التمر.. أو "بترولنا الحلو" يعد محوراً اقتصادياً هاماً، ومصدراً من مصادر تنويع القاعدة الاقتصادية ورافداً للاقتصاد الكلي، وهذا المحصول القومي السعودي الهام يحظى باهتمام ورعاية قيادة هذا البلد الكريم في كل مفاصله. ورغم أن المملكة تحتل المرتبة الثانية عالمياً في إنتاج التمور بنحو مليون ومئة واثنين وعشرين ألف طن سنوياً، وذلك من نحو 23,7 مليون نخلة، تنتج أصنافا مختلفة تبلغ 400 صنف، إلا أن إجمالي صادرات تمورنا التجارية للخارج لا يتعدى 2.5% (بكمية لا تتجاوز 77 ألف طن تقريباً)، فيما ترتفع السنة إلى 7% إذا ما أضيف لها الصادرات الحكومية التي تقدم كإعانات. وهنا تبرز أسئلة ملحّة وهي: ماهي أبرز المشاكل التي تواجه منتجي ومصدري التمور في المملكة؟ لماذا لم نستطع تسويق تمورنا للخارج؟ ولماذا نجحت دول أخرى أقل منا إنتاجاً وإمكانات في تصدير تمورها، ولم ننجح نحن؟ عدد من الأكاديميين والمزارعين ورجال الأعمال تحدثوا ل"الرياض" عن رؤيتهم لما يعانيه اقتصاد تمورنا من خسائر وما مسببات ذلك. إنتاج عشوائي د. عبدالعزيز الشعيبي "رئيس قسم الأعمال الزراعية وعلوم المستهلك في جامعة الملك فيصل رئيس لجنة التسويق في المبادرة الخامسة للتمور وعضو الفريق التوجيهي للمبادرة الخامسة في صندوق التنمية الزراعي" بين أن الدول عندما تتوسع في أي إنتاج زراعي فإنه يجب أن يقابل هذا التوسع إنتاج صناعي يستوعب جزءا لا بأس به من الإنتاج، إلا أنه للأسف ما حصل لدينا في قطاع التمور في المملكة عبارة عن توسع عشوائي في الإنتاج بدون حسابات عملية للسوق، وزراعة أصناف بناءً على التفضيل الداخلي المحلي لهذه الأصناف، وبدون حساب حجم الاستهلاك المحلي لهذه الأصناف، وهذا عمّق المشكلة الرئيسية للتمور، موجهاً انتقاده إلى أن اتجاه الخطة هو توجه إنتاجي وليس تسويقي، لذلك يقدر حجم الفائض من التمور بحوالي 35% من الإنتاج، وهذه النسبة تتحول إلى أعلاف أو إعانات للمحتاجين والفقراء في الداخل والخارج أو المشردين جراء الحروب. د. الشعيبي: نتوسع عشوائياً في إنتاج التمور بدون حسابات للسوق والاستهلاك مقاربة قدم د. الشعيبي مقاربة في نجاح دولتين في تسويق تمورهما، بينما نحن لم نتمكن من ذلك مستعرضاً أسباب ذلك، فقال: نجحت تونس في تسويق التمور ونجحت الولاياتالمتحدة الأميركية في تسويق تمورهما لسببين رئيسيين، وهو أن هاتين الدولتين أسسا كيانا مسؤولا عن تطوير قطاع التمور، فقام الكيان بدراسة الأسواق الخارجية وطلب المستهلك، وحدد نوعية التمور التي تكون موجهة للتصدير ونوعية التمور الموجهة للاستهلاك المحلي، فعلى سبيل المثال قام مركز الإشراف على التمور في ولاية كاليفورنيا بالتشاور مع المنتجين باستبدال صنف البرحي الذي كان ينتشر في الثمانينات والتسعينات إلى صنفي دقلة نور، ومجدول ببساطة لأن البرحي يحتاج تكلفة أعلى وسعره النهائي أقل بكثير من هذين الصنفين، لذلك تجد غالبية صادرات أميركا وتونس إلى أوروبا من هذه الأنواع. من يعلق الجرس؟ عبر د. عبدالعزيز عن أسفه لغياب جهات قادرة على اتخاذ قرارات مصيرية لدينا في المملكة، تملك قرار تغيير الأصناف من التمور، فمثلا صنف الخلاص غير مرغوب في الخارج، ومع ذلك لازلنا نكثر من زراعة وإنتاج هذا الصنف، علما أن استهلاكه المحلي محدود، وأضاف الشعيبي سببا آخرا لما ذكر وهو توجه الجمعيات التعاونية والمنتجين إلى شراء نوع معين من الممكن أن يرفع قيمة المنتج، داعياً إلى النظر إلى خلاص منطقة القصيم، فبسبب توجه الجمعيات والمنتجين إلى شرائه ساهموا في ارتفاع سعره بشكل ملحوظ، حيث أصبح متوسط سعره يعادل ثلاثة أضعاف متوسط سعر الخلاص في الأحساء، رغم أنها هي بلد المنشأ لصنف تمر الخلاص. دور مفقود امتدح د. عبدالعزيز دور وزارتي التجارة والزراعة في رفع مستوى جودة المنتج، لافتاً إلى أن دعمهما الذي يقدمانه يركز على جانب الجودة وحسب، مبيناً أنه لا يوجد للوزارتين أي دور في التصدير، بل إن هناك مركز تنمية الصادرات السعودية، ولكن لا يوجد معلومات لدى المنتجين عن ما يقدمه هذا المركز من دعم لتصدير التمور، حيث إن هذا المركز من أفضل المراكز الداعمة لتصدير المنتجات السعودية غير البترولية والبتروكيماوية. وانتقد الشعيبي انخفاض جودة التمور السعودية، وعدم امتلاكها متطلبات الدول المستقبلة لهذه الصادرات، داعياً إلى الأخذ بالخطوة التي أقدمت عليها تونس حيث أوكلت إلى المركز المشرف على فلاحة وإنتاج التمور وضع شروط محددة يجب أن يخضع لها الإنتاج لكي يتم إدراجها من ضمن التمور المصدرة لأوروبا. جهود مشتتة بين د. عبدالعزيز أن المملكة تمتلك جهات عديدة ومراكز أبحاث تعمل في مجال التمور، ومنها مركز أبحاث النخيل والتمور (مركز التميز) في جامعة الملك فيصل، والمركز الوطني لأبحاث النخيل والتمور بالأحساء التابع لوزارة الزراعة، والمركز الوطني للتمور التابع لمجلس الغرف التجارية السعودية، وكراسي أبحاث التمور في كل من جامعة الملك فيصل وجامعة الملك سعود، بالإضافة إلى الدعم البحثي الذي يقدم من مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، موضحاً أن جميع هذه المؤسسات الحكومية تدعم أبحاث التمور، وأعمال التمور سواءً للتسويق أو التصدير، إلا أن الشعيبي أشار إلى وجود معضلتين في عمل هذه الجهات، أولها أن كل جهة تعمل لوحدها منعزلة عن الجهات الأخرى ولا يوجد تنسيق بين هذه الجهات، والكل لديه أهدافه الخاصة يحققها، ولكن لا تصب في مصلحة حاجة قطاع التمور لعدم التنسيق وعدم وضوح الرؤية. وأضاف أن المعضلة الثانية هي أنه لا يوجد لدى تلك الجهات خطط تطويرية واضحة للقطاع وخصوصاً في مجال التصنيع والتصدير لذلك تبقى هذه الأبحاث والأعمال في منأى عن حاجات القطاع. هدر اقتصادي استعرض د. عادل أحمد الصالح -الرئيس التنفيذي لشركة الأحساء للتنمية- جوانب عدة تنقص صناعة التمور في المملكة، ومنها: - عدم وجود مصانع تحويلية للتمور وتحويها إلى صناعات تستخدم في تطبيقات طبية وبتروكيماوية وغيرها. - التوسع غير المقنن في زراعة أصناف معينة حيث بدأت تظهر بوادر انخفاض حاد في أسعار تلك الأصناف. - عدم وجود عمالة موسمية، مع غياب نظام مرن يمكن المزارع والمصانع من تشغيل العمالة بشكل موسمي دون الحاجة إلى نقل كفالاتهم، مما أدى لارتفاع تكلفة الإنتاج. - عدم الاستفادة من الخبرات العملية المحلية المتراكمة في مجال التمور وعدم توثيق تلك الخبرات. د. الصالح: غياب هيئة وطنية لمنتجي ومصنعي التمور شتت جهودهم - ارتفاع نسبة الفاقد في التمور للمنتج والمصنع بسبب الإصابات الحشرية والفطرية وسوء النقل والتداول والتخزين مما يؤدي إلى ارتفاع التكلفة. - تذبذب أسعار التمور وتفاوت الإنتاج والجودة من موسم لآخر. - اتكالية المصانع المحلية في جهود الأبحاث والتطوير لقطاع التصنيع على الجهات الحكومية. - عدم وجود هيئات أو لجان وطنية لمنتجي ومصنعي التمور توحد جهودهم وتعالج مشاكلهم وتنقل رغباتهم ومطالبهم إلى الجهات المختصة. - عدم إلزام إدخال التمور ضمن برامج الإعاشة في المستشفيات والمدارس والسجون والقطاعات العسكرية وغيرها. - ارتفاع تكلفة حفظ وتخزين التمور بشكل عام والرطب بشكل خاص لعدم إمكانية نقله وتداوله إلا تحت درجات تبريد محددة. نجاح نفتقده؟ عزا الصالح نجاح بعض الدول الأخرى في صناعة وتسويق تمورها إلى وضع المواصفات القياسية للتمور ومنتجاتها، وتحسين جودة التمور من خلال توجيه المزارعين ما قبل الحصاد لتوافق المواصفات القياسية، وكذلك تحسين جودة التمور من خلال معاملات ما بعد الحصاد لتوافق المواصفات القياسية والدعم والتمويل، وإعداد وتعريف أصحاب المزارع والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة عن المواصفات القياسية الخاصة بالتمور وبخاصة طرق التصنيع والتسويق للتمور من خلال التغليف أو إضافة بعض التمور إلى مكونات المنتجات الغذائية الأخرى، وهذا يتطلب مواصفات قياسية يتم تطبيقها من قبل المنتجين ليكون المنتج صالحاً للاستهلاك الآدمي وغير مضر بالصحة. وتابع: كذلك نجحوا بإنتاج منتج ذا جودة عالية مطابقة للمواصفات القياسية الخاصة به لتحقيق الأهداف الأساسية ومنها اكتساب ثقة المستهلك في المنتجات الوطنية من التمور واكتساب ثقة الأسواق الخارجية، لأن المنافسة في الأسواق العالمية إنما تكتسب بمدى مطابقة المنتج للمواصفات القياسية الخاصة به. غياب مراكز الأبحاث وجه د. الصالح انتقاداً لمراكز أبحاث النخيل والتمور التابع لوزارة الزراعة، ومثيلاتها من مراكز الأبحاث في الجامعات السعودية، واصفاً بأنها غائبة عن المشهد والاكتفاء بالدراسات والأبحاث النظرية والابتعاد عن الميدان، وزاد أن لديها بحوثا نظرية لم يتم العمل بها على الواقع، داعياً لأن يتم تكوين لجنة من وزارة التجارة والزراعة مع مراكز الأبحاث والجامعات والغرف التجارية ممثلة باللجان الزراعية لمتابعة تطبيق هذه الأبحاث. منافسة عالمية لفت الصالح إلى وجود منافسة عالمية حادة للتمور السعودية وخاصة من دول لديها منتجات ونوعيات معروفة من التمور في الأسواق العالمية الرئيسية، وكذلك ضعف مشاركة الشركات السعودية المصدرة للتمور في المعارض التجارية الدولية والوفود التصديرية، داعياً لمزيد من المشاركات في المؤتمرات والمعارض العالمية لعرض تمورنا فيها وتسويقها من خلال تلك المعارض. أين الخبراء؟ عبدالحميد بن زيد الحليبي -شيخ سوق التمور في الأحساء ومالك مصنع لتعبئة وتصنيع التمور- أوضح أن ما ينقص صناعة التمور في المملكة أمور مهمة جداً أولها خبراء التصنيع، فنحن نحتاج إلى خبراء تصنيع مواد غذائية متخصصة في التمور، كما ينقصها أقسام في الجامعات تنشئ متخصصة لتخريج خبراء تمور لمشاركة مصانع التمور في الإنتاج وتطوير المنتج وتصنيع التمور، واستدرك لافتاً إلى 85% من المصانع الموجودة حالياً هي مصانع تعبئة أكثر منها تصنيع، مشدداً على أن تصنيع التمور لا يعني تعبئة التمور وحسب، فالتصنيع في حقيقته هو تحويل التمور إلى عصير وإلى رائحة حلقوم أو دبس أو سكر أو مواد طبية وغذائية للأطفال. عمالة غير مدربة قال الحليبي إن صنّاع التمور يحتاجون إلى تأشيرات من وزارة العمل لجلب يد عاملة متخصصة في مهنة التصنيع، وأعاب على العمالة التي تدخل إلى المملكة بأن غالبيتها لا تملك أي معرفة بقطاع تصنيع التمور، إلا أنها بكل أسف تمارس العمل في مصانع تعبئة التمور، واستطرد شارحاً ذلك بقوله إن كثيرا من العمالة تأتي للمملكة وهي في الأساس للعمل في النجارة أو الحدادة أو غيرها، إلا أنها توجه للعمل في صناعة التمور، معتبراً أن مثل هذه الممارسات تخل بعملية التصنيع حيث تسلم الصناعة لعمالة لاتعلم عن أي شيء يتعلق بالتمور، فيضطر بعض أرباب المصانع للإبقاء على هذه النوعية من العمالة فيبقى يتدرب لفترة طويلة ثم يخطئ مئة مرة على حساب صاحب المصنع، وهذا بطبيعة الحال يكلف صاحب المصنع الكثير من المال، وفي نهاية المطاف يخرج من بين 100 عامل عشرة عمال فقط صالحون للعمل، معتبراً أن هذا خطأ استراتيجي. رقابة المركز الوطني أضاف عبدالحميد عنصرا اعتبره مهما، وهو أن تصنيع التمور في المملكة يحتاج إلى توجيه من جهات رسمية مثل مركز الملك عبدالله الوطني للتمور الذي تمنى منه القيام بالرقابة على تطوير التصنيع، المتمثلة في الرقابة الإشرافية التطويرية على جودة التصنيع وتطوير التصنيع، كما أنه يحتاج أن يكون لديه خبراء تصنيع، وتمنى منه أن يعير هؤلاء الخبراء لمصانع التمور الخاصة، ويكون ذلك في المراحل الأولى لإنشاء المصانع، معتبراً أن مثل هذا الدور لمركز الملك عبدالله هو بمثابة الأخذ بيد صاحب المصنع إلى الطريق الصحيح. آليات حديثة لفت الحليبي إلى صناعة التمور لا تزال تبحث عن تقنيات حديثة ومتطورة، مشيراً إلى أن الميكنة الموجودة حالياً هي "الفاكيوم"، وتساءل إلى متى ونحن نستخدم الفاكيوم؟! وتابع مبيناً أن دولاً عديدة لا تقبل التمر المصنع بطريقة (الكبس)، فهي تريد التمر الخام (فله) كمصر وتركيا وأوروبا، ولذلك فالتمر الخام لديهم يباع بسعر أغلى. وزاد مطالباً بتطوير مخططات المصانع، منتقداً وضعها الحالي الذي وصف غالبية المصانع الحالية بالمستودعات التي وضع في داخلها ماكينة الفاكيوم ومن ثم أطلق عليها مصنع! وتساءل: أين المصانع النموذجية في تخطيطها وتنفيذها التي تخصص مكانا للتبخير، وآخر للتبريد، والاستقبال وغير ذلك؟ تكاليف دون دعم الحليبي نفى أن يكون هناك أي تسهيلات تقدم لهم كمصنعين للتمور سوى القرض الحكومي لإنشاء المصنع، واستدرك مبينا أن الكثير من أصحاب المصانع لم يتقدمون للحصول على القرض وذلك لربط رهن المصنع بالحصول على القرض، فيرفض الكثير ذلك كون المصنع يكلفه أكثر من عشرين مليون ريال في حين لا تتجاوز قيمة القرض 5 ملايين ريال، متسائلاً كيف يرهن مصنعه مقابل مبلغ لا يتجاوز ربع قيمة المصنع ومعها إجراءات بيروقراطية طويلة ومملة؟! داعياً لإعادة النظر في آلية القرض. وفي هذا السياق لفت الحليبي إلى ضرورة وضع شريحة في فاتورة الكهرباء تخصص لمصانع تعبئة التمور تكون مخفضة تساعد أصحاب المصانع، مبيناً أنه يدفع فاتورة الكهرباء لشهر واحد تصل إلى 25 ألف ريال، وذلك لوجود برادات وثلاجات ضخمة فنتمنى أن ينظر في هذا الجانب. النتيجة صفر؟! قال الحليبي إن الأبحاث موجودة في الجامعات ومراكز الأبحاث إلا أنها غير مفعلة ولا توجد أي علاقة بين الجامعات السعودية ومصانع التمور، بل إنه قدر نتائج العلاقة بينها ب صفر! وتابع: كم من الجامعات وعدونا لتطوير عملنا وفتحت أبواب مصنعي وأبديت استعدادي لإقامة قاعة لهم وتعالوا نفذوا جميع تجاربكم ودراساتكم، لكن دون جدوى؟! وأضاف: عندي استعداد أن أنفذ أي بحث قمتم به وتريدون تنفيذه أنا سأتبنى تنفيذه، إلا أنه لم يتم أي تواصل بكل أسف؛ وشدد على أهمية أن تكون البحوث التي كلفت الدولة الشيء الكثير ترسل للمصانع الكبرى للاستفادة منها وتنفيذ ما جاء فيها. 23 مليون نخلة في المملكة بحاجة لمزيد من الاهتمام الجامعات ومراكز الأبحاث غائبة عن المشهد إنتاج وفير من التمور والطلب قليل عبدالحميد الحليبي د. عبدالعزيز الشعيبي م. خالد البراهيم