"الموت حرفة.. وأنا أتقنها بشكل استثنائي" هكذا كانت تعلق دائما ابنة المهاجر الألماني الذي عمل أستاذا للأحياء واللغة الألمانية في جامعة بوسطن، والتي كانت حياتها عبارة عن ومضة عابرة من الحزن والألم، مما جعلها تستمر بالنزيف المتواصل على أوراق السنين القصيرة التي عاشتها لتنتج ما يزيد عن 400 قصيدة ألم وروايات أشبه بسيرة ذاتية للاكتئاب، نالت عليها مواساة البشرية على هيئة جوائز!. أصبحت الكاتبة والروائية الأميركية "سيلفيا بلاث" يتيمة الأب بعد أسبوعين من عيد ميلادها الثامن، وهو نفس العام الذي بدأت به مداعبة الكتابة بقصيدة نشرت في مجلة "بوسطن ترافلر" متأثرة بالشاعر ييتس الذي كان يرى أن الإنسان لا يعيش الحياة إلا إذا تمكن مآسيها، وكان تأثرها جليا في كتاباتها إذ استخدمت أكثر الصور سوداوية، تعذيب، اختناق، تلاشي ودمار.. وصورت بطلة روايتها الأولى "الناقوس الزجاجي" مسجونة تحت الناقوس الذي يكشف ضعفها إلى حد الاختناق. اتخذت بلاث القرار الذي زاد عمق جراحها بعد مفارقة والدها بزواجها من الشاعر والمسرحي الإنجليزي تيد هيوز عام 1956 الذي تكررت منه خيانتها، فكتبت قصائدها غاضبة ثائرة على سيطرة الرجل على المرأة بكل جرأة وحساسية وتطرف، التطرف الذي يعبر عن الألم البشري الممزوج بنوع من الجنون وهي تردد: "أنا خائفة من هذا الشيء الداكن النائم في داخلي، أنا أحس بريشه وهو يتقلب!" عالجت بلاث في مجموعاتها الشعرية الحالات النفسية التي تجتاح عقل الإنسان وتتملكه، فقد صاغت قصائدها وهي في خضم معاناتها للفقدان مستلهمة أفكارها من محاولاتها المتكررة للانتحار، وألمها في غرفة العمليات أكثر من مرة، جراء خيانة هيوز لها أكثر من مرة، فقررت أن تموت بطريقة مختلفة بعد أن حاولت الانتحار ثلاث مرات، وكانت تقول: "نحن دائما ما نشتهي الأمور الأخرى، اليوم المقبل، الفصل الجديد، وما هذه كلها إلا شهوة الموت!"، وبعد هذا القرار المصيري الذي حاولت من خلاله أن تنتصر على تعاستها، وربما أنها أرادت الإعلان عن الانتصار والهزيمة في آن واحد؛ دخلت إلى مطبخها وقامت بوضع مناشف مبللة تحت الأبواب لتكون حاجزا بين المطبخ وغرف أطفالها، وأشعلت الفرن في صباح الأحد 11 فبراير 1963 ثم حشرت رأسها فيه إلى أن تسممت بثاني أكسيد الكربون بعد أن انقضى من عمرها ثلاثين سنة فقط، وبعد أن رحلت قرر زوجها أن يعتذر بطريقته الخاصة، فقام بجمع قصائدها التي لم تنشر في ديوان أسماه "مجموعة قصائد" نال عليها جائزة بوليتزر، ومن قصائدها: هذه الليلة، في ضوء النجوم الشديد الخفوت ضوعت الأشجار والزهور عطورها الباردة أمر بينها، لكنها لا تلتفت.. أحيانا أظن أني أثناء نومي، لابد أشبهها تماما أفكار يلتهمها الظلام، كم الطبيعي أكثر أن أكون ممددة هكذا ندخل السماء وأنا في حوار مباشر وكم مفيدة سأكون يوم أتمدد إلى الأبد آنذاك قد تلمسني الأشجار أخيرا وستمنحني الزهور بعضا من وقتها!.