تحدثنا في الحلقات الثلاث السابقة في تعريفات الأدب الشعبي واصطلاح "الفنون الأدبية السبعة"، وتقسيم الفنون الأدبية إلى المعربة كالشعر القريض والموشح والدوبيت، والملحونة التي من أولها الزجل والقوما والكان كان. هذا أولها أي الزجل. الفنون الملحونة: رابعاً، الزجل: الزجل في اللغة يعني الصوت، يقال: سحب زجل اذا كان فيه الرعد نشأ في الأندلس في أواخر القرن الرابع الهجري (التاسع الميلادي) حيث نشأ على يد أخطل بن نمارة وبلغ عصره الذهبي على يد أبي بكر بن قزمان ت554ه . واستمر يتطور في القرن السابع الهجري وجنح نحو التصوف والزهد بسبب المصائب التي أحاطت بالأندلس على يد الشاعر أبي الحسن الششتري، وانتقل إلى المشرق ومصر قبل كل البلاد لقربها من المغرب وأول من عني به من المشارقة صفي الدين الحلي في كتابه "العاطل الحالي والمرخص الغالي" اذ جعله في أول الفنون الشعرية غير المعربة، كذلك جاء ذكره، بعد الحلي، في كتاب "بلوغ الأمل في فن الزجل" لتقي الدين ابوبكر بن حجة الحموي (ت. 1434)، وفي كتاب "عقود الآل في الموشحات والأزجال" لمحمد النواجي (ت.1455)، وابن إياس (ت. 1524) في كتابه " الدر المكنون في سبعة فنون" حيث تابعوا الاهتمام بهذا الفن بعد صفي الدين الحلي. بالإضافة إلى مدونات مخطوطة في دار الكتب المصرية لأشعار مجهولة، وفي دار الكتب الظاهرية ديوان مجموعة من زجل، وهناك "بلوغ الأمل في طرف من أحمال الزجل" لمحمد بن مرزوق الرجوي.. ويذكر لنا صفي الدين الحلي في كتابه "العاطل الحالي.." رأيه في مكانة هذا الفن بالنسبة الى الفنون المستحدثة الأخرى، ونستطيع تلخيص أهميته بالنقاط الآتية: 1. الزجل من أكثر الفنون المستحدثة أوزاناً.2. الزجل من أرجح الفنون المستحدثة ميزاناً.3. الزجل من ارفع الفنون المستحدثة رتبة.4. الزجل من اشرف الفنون المستحدثة نسبة .5. أوزانه لم تزل متجددة .6. قوافيه متعددة .7. إن مخترعيه من اهل المغرب ثم تداوله الناس بعدهم. يتألف الزجل من أربعة اشطر والمصاريع الثلاثة الأولى من روي واحد معين والرابع مغاير له. ويشيع الجناس في القوافي الثلاثة الاولى، وقد ينظم الزجل من الأقفال التي لا يزيد الواحد منها عن بيتين ويكون للصدر روي وللعجز روي او قافية واحدة وما ذكر آنفاً يعد من مزايا الزجل اذ يذكر لنا الدكتور صفاء خلوصي في كتابه "علم القافية" ان فن الزجل يمتاز بأمور منها: 1. انه يصلح للغناء .2. بعيد عن الإعراب.3. يغلب عليه التسكين .4. ينظم على بحور الشعر المعروفة وبحور أخرى.5. يتكون من أربعة اشطر حيث يشيع الجناس في الثلاثة الاولى .6. ينظم بشكل إقفال لا يزيد القفل الواحد منها عن بيتين ويكون للصدر روي وللعجز روي او قافية واحدة. ولقد اشتهرت مصر بالزجل ومن أعلامه شرف الدين بن أسد ت738ه كما ينقل لنا صاحب فوات الوفيات الجزء الثاني، ومن أزجاله اللطيفة التي وردت ايضا في "كنز الدرر وجامع الغرر" الجزء الثامن لابي بكر بن عبدالله بن ايبك الدواداري هذا المقطع: يا مالك الحسن أرفق بالمستهام العليل حياته قربك ولكن ما يلتقي له سبيل خدام حسنك كثير هم سبحان من صورك وصفك جميل ووجهك صبيح ما ازهرك ياقوت وجوهر بثغر وريحان عذارك شرك كافور خدك وعنبر خالك أهاجوا الغليل بمهجتي يا معيشق وصوروني ذليل ويورد لنا الدكتور محمد كامل صاحب كتاب الأدب في العصر المملوكي في الجزء الأول خبرا مفاده ان صلاح الدين الصفدي التقى ناظم الزجل شرف الدين بن اسد في القاهرة وقال عنه: "رايته غير مرة بالقاهرة وانشدني له شعرا كثيرا من البلاليق والازجال والموشحات.. وكان عاميا مطبوعا قليل اللحن يمتدح الاكابر ويستعطي الجوائز ". واهم الزجالين في مصر: ابن النبيه المصري "ت 611ه"، وعبد الملك بن الاعز الثقفي "ت707ه"، والوزير محمد بن محمد بن علي"ت707ه"، ومحمد بن عمر المعروف بابن المرحل "ت 716ه"، وابراهيم الحائك المعمار "ت 749ه". ولقد انتقل الزجل إلى الشام واستساغه العامة والخاصة ونظموا فيه ومن أشهرهم شهاب الدين احمد بن عثمان الامشاطي "ت725ه" وعلي بن مقاتل الحموي "ت761ه" وابن حجة الحموي "ت837ه"، ويذكر لنا ابن حجة الحموي في كتابه خزانة الأدب "ان الشيخ شمس الدين بن الصائغ، قد استشهد في شرح البردة الذي سماه "الرقم" بغالب أهل عصره فيما عرض من أنواع البديع حتى اورد لهم شيئا من محاسن الزجل. ولقد وصل الزجل إلى العراق وأقبل عليه الشعراء ونظموا فيه أمثال صفي الدين الحلي في كتابه العاطل الحالي والمرخص الغالي، ومن ذلك قوله المنشور في العاطل الحالي والمرخص الغالي للشاعر الحلي والمستطرف في كل فن مستظرف الجزء الثاني للابشيهي في مدح الملك الصالح شمس الدين بن غازي بن ارتق صاحب ماردين: انت يا قبلة الكرام زينة المال والبنين الله يعطيك فوق ذا المقام ويعيدك على السنين انت شامة بين الأنام الله يحرس شمائلك ويؤيدك بالدوام تانعيش في فواضلك وتا نطوي ذكر الكرام تا ننشر فضائلك ونهنيك بكل عام والخلائق تقول آمين..