أكد الناقد د. سعيد السريحي أن الشبهات التي تدور حول تنظيم "داعش" لا تبرئه من أن يكون عميلًا لجهات خارجية، وأن المرجعيات العقائدية والتاريخية تشكل رأس المال الحقيقي لجميع التنظيمات الإرهابية في العالم؛ لذلك نجدها تسمي نفسها وأفرادها بأسماء تلك المرجعيات العقائدية أو التاريخية أو المكانية؛ كي تستدرج المجتمع وتغري الأفراد بالانضمام، وتطلق على ما تقوم به من أعمال مصطلحات لها دلالتها الدينية والتاريخية ك"غزوة"، أو الخطباء يكرِّسون لدى المجتمع الإحساس بالإثم والخطيئة "سريّة"، كما تستدعي إرثًا تاريخيا لاستدراج المزيد من الأعضاء، وأن تلك المسميات تكشف أن التنظيمات الإرهابية تسعى لاستدعاء هذا الإرث التاريخي لحل الأزمات في المجتمع، وهذا ما يميز المسلمين العرب، عن المسلمين من غير العرب، كونهم يستشعرون المسؤولية كونهم أبناء الفاتحين وأصحاب المجد السابق في نشر الإسلام، ولاسيما حين تغري المجتمع وتعزز لدى أفراده روح القيادة الكامنة في نفوس أبناء الفاتحين، وهو انتماء يزاحم الانتماء الوطني. نحن لا نعرف أسماء التجار الذين نشروا الإسلام بطيب تعاملهم وقال: "مرّت عقود من الزمن ظل الخطباء يكرسون لدى المجتمع الإحساس بالإثم والخطيئة، حتى أصبح لدى المجتمع إحساس بالهزيمة والضلال والفساد، وأصبح الانتماء للجماعات الإرهابية مطهرة للنفس وهجرة عن مجتمع الفساد والضلال، وإن الإرهاب جاء نتيجة لنصوص شرعية متشابهة غفلنا عن تمحيصها، حتى أننا لا نعرف أسماء التجار الذين نشروا الإسلام بطيب تعاملهم وخلقهم الإسلامي، ولكننا نعرف قوّاد الجيوش الفاتحين، حين ربط التاريخ بين انتشار الإسلام والقتل والسيف والفتوحات، ووصلنا إلى أن القاتل يكبر قبل أن يفجر نفسه، والقتيل يرفع سبابته متشهدًا". ثمّة إرهاب لغوي يمتلك خطاباً يستدرج ويهدد معاً مشيرا إلى أن العمليات الإرهابية التي تنفذها منظمات إرهابية وأفراد، تعد جرائم تقليدية تقع بهدف بث الروع والفزع والخوف والهلع والفوضى لدى الناس، وترمي إلى تدمير النظام الاجتماعي، وفق استراتيجية عنف تقف خلفها بواعث عقائدية، كما أن الإرهاب هو الأثر الذي يتركه في نفوس الآخرين والمجتمع، وأن ضحايا الإرهاب هم أناس رمزيون يمثلون المجتمع المستهدف، وهنا الضحية المستهدفة والافتراضية والمؤجلة، حيث ينفذون عملياتهم التخريبية التدميرية في الأماكن العامة والمساجد وأماكن تجمع الناس، في الوقت الذي يتعذر على الناس تجنبهم لهذه الأماكن، وذلك بهدف الوصول إلى الهدف، وهو خلخلة المجتمع وزعزعة الأمن وتفكيك العلاقة بين الناس والمؤسسة القائمة على الأمن؛ كي تسقط شرعيتها، وأن اللغة وسيلة أداة لهم، سواء جاءت في صورة بيانات أو صور أو أخبار تنشرها الدول المتضررة. جاء ذلك خلال أمسية ثقافية نظمها نادي الطائف الأدبي، وأدارها د.عايض الثبيتي، وتحدث فيها السريحي عن " تفكيك الخطاب الإرهابي"، وأثار وصف السريحي للأوائل من الخوارج بالنقاء نقاشات حادة بين الحضور، وخلافًا من قبل المداخلين والمعلقين على المحاضرة، واستعرض تعريفات الإرهاب لعدد من الدول واللجان القانونية الدولية، والتي اتفقت في مجملها على غموض الرؤية، الأمر الذي أدى إلى اختلاف سياسات الدول تجاه هذه الجماعات الإرهابية، غير أن ما يجمع بين هذه التعريفات على تباين تفاصيلها يتمثل فيما تستهدفه الجماعات الإرهابية من وراء عملياتها من إثارة الرعب والخوف والفزع في المجتمع، وهو الأمر الذي لا يحتاج تعريفاً كي يتم الوقوف عليه، فاستبطان الدلالة اللغوية لمصطلح "الإرهاب" من شأنه أن يحيل على الأثر الذي يتركه في المجتمع والمتمثل في حالة الفزع والخوف ما يقتضي أن يكون تعريف الإرهاب منطلقاً من أثره في المجتمع وبذلك يصبح الحدث في العمل الإرهابي فعلاً رمزياً يستمد خطورته ومقدرته على التأثير من كون الضحية أو الضحايا الذين يتعرضون له ليسوا مقصودين في حد ذاتهم، وكان من الممكن أن يكون غيرهم في مكانهم، ودائما ما يكون الضحايا ممثلين للمجتمع المستهدف أي أنهم ضحايا رمزيون، وهذا يعني أن كل فرد من أفراد المجتمع عبارة عن ضحية محتملة أو ضحية مؤجلة. ويرى السريحي أنه إذا ما كان الحدث الإرهابي حدثاً رمزيا أو عنفاً رمزياً فإنه يحتاج إلى وسائط يمكن لها أن تعلن عنه من ناحية وتوسع دائرة تأثيره من ناحية أخرى بحيث لا ينتهي الإرهاب بوقوع الحدث وإنما يبدأ منه، وبذلك تصبح الوسائط المختلفة من لغة وصورة ثابتة ومتحركة وأخبار وبيانات لغة وآليات لتحقيق هذا الإرهاب وأهدافه حيث تؤكد قوتها وتبرير أعمالها في الوقت الذي تحرص فيه الدول المتضررة على استثمار تلك الأحداث من أجل تجريم الجماعات الإرهابية وتأكيد خطرها وخطر الانتماء إليها والتستر عليها. وحين تصبح اللغة أداة من أدوات الإرهاب سواء كانت ناقلة لأخبار عملياته أو متوعدة بمزيد منها وسواء كانت تعبر عن حقائق أو تطلق جملة من الشائعات التي ترفع وتيرة الترقب وتسهم في توسيع دائرة الرعب، حين تصبح اللغة كذلك وتلعب هذا الدور فإنه بالإمكان رؤية الإرهاب من هذه الزاوية إرهاباً لغوياً يتمترس خلف إستراتيجيات لغوية، يمتلك خطاباً مستدرجاً حيناً ومهدداً حيناً آخر وهو في كلتا الحالتين يتكئ على مرجعيات عقدية تتجلى في تبنيه نصوصا تتوافق مع سياسته وأهدافه ويصادر غيرها من النصوص التي تتناقض مع تلك السياسات والأهداف، كما يتكئ على مرجعيات تاريخية يهدف من ورائها إلى استخدام الماضي من أجل تقويض الحاضر وبناء مستقبل لا يخرج عن أن يكون استعادة للماضي الذي قامت بإعادة صياغته وتقديمه كنموذج لتحقق من خلاله أهدافها وغاياتها، والتي هي في مجملها غايات سياسية مهما تقلبت في المعتقدات والمذاهب وهذا يمثل الشفرة المشتركة التي تشكل قاسما بين الجماعات الإرهابية وبين المجتمع الذي تتخذه تلك الجماعات مجالا لتنفيذ عملياتها أي قاسما مشتركا بين الجلاد والضحية مما يحقق قدرتها على خلخلة ثقة المجتمع بمرجعياته من ناحية وضمان استمرار حصوله على الكوادر التي تضمن له الاستمرار وتوفر له البدائل لمن يفقدهم خلال عملياته من ناحية أخرى. وأضاف: "الجماعات الإرهابية تسعى إلى أن تقدم استعادة التاريخ عبر البعد الرمزي لمسمياتها وأسمائها باعتباره حلاً للمأزق التاريخي الذي انتهى العالم العربي لا من حيث أنه مجتمع إسلامي فحسب بل من حيث أنه مجتمع حمل مسؤولية نشر الإسلام من قبل، ما يساهم في الإغراء بالالتحاق بتلك الجماعات وكذلك ما تشكله شعاراتها من تعزيز لروح القيادة الكامنة فيمن يعتبرون أنفسهم أحفاد الفاتحين والمسؤولين عن استعادة أمجادهم ومكمن الخطر يتمثل في أن الانتماء لهذه الجماعات يعني في جوهره الانتماء لما تعلنه من شعارات وما يحمله خطابها من مرجعيات مما يجعله انتماء قادرا على مزاحمة الانتماء الوطني، بل قادرا على تهميشه". وقال السريحي أيضًا: "إن الإرهاب الذي نعاني منه اليوم لا يتجاوز أن يكون نتيجة لنصوص دينية متشابهة غفلنا عن تمحيصها وإعادتها إلى سياقاتها التاريخية كما هو نتاج لتغول التاريخ الذي ينقلب على أمة حولته إلى كتاب مقدس ولم تسأل صنّاعه عما فعلوا ولم تغسل عنه ما أراقوه حوله من الدماء"، تغول التاريخ الذي انقلب على أمة تعتبره مصدر عزتها دون أن تدرك أن في بعض جوانبه علة موتها كذلك". مطالبًا بأهمية فهم الإرهاب أولا كي نتصدى له، وتفهم المرجعية الدينية والتاريخية التي يستند إليها، وبالتالي إحلال مكونات الخطاب الذي يضمن له استمرارا وبدون ذلك فإن كافة الجهود لن تتجاوز القضاء على بعض جماعاته وبؤرة وخلاياه فيما يظل يتناسل في الخفاء كتنظيمات وفي العلن كأفكار، وكلما تم القضاء على جماعة منه تولدت جماعات أشد تطرفا وعنفا تتخذ ممن تم القضاء عليهم شهداء لها وتضيف إلى مخططاتها مخططات جديدة لأخذ الثأر لهم وتحقيق ما ماتوا مناضلين من أجله. جانب من الحضور «عدسة - سعد الهباش»