مدخل للشاعر محمد بن صقر السياري: غديت مثل العود مشراه غالي ولجل غلاه حتى يحرقونه على النار بيت من نوادر الشعر الشعبي كل حرف فيه اكتسى جمالاً، وإبداعاً، وشموخاً.. فمنذ القدم وحتى وقتنا الحاضر اعتبر العود (الطيب) مضرباً للمثل عند الشعراء، ورمزاً من رموز الكرم، والضيافة، والشهامة، فكما هو معروف فإن العود يستخدم في جميع المناسبات خاصة مناسبة الأعياد والأفراح ليعطّر المكان طيباً وعطراً وفرحاً، وهو من العادات الأصيلة التي اهتم بها العرب، وتوارثها الأبناء عن الآباء والأجداد، ونلاحظ كثيراً في مجالس الرجال العامرة بالاحترام والتقدير حرصهم على الاهتمام بهذه العادة الطيبة، وعدم التهاون بها.. فالعود يعتبر من أولويات إكرام الضيف، ويتم تقديمه عند استقباله، وكذلك بعد أن يأخذ مكانه في المجلس، ولا شك أن من يطّيب ضيوفه بالعود الأزرق يكسب احترام الناس وحبهم له كما قال الشاعر عبدالله بن علي بن صقيه التميمي: يا حبني لأهل الكرم والشهامات ويا بغضني للي تحسّب قراها المرجله تبغي يدين صخيات ما هي هوينة على من بغاها وجرت العادة أن يتم تقديم العود في البداية لمن هو في صدر المجلس ثم يمرر على الحاضرين، ويعتبر ذلك أكبر دليل على تقدير الضيوف والفرح بقدومهم.. ولقد تحدث الشعر كثيراً عن أهمية العود (الطيب) في مجالس الرجال، وفي محافلهم، والمناسبات ومن تلك الأشعار قول الشاعر حمد بن عبدالله المعجل: المجلس اللي مدهل للرجاجيل يا حبني لأهله ويا حبني له ما يوجد إلا العود بين المعاميل وسوالف تبري الكبود العليله ويعتبر تقديم العود (الطيب) للضيوف من أجمل العادات الطيبة، ومن القيم السامية، واسلوم العرب المحببة للرجال، وفي نفس الوقت تدل على الكرم، والشهامة.. وعادة تقديم العود للضيوف منتشرة بكثرة داخل أروقة المجتمع العربي قديماً ،ولا تزال في وقتنا الحاضر. ويحرص عليها الكثير من الرجال الذين يعتبرونها من اسلوم العرب التي يتفاخرون بها.. والشاعر الشعبي كثيراً ما يحث في أشعاره على فعل الطيب، والشهامة، والمروءة، والتمسك بالعادات الجميلة مثل تقديم الطيب للرجال واختيار الجيد منه وترك الرديء لذلك نجد أن الشعراء يحثون من خلال أشعارهم الهادفة على اختيار العود الغالي وتقديمه للضيوف ويعتبرون هذا العمل أكبر دليل على نبل النفس والكرم.. ويرى الكثيرون من الشعراء أن هذه العادة هي أفضل الخصال وأجمل ما يتصف به الرجال، فاختيار العود الثمين يكمل واجب الضيافة مثل الترحيب بقدوم الضيف وإكرامه والاحتفاء به، وفي ذلك يقول الشاعر راجح بن فهد بن حيدان: هذي هي الدنيا سلوم ومواجيب والرجل له عزم وشور يدلّه أحد يحل بعاليات المراقيب وأحد طمان الرجم لا جاه حلّه وأحد تنقى العود الأزرق من الطيب وأحد رديّ العود لا جاه شلّه ونظراً لأن هذه العادة من أهم أولويات الضيافة لدى العرب فقد حث عليها الشعراء في أشعارهم وأثنوا على من يقوم بواجب الضيافة على أكمل وجه، ومدحوا العود الأزرق (الطيب) واعتبروه سر الكرم، ومنه نال الرجال شهرتهم.. وفي وصف العود وأهميته في مجالس الرجال يقول الشاعر فهّاد الحنيني الحربي: العود لولا الجمر ما بان غاليه وإليا احترق فوحه عطاه الشهاده والرجل لولا الصعب ما عاش طاريه ما مات ميت حي راع الجلادة والمدخن الذي يتم وضع العود فيه جميل بشكله الهندسي الدقيق بعد أن يوضع على جوانبه الأربعة العلوية والسفلية قطع من المرايا المثبتة بالدبابيس النحاسية والتي تشاهد من الأعلى إلى الأسفل وتجعل منظره جذاباً يسر عين من يشاهده.. وأجزاؤه عبارة عن مجموعة من القطع الخشبية الصغيرة ذات الوزن الخفيف، وهو مجوف من الأعلى فقط بحيث يتم وضع الجمر بداخله دون خوف من سقوطه ثم يوضع فوقه العود الأزرق الغالي ذو الرائحة العطرة الزكية الذي يفوح من المدخن، حيث يميز مجلس الرجال ويحلّي جلوسهم.. أما من الأسفل فيوجد للمدخن قطعة أخرى من الخشب وهي مربعة الشكل غالباً حتى يثبت في مكانه المخصص بين المعاميل بالشكل الصحيح، ويتم تلبيس هذه الأخشاب جميعها بالمعدن الحديدي بعد أن يتم توصيل القطع العلوية من المدخن بالسفلية بقطع أخشاب مناسبة (حسب حجم المدخن) بحيث تمسك هاتان القطعتان الخشبيتان العلوية والسفلية ببعضهما البعض، وقد تطورت صناعته فدخلت فيها الكثير من الزخارف والمعادن المختلفة.. ولكن يجب أن لا ننسى أن قيمة العود أهم بكثير من جمال المدخن الذي يعتبر من أهم أركان مجلس الرجال قديماً وحاضراً.. ولا تكمل فائدته إلا بوجود الطيب - العود الأزرق - المعروف وأيضاً دلال القهوة، وكذلك الرجال الطيبين، ويتم تقديم المدخن للضيوف عند قدومهم، حيث يتم استقبالهم بالترحيب وتقديم المدخن لهم وتطييبهم، وفي ذلك يقول الشاعر حمد هادي المسردي: العود الأزرق له عجاج ودخّان يجلي عن الكبد العليله عللها وهكذا حرص الكثيرون من الشعراء على توضيح مكانة العود ومحبته، وقد رفعوا من قيمته إلى أعلى درجات الفخر والاعتزاز فذكروه في أشعارهم وفي مجالسهم، كما حرصوا على كل ما يفيد الناس من العادات الطيبة والتقاليد الأصيلة، واعتزوا بذكر أفعال الأبطال وأهل الكرم والخصال الحميدة.. ويبقى هذا الوهج للعود (الطيب) الذي تتفاوت أسعاره، وتبقى تلك الأشعار التي تميزه عن غيره، وتجعل له مكانة رفيعة في قلوب الناس، ونأمل أن لا تتلاشى هذه العادة المجيدة التي حرص عليها أجدادنا فأصبح تراثنا منفرداً بمعانيه السامية، والنبيلة، والرائعة.