قيم الأخوة في ثقافة الصحراء خلدها الشعر، وأبلغ ما اشتهر منها ما كان من رثاء متمم بن نويرة لأخيه مالك في قوله من قصيدة طويلة: وكنا كندماني جذيمة حقبة من الدهر حتى قيل لن يتصدعا فلما تفرقنا كأنى ومالكاً لطول اجتماع لم نبت ليلة معاً وأيضاً ما كان بين الخنساء وأخويها معاوية وصخر، ترى ماذا عن ذلك في زمننا؟ نعم، لقد أدركنا مدى الاعتزاز بالأخت عند احتدام المواقف الحازمة، وعند المفاخرة واستنهاض الهمم، يفاخر ابن الصحراء بأخته: «وانا اخو نورة» مثلاً، ولما يزل في مجتمعنا نماذج تدرك معنى الأخوة، وتؤدي حقوقها. ولعلي أستشهد بحالة ترددت كثيراً أن أثيرها فيما أكتب، حتى بلغ الإلحاح بي مبلغاً حتم علي كتابة هذا المقال. كثير من القراء يعرف الشاعرة مستورة الأحمدي من خلال إبداعها ومشاركاتها في المناسبات الثقافية، وكثير يعرف معاناتها، فعندما أقدمت على المشاركة في مسابقة شاعر المليون واجهت مؤيدين ومعارضين، كلهم يحبونها ويثقون بجدارتها الابداعية وحصافة مشاركتها في المحافل الأدبية، ولكنه اختلاف الرؤى والخشية من ردود الفعل ممن لا يقدر مثل هذه المشاركة، حتى المقربين منها لم يخرجوا من دائرة الانقسام، وظلت تطمح للمشاركة بعد تعذر المشاركة الأولى حتى تمت لها المشاركة في الدورة التالية فكانت محل احترام المؤيدين والمعارضين وتقديرهم، وحققت مركزاً متقدماً جدا، ولم يحل دون بلوغها القمة غير معيار لا علاقة له بالابداع. وظهرت مستورة في المسابقة معززة بمساندة أخيها أبى هاني الشاعر المبدع الذي كان يظهر بين الحضور بشخصