كلنا يعلم أن قائد الجيش النازي أثناء الحرب العالمية الثانية "1933-1945" هو أدولف هتلر الذي ولد بالنمسا عام 1889، ولكن قلة ربما لا تعلم عن الجانب الآخر لهتلر من حيث نشأته وميوله بقدر ما اشتهر به كقائد حرب، ويتمثل هذا الجانب في أنه هتلر في حقيقته "فنان تشكيلي" له حضوره في المشهد الفني وتباع لوحاته في مزادات عالمية، منها لوحة بيعت هذا العام تتضمن زهوراً ورسمت بالألوان المائية حيث بدأ المزاد بمبلغ ثلاثين ألف دولار للوحة. لم يعش هتلر حياة سعيدة فقد كان والده يصر على أن يحذو حذوه ويتخصص في الجمارك ولكن حلم هتلر كان أن يصبح رساماً، ومات أبويه وعدة من إخوانه وأخواته وبقي وحيداً وأخذ يتنقل فقيراً ومتشرداً ويبيع لوحاته بثمن بخس، وفي عام 1905 انتقل للعيش والدراسة في فيينا ولم يكن له مصدر رزق غير حصوله على منحه حكومية لرعاية الأيتام، وعندما بلغ الحادية والعشرين من عمره، ورث أموالاً عن واحدة من عماته. وحاول هتلر أن يشق طريقه بجهد كرسام في فيينا حيث كان ينسخ المناظر الطبيعية الموجودة على البطاقات البريدية ويبيع لوحاته إلى التجار والسائحين، فتقدم ليلتحق بأكاديمية الفنون الجميلة في عامي 1907 و1908 ولكنه رفض مرتين من قبل الأكاديمية لأنه لم يكن مناسباً في مجال الرسم، ولكنه برع في رسم المباني والمناظر الطبيعية فنصحه الأساتذة بالتوجه لدراسة الفن المعماري فبعد أن تم رفضه من قبل أكاديمية الفنون للمرة الثانية، وكان ماله كله قد نفذ. وفي عام 1909، عاش هتلر في مأوى للمشردين، ومع حلول عام 1910 كان قد استقر في منزل يسكن فيه الفقراء من العمال. ونجد توجه هتلر نحو الفن قد وقف ضد التوجهات العالمية في مجال الفنون التشكيلية بصفة عامة تلك التوجهات التي ظهرت وازدهرت في ذلك الوقت مثل التكعيبية والسريالية والانطباعية والتعبيرية والدادئية أو كما يطلق عليها الحداثة، فقد قرر هتلر أن جميع هذه المدارس والاتجاهات الحديثة تفسد الذوق العام وتشوه المثالية كما أنه وجد أن الفن الحديث في صراع مع القيم الخالدة للجمال والمثل النبيلة وبالتالي يمكن أن يؤدي إلى تراجع الحضارة، إضافة إلى إيمانه بأن الفن الحديث قد فصل الناس عن التماهي مع التعبيرات الإيجابية للفن، كما أنه فن غير مفهوم ألغى مفهوم الجمال ووقف كعدو للحياة الطبيعية نفسها، ويرى أن الفن الحديث يفضل العدم والغموض أو القبيح أحياناً عن الجمال، متفقاً في ذلك مع الناقد والفنان التشكيلي الفرنسي جوستاف كوربيه الذي ذكر بأن الرسم يقوم على مبدأ تمثيل الأشياء الواقعية والفن يشكل لغة تتألف كلماتها من جميع الأشياء المرئية. كما ذكر هتلر في مذكراته أنه عندما ذهب إلى متحف يدعى "متحف المحكمة" ليدرس اللوحات المعروضة به اكتشف أن ما لفت انتباهه هو مبنى المتحف نفسه وليس اللوحات، قائلاً: "في غضون أيام قلائل، أدركت في أعماقي أنني يجب أن أصبح يوماً مهندساً معمارياً. والحقيقة هي أن سلوكي هذا الطريق كان مسألة شاقة للغاية حيث إن إهمالي لإتمام دراستي في المدرسة الثانوية قد ألحق الضرر بي لأنه كان ضرورياً إلى حد