القلب يعشق قبل العين.. كان زمان..! والأذن تعشق قبل العين أحياناً - صحيح دائماً..! ولا أريد أن أسترسل في خواطر عفى عليها الزمن، ونحن نعيش (عصر الانترنت) والشباب يلهون بأزارير أجهزة الحاسب الآلي (الكمبيوتر)، وأصبحنا كالآلات الصامتة، نشاهد ولا نتكلم..! لا أحاسيس دافئة ولا ومضات قلوب نابضة، بل لا كلمات حلوة، نتبادلها نحن أفراد الأسرة الواحدة، وإنما كل واحد من أفراد (العيلة) في غيبوبة حزينة وهموم متراكمة..!! هكذا كان حالنا في العيد - عيد الفطر السعيد 0 كما يسمونه، وحتى البسمات الصادقة والمقابلات المُفرحة، لم يعد لها «مقام» في الوطن العربي.. وسألت نفسي وأنا انتظر قدوم عيد الفطر المبارك وأصيخ السمع وأعدّل نظارة القراءة المكبرة فوق أنفي، وأفتح عيني أمام شاشة التلفزيون القناة الأولى - السعودية - لأعرف إن كانت ليلة الأربعاء الماضي ستكون ليلة إعلان ثبوت ظهور هلال شوال 1426ه، أم سيكون يوم الأربعاء هو المتمم لشهر رمضان المبارك، الثلاثين من هذا الشهر الكريم.. وقد كان ولله الحمد إننا أكملنا صيام رمضان ثلاثين يوماً بالتمام والكمال.. والله أسأل أن يتقبل منكم أحبتي قراء صحيفة «الرياض» صيامكم وقيامكم وصلاتكم وتهجدكم كل ليلة من ليالي هذا الشهر الكريم.. وعيدكم مبارك يا أهل هذا الوطن الغالي.. وبالمناسبة وأنا في تلك الحالة، عدت بالذاكرة إلى نصف قرن من الزمن الذي مضى أو يزيد.. يوم كنا صغاراً ثم شباباً نمرح ونصرخ ونلعب (كورة الشراب) في حارة جياد أو حارة المسفلة، في مكةالمكرمة.. ويا لها من ذكريات حلوة صافية بريئة.. لا كهرباء في البيوت ولا في الشوارع.. وكذلك لا ماء نظيف حلو في (المواسير) والحنفيات، بل يأتي الماء بواسطة (السقا) إلى بيتنا، والله يعلم بحال ذلك الماء الذي كنا نشربه وقد عبثت أيد كثيرة به قبل أن تحمله أكتاف قوية للمسكين «أبونا السقا»، ويقوم الوالد رحمه الله، باعطاء العم علي ربع الريال الفضة ويطلب منه العودة مرة ثانية بل مرات ومرات حتى تمتلئ (الأزيار) الفخارية، أو الصفائح التنك المتناثرة في دهليز البيت والحمامات والمطابخ..؟! صورة حية حاولت أن أرسمها بصدق وأمانة، عن حالنا يوم كنا نعيش في فترة الخمسينات من عام 1350 - 1359ه وقبل أن تبتعثني الحكومة إلى مصر بعد أن اجتزت امتحان التوجيهية في مدرسة تحضير البعثات بجبل هندي - الشامية، أنا ومع زملاء أعزاء أذكر منهم محمد علي مكي، عبدالعزيز الطحلاوي، حمزة أمين مدني، محمد علي علاقي، عبدالله فتحي، ماجد برزنجي، حسن المشاري، أحمد زكي يماني، عبدالهادي حسن طاهر وغيرهم، رحم الله من انتقل إلى دار البقاء الآخرة، وأمد الله في أعمار من لا زال يدب فوق الأرض ومتعه بالصحة.. أقول لكم مشاعري وأنا أسطر هذه الذكريات عن حياتنا البسيطة في مكةالمكرمة - ومثلها في بقية مدن وقرى المملكة كذلك - كانت أياماً حلوة، بهيجة، خفيفة، لا حقد ولا حسد من إنسان لإنسان - المحبة والتعاطف، والرغبة في خدمة القريب والبعيد بروح مرحة ونفس صافية، والسؤال من الجار عن أحوال جاره، وتقديم الهدايا وأطايب المأكولات من التي تصنعها الأمهات الكريمات الصابرات على تعسف «الأزواج المتعالين المتكبرين والذين لا يعجبهم العجب ولا حتى الصيام في رجب» كما يقال في الأمثال الشعبية كانت هي أحوالنا يومها.. وفي أمسيات رمضان كنا ونحن أطفال صغار نجري في شوارع الحارة وفي أيدينا «الكبوش» والبراجو، وسراويلنا الطويلة وثيابنا قد تمزقت من الجري وراء الكورة الشراب والتقاتل على من يجيب جول في مرمى الفريق الخصم.. ويا ويله الحارس لو دخلت الكورة جول، ويأكل من الضرب والشتائم الكثير الكثير..؟!