"البطالة" إشكاليةٌ، تعكس واقعاً مأزوماً لجزءٍ مهمٍ من أبناء الوطن، وحجر عثرة أمام طموحاتهم في بناء مستقبلٍ يُحقق لهم الحياة الكريمة، ويسمح لهم بالمشاركة بفعالية في مشروعات وطنهم للتنمية المستدامة. بالتأكيد لن أتحدث عن سياسات السعودة الوهمية، أو غير الفعَّالة، والاعتماد المفرط على العمالة الوافدة، والضعف العام في استراتيجية التوظيف في القطاعين الحكومي والخاص، فضلاً عن المعوقات المفتعلة المفروضة من جهات بعينها في القطاع الخاص، فقد نالت الحظ الأوفر من البحث والنشر والرؤى والمناقشة! ولكن أود الحديث عن موضوعٍ ذي صلةٍ، بالتوظيف! وتحديداً الفرص الوظيفية المتاحة، التي يتم الإعلان عنها، في أكثر من موقعٍ أو جهةٍ في القطاعين العام والخاص، والجامعات! وأهمية أنْ يقترن عرضها بالشفافية، وأن يكون الاطلاع عليها، متاحاً للجميع! فهذا، في تقديري، حقٌ مكتسب لكل من يبحث عنها، من الشباب والشابات، في سائر أرجاء الوطن! حقيقةً، ليس لدينا جهةٌ بعينها، يمكن أن تكون بوابة إلكترونية حصرية لكل الوظائف المتاحة، المُعلن عنها، في كلا القطاعين العام والخاص! صحيحٌ لدينا بوابة "جدارة" على الموقع الإلكتروني، لوزارة الخدمة المدنية، والتي أُنشئت في عام 1433ه! وهي، كما جاء في حيثيات إنشائها، بوابةٌ، تتولى إلكترونيا، وحصرياً، استقبال طلبات التوظيف في القطاع الحكومي للمواطنين والمواطنات، بهدف تسهيل توظيفهم في القطاع الحكومي، أو في وزارة الخدمة المدنية. لكن، كما هو معلومٌ، وواضحٌ، فإنَّ بوابة "جدارة" تنحصر خدماتها في الوظائف التي شغلها من اختصاص وزارة الخدمة المدنية، وهي الوظائف المشمولة بسلم رواتب الوظائف التعليمية، والوظائف المشمولة بسلم رواتب الوظائف الصحية، والوظائف المشمولة بسلم رواتب الموظفين العام من المرتبة الأولى حتى المرتبة العاشرة! ومن ثمَّ، فخدماتها لا تشمل الوظائف التي يطرحها القطاع الخاص، والجامعات، وسواها مما لا يندرج في اختصاص وزارة الخدمة المدنية! هذا الأمر، وواقع الحال، يدفعني لطرح فكرة إنشاء مركز وطني إلكتروني موحد، للإعلان عن جميع الوظائف المتاحة بالمملكة، يُلزم جميع الجهات الحكومية، والخاصة، والمشتركة، بإعلان وظائفها أولاً، عن طريق هذا المركز! ولا يمنع ذلك، حقها، في الإعلان عن وظائفها في مواقعها الإلكترونية، أو عبر وسائل الإعلام المُتاحة. دواعي طرح فكرة إنشاء المركز، لها، في تقديري، وجاهةٌ منطقيةٌ، جرّاء تعدد وتنوع مواقع إعلان الوظائف، في القطاع الخاص، وفي الجامعات، وفي الغالب لا يمكن للباحثين عن الوظائف متابعة كل هذه المواقع المتناثرة على الشبكة العنكبوتية! إلى جانب أنَّ بعض الجهات لا تلتزم بالشفافية لضمان العدالة في إتاحة الفرص الوظيفية للجميع، مثل قصر مدة إعلان الوظائف، على فترة زمنيةٍ محدودة جداً، وقد تصفحتُ، على سبيل المثال، موقع إحدى الجامعات في منطقة مكةالمكرمة، وقد حددّت فترة الإعلان بأربعة أيامٍ فقط! ونشرته في مكانٍ غير واضح، في موقعها الإلكتروني، يصعب على الكثير من الباحثين الاطلاع عليه! لذا! منعاً لكل الشكوك التي قد تُثار لجهة عدم مصداقية هذه الإعلانات الوظيفية، وحتى تكون كل الوظائف في القطاعين الخاص والعام، تحت بوابة واحدة، متاحة لجميع الباحثين عن فرص العمل! فقد يكون من المفيد جداً، النظر بعنايةٍ، من قبل جهات الاختصاص، في إمكانية دراسة فكرة إنشاء مثل هذا المركز! لن أدخل في تفاصيل آليات وإجراءات عمل المركز، وضوابط الإعلان فيه، ومسائل التنسيق مع الجهات ذات العلاقة، فهذا الأمر، ربما تتولاه جهات الاختصاص، في مرحلةٍ لاحقة، وبعد تبني فكرة إنشائه! ولكن من المفيد جداً أن تتولى الإشراف على هذا المركز "هيئة الرقابة والتحقيق" أو "الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد" لضمان شفافية عمله، ومساءلة كل الجهات التي لا تلتزم بالإعلان عن وظائفها في هذا المركز، بالشكل والكيفية المناسبة! ومن المفيد جداً كذلك التزام المؤسسة العامة للتقاعد، أو المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية بعدم تسجيل أي موظفٍ لديهما، إلا بخطاب أو إذنٍ أو علمٍ من المركز المُقترح إنشاؤه! مسك الختام: الفرص الحقيقية في سوق العمل السعودي ذات أفق أوسع، ويمكن تعزيزها، وتوسيع نطاقها خلال الزمن، ومن شأن إنشاء مركز وطني إلكتروني موحد، للإعلان عن جميع الوظائف المتاحة بالمملكة، إتاحة الفرص للجميع لمتابعة إعلانات المركز والتقديم على الوظائف التي تناسب مؤهلاتهم وتخصصاتهم. كما تتيح في الوقت نفسه، لجهات التوظيف، خيارات أوسع في اختيار الكفاءات، وإجراء المفاضلات، على نحوٍ أكثر مهنيةٍ وعدالة! وهذا في تقديري مسؤولية أدبية، وأخلاقية، تقع على عاتق الدولة لجهة توفير كل الإمكانات المتاحة، لتفعيل مبدأ تكافؤ الفرص الوظيفية في كل قطاعات الدولة.