ازدحام الأحداث السياسية وطغيانها على المشهد العام، وتتابعها بصورة متسارعة جعلت الكثير من المختصين والمهتمين ينصرفون عن إيلاء جانب التنمية الاقتصادية والاجتماعية الاهتمام الكافي، وتشخيص المعاناة المريرة في المجتمعات المتخلفة والفقيرة نتيجة حرمانها وافتقارها لأبسط مقومات الحياة الضرورية للإنسان بالمقارنة مع تلك المجتمعات التي حظيت بنصيب وافر من الاهتمام، وتسخير الإمكانات والطاقات لإحداث تنمية حقيقية شاملة ومستدامة؛ تمكنها من اجتياز عنق الزجاجة في الجانب التنموي والتغلب على مشكلة قلة مواردها بنجاح كبير، وانطلقت تقهر التحديات في طريق مسيرتها التنموية حتى صارت بمثابة نماذج تحتذى ويضرب بها المثل في سرعة النمو والتطور، مما يؤكد أن الافتقار إلى الإمكانات والموارد المالية اللازمة لمواجهة أعباء التنمية المالية لدى البلدان الفقيرة المتخلفة أمر يمكن تعويضه بنجاح إذا أُحسن توظيف إمكانات الثروة البشرية التي تعتبر معظم البلدان الفقيرة غنية بمصادرها؛ وفي إطار من التخطيط العلمي الشامل والمستهدف توزيع الموارد التمويلية المتاحة توزيعاً سليماً ورشيداً على مختلف مشروعات التنمية وفقاً للأولويات المحددة في إطار الخطط الزمنية، وبصورة تكفل تحقيق الأهداف التنموية العامة والقطاعية المحددة؛ في الوقت الذي يستهدف أيضاً تحقيق التنمية المستمرة لهذه الموارد المتاحة، سواءً عن طريق تطوير وسائل وأساليب إدارتها وتوجيهها التوجيه السليم لخدمة الأهداف المنشودة، أو بالتركيز على استغلال موارد الثروة الطبيعية غير المستغلة بإعطاء هذا الجانب الأولوية المناسبة في إطار الخطط التنموية الموضوعية، وبالإضافة إلى هذا وذاك لابد أن يستهدف التخطيط العلمي الشامل إحداث التنمية الاجتماعية المستدامة، وتحسين وتطوير ظروف الحياة المعيشية للمواطنين، وتحقيق الأمان والاطمئنان والاستقرار النفسي والمعيشي لقوى العمل والإنتاج في المجتمع، وتنمية القدرات والطاقات الإبداعية الهائلة الكامنة فيها؛ وبذلك يمكن حل المعادلات الصعبة التي تطرحها باستمرار عملية التنمية الاقتصادية الشاملة في هذه المجتمعات، فمن المسلم به أن البعد الاجتماعي والإنساني للمفهوم التنموي يلعب دوراً بالغ الأهمية والخطورة في مضمار الدفع بعجلة التطور الشامل قُدماً بأقصى سرعة، إذ في الوقت الذي تفرض الاعتبارات الإنسانية والوطنية على الدولة تعويض القاعدة العريضة من مواطنيها عن ما لحق بها في الماضي من حرمان فادح ومعاناة قاسية وانعدام كلي لأبسط مقومات الحياة الإنسانية بتحسين ظروف معيشتها بصورة مطردة ورفع المعاناة عن كاهلها؛ مراعاة لمبدأ العدالة الاجتماعية الذي هو هدف وطني عام، في الوقت ذاته فإن هذه الاعتبارات الاجتماعية والإنسانية التي تفرض مفهوم العدالة الاجتماعية على حركة النشاط التنموي الشامل في بلدان العالم الثالث تشكل عاملاً ضرورياً وحاسماً في خلق الحوافز المادية والمعنوية لدى قوى العمل والإنتاج على مضاعفة العمل والجهود.. واستنهاض الهمم وإثارة الحماسة لدى العاملين في شتى فروع العمل والإنتاج لدفع عجلة التنمية بكامل طاقتها بما من شأنه ردم الهوة السحيقة القائمة بين مجتمع متخلف وحركة التقدم التقني السريع في عالمنا المعاصر. إن عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة بالنسبة لعموم بلدان (العالم الثالث) تعتبر المحور الأساسي ونقطة الارتكاز في كل تجربة تنموية ناجحة في إطار هذه المجموعة من البلدان، والتي تتطلع شعوبها إلى الخروج من دوامة التخلف بسرعة تختصر المراحل وتسابق الزمن، وهي قضية الإنسان باعتباره الأداة والوسيلة والغاية -في وقت واحد- لمعارك النشاط التنموي، لقد فرض البؤس والتخلف قهرا وظلما وعدوانا على شعوب هذه البلدان -لمراحل زمنية طويلة- قبل أن تهب لانتزاع حريتها وامتلاك إرادتها ومصادر ثروتها لتجد -حينئذ- نفسها تقف وجهاً لوجه مع واقعها المرير المثقل بتركة التخلف ومشكلاته العويصة، وآثاره ورواسبه الخطيرة الضاربة جذورها في أعماق هذا الواقع، والشاملة لمختلف جوانبه ونشاطاته العامة الاقتصادية منها والاجتماعية، بينما يتحتم عليها خوض معترك الكفاح الشامل للتغلب على كل هذه التحديات الضخمة، في الوقت الذي تعاني معاناة شديدة وقاسية من جراء قلة الإمكانات والموارد المالية ومحدوديتها وعجزها عن مواجهة الأعباء الجسيمة التي تفرضها مهام معارك التنمية الشاملة لما من شأنه تحقيق تطلعات واحتياجات الناس من مشروعات الخدمات الأساسية والضرورية للحياة، كالطرق والمدارس والمستشفيات والكهرباء ومشروعات المياه والصرف الصحي التي تعتبر من الحاجيات الأساسية والملحة لأي شعب من الشعوب الغنية منها والفقيرة، فالحياة بدون توفر الاحتياجات الأساسية الضرورية لا قيمة لها ولا معنى.