بعيد. وكان لا يمكن أن التحق بالمدرسة المعمارية التابعة للأكاديمية دون أن أكون قد التحقت قبلها بمدرسة البناء الخاصة بالدراسة الفنية والتي كان الالتحاق بها يستلزم الحصول على شهادة المدرسة الثانوية، ولم أكن قد قمت بأية خطوة من هذه الخطوات، فبدا لي أن تحقيق حلمي في دنيا الفن مستحيلاً بالفعل". وبرغم هذا فقد أنتج هتلر ما يقارب المئتي لوحة فنية خلال مراحل حياته المبكرة وقبل توجهه للسياسة ولم يستوقف بيع لوحاته في مزادات عالمية منذ أن توفي عام 1945 حتى وقتنا الحالي، والباحث يمكنه أن يستمتع بالنظر لأكثر من إحدى وخمسين لوحة له في متحف سيندكات "Synicate museum" على شبكة الإنترنت حيث اهتم فيها برسم الطبيعة الصامتة التي كانت تتضمن الزهور كما أن أغلب أعماله تمثلت في نقل مشاهد من الطبيعة وأخذت أغلبها العين لترى الإنشاءات المعمارية المشهورة كمبني "دار الأوبرا" ومباني القصور التاريخية وغيرها والتي اتسمت بالوقار ونقل الطبيعة حرفياً وما يحيط بها من تفاصيل دقيقة واقعية كما اهتم الفنان برسم المنظور الهندسي بدقة بدون إضافة أو تحريف فكان جل تذوقه للجمال هو ما يراه بالعين دون إضافة الحدس أو الطلاقة التلقائية في التعبير، ولو أن المشاهد لهذه الأعمال لا يخفى عليه أن يرى بها عامل الأصالة والمهارة التكنيكية. ونجد في وقتنا الحالي كثيراً من أعمال أدولف هتلر الفنية وقد بيعت في مزادات عالمية ففي مزادات أقيمت من الفترة 1904-1922 اشترى مستثمر صيني أحد لوحاته وهي لقلعة "نويشفانشتاين" في مدينة "بافاريا" التي تقع في جنوبألمانيا بمبلغ اثنين وسبعين ألف جنيه استرليني وأخرى عبارة عن باقة من الزهور لونت بالألوان المائية وبيعت بمبلغ اثنين وخمسين ألف جنيه استرليني ولا يقل عنها لوحة أخرى لمزهرية بها زهور بيعت بنفس القيمة، ومجموعة أخرى من اللوحات لقصور والإنشاءات المعمارية قد اقتناها مستثمرون من كل من دول الإماراتالمتحدة والبرازيل وفرنسا والصين وألمانيا. ومن الغريب في الأمر أنه حسب جريدة "أخبار الفنون الدولية" أنه في العام الحالي من الشهر الميلادي بيع اثنتي عشرة لوحة بالألوان المائية والرسومات للفنان هتلر بمدينة "نورمبرغ" بمبلغ أربعمائة وخمسون ألف دولار. هذا الفنان الشاب الذي رفضته أكاديمية فيينا للفنون الجميلة أصبحت لوحاته تباع في مزادات عالمية وتقتنى من قبل متاحف ومستثمرين مما يجعلنا نتساءل من الذي أخطأ في التقييم؟ ولماذا؟ ونجد أن هناك ربما جدال للإجابة؛ ففي فترة ممارسة هتلر للفن كانت الميول السائدة تجاه هذا المجال في قمة الاتجاه إلى الفنون الحديثة والتي لم تناسب شخصية هتلر الصارمة فقد رسم ما يستهويه ووجد أنه يستطيع أن يبدع في أدائه ولكننا نجد أن هناك فنانين آخرين بعد تاريخ موته أبدعوا في الواقعية بالأسلوب الكلاسيكي ولكن لم تشتهر لوحاتهم أو تباع بنفس ما حظيت به أعمال هتلر وهنا نجد أن الشهرة قد يكون لها دور ينافس القيمة الإبداعية في التقييم. من لوحات هتلر بيت قديم مع أشجار.. من لوحات هتلر قلعة نويشفانشتاين ميونخ أوبرا من إبداعات الزعيم النازي