن الجمع بين الفكرتين السابقتين قد يشكل حجر الأساس لصنع جهاز منزلي صغير يتيح لنا زرع ذكرياتنا الخاصة. فذكريات الإنسان هي ما يتبقى لديه بعد أي حدث سعيد وتشكل في تراكمها شخصياتنا وخبراتنا وتميزنا عن الآخرين. غير أننا حالياً نصنع ذكرياتنا بطريقة واقعية مكلفة تستهلك الكثير من المال والوقت - في حين يتيح الجهاز السابق صنع ذكرياتنا الخاصة وخبراتنا المناسبة بكلفة أقل ومدة أقصر.. وفي المستقبل القريب قد لا يتجاوز هذا الجهاز حجم «الفيديو» أو «البلاي ستيشن» نستطيع من خلاله تشغيل أقراص CD تشحن برؤوسنا شتى أنواع الذكريات.. فبدل السفر حول العالم - أو السياحة فوق المريخ مثلاً - يمكنك الاسترخاء في منزلك وشحن رأسك بالخبرات المطلوبة.. وحينها لن يختلف الأمر عمّا حدث في فيلم «توتال ريكول» حيث يقوم بطل الفيلم شوارزنيغر بدور عامل بناء يتمنى العيش على كوكب المريخ؛ ولأن إمكاناته محدودة يلجأ إلى مؤسسة تدعى توتال ريكول تشحن في رأسه ذكريات حية عن المريخ وتدخله كعضو في المقاومة المسلحة هناك (برفقة زميلة يختار مواصفاتها بنفسه)! .. وبدون شك اختراع كهذا سيفتح للفقراء ومستوري الحال أبواباً وآفاقاً جديدة لا يمكن حصرها؛ إذ يمكن لأي صعلوك مثلاً العيش في أرقى القصور وزيارة أجمل البلدان والزواج كل ليلة بإحدى ملكات الجمال.. وبدل أن يلف العالم في عام أو عامين (بمبلغ وقدره) يشحن رأسه بأجمل الرحلات خلال ساعة أو ساعتين بقيمة بطارية 12 فولت!! .. وفي الحقيقة؛ حتى في حالة فشل جهاز الدكتور بيرسنغر - أو حتى وكالة الدكتور كالدون - ستبقى الفكرة بحد ذاتها متقدة وملحة حتى ينجزها العلماء ذات يوم بالشكل الصحيح.. وحينها فقط ستثبت (التقنية العصبية الحديثة) خطأ المقولة الشهيرة للحكيم طاغور «الأحلام المستحيلة تقيم في رأس العاجز»!!