حتى ما قبل انطلاق كأس السوبر السعودي الذي ستحتضنه العاصمة لندن لا تزال الأصداء السلبية للقرار تتردد في الشارع الرياضي السعودي بمختلف المارين فيه إعلاميين أو جماهير، والحقيقة التي لا مناص منها أن المعارضين يبدون أكثر من المؤيدين، ولا تعني الأغلبية هنا رجاحة الاعتراض، خصوصاً حين النظر من زاوية احترافية الرياضة لا من زاوية العاطفة المتلبسة بثياب زمن الهواية. في ظني أن غلبة المعارضين طبيعية ومتفهمة لاعتبارات عدة، منها أن أي تغيير من طبعه أن يلامس الغالبية العظمى، فكيف إذا كانت تلك الغالبية هي الجماهير البسيطة أو جماهير "الدرجة الثانية" التي تشعر أن هذا التغيير جاء لصالح النخبة القادرة على الذهاب للمريخ وليس إلى لندن فقط، يعزز ذلك وجود بعض المتربصين باتحاد الكرة الذين ظلوا يعزفون ألحانا ذات شجن طاغٍ على "عاطفة الغلابا"، فضلاً عن وجود محللين تضيق بهم الرؤية التحليلية، إما لضعف في زوايا النظر، أو لفقر في المخزون المعرفي، أو للتماهي مع الجماهير لتحصيل أكبر رصيد في بنك الشهرة. اليوم وقد أصبح "سوبر لندن" أمراً واقعاً، يمكن القول وبضرس قاطع: إن النجاح قد سبق انطلاق المباراة، وإن تقييم التجربة في نهايتها سيفضي لمنح اتحاد الكرة العلامة الكاملة أو قريباً منها، شاء العاطفيون والمتربصون وضيّقوا الأفق أم أبوا، وذلك لتحقق أربعة معايير رئيسة هي التي يمكن الاستناد إليها لتحديد نجاح أي عملية تنظيم رياضية من عدمها، وهي معيار التسويق، ومعيار التغطية الإعلامية، ومعيار الحضور الجماهيري، ومعيار المستوى الفني. في معيار التسويق لا يبدو الجدال حاضراً باعتبار أن الأرقام التي تسربت أو التي أُفصِح عنها تشير إلى أرباح صافية تتأرجح بين 12 و15 مليون ريال ستدخل خزينة اتحاد الكرة والتي سيقتسمها بدوره مع ناديي الهلال والنصر، والمقارنة مع بطولتي السوبر الماضيتين يكشف الصورة بوضوح حيث الانتقال من (صفر أرباح) إلى هذا الرقم المجزي للأطراف كافة ومن مباراة واحدة. وفي معيار التغطية الإعلامية يكفي مشاهدة تقاطر الموفدين الإعلاميين من محررين صحفيين ومراسلين ميدانيين وخلفهم جيش من المصورين يتبعون لصحف وإذاعات وقنوات رياضية خاصة وبرامج متخصصة إلى عاصمة الضباب، وهو مشهد لم نعد نعتده كمشتغلين في الإعلام الرياضي إذ بدأت بعض المؤسسات الإعلامية في الاعوام الأخيرة تنكفئ عن إيفاد من يقوم بالتغطية لها سواء في مشاركات المنتخب الوطني أو استحقاقات الأندية المحلية والاكتفاء بأخبار المراكز الإعلامية والمتابعة الفضائية أو ما تجود به الوكالات على عكس ما كان في اعوام مضت، وذلك مرتبط بأمور مالية بالدرجة الأولى. في معيار الجماهير كان اختيار لندن من جهة وملعب نادي كوينز بارك رينجرز بمثابة "ضربة معلم" فالعاصمة الانجليزية واستاد "لوفتس رود" كلاهما محفزان لحضور الجماهير بالعدد المنشود الذي من شأنه إكمال صورة النجاح، إذ ينتظر أن يغص الملعب الذي يتسع لنحو 19 ألف مشجع بكامل طاقته الاستيعابية، ومما سيضيفه "السوبر" جماهيرياً اليوم أنه سيتيح الفرصة لدخول العنصر النسائي لمشاهدة "ديربي الرياض" لأول مرة في تاريخ الكرة السعودية. يبقى المعيار الفني وهو مرهون بما سيقدمه الفريقان ميدانياً لكن يكفي حضور النصر والهلال لتحضر الندية والتشويق طوال دقائق المباراة سواء حضر المستوى الفني أم لم يحضر، والتي من شأنها أن تصبغ النهائي بالإثارة التي تعزز المستوى الفني وتزيده جمالاً، أو أن تطغى عليه فتظل الصورة رائعة، بما يجعلنا نستطعم نهائياً كامل الدسم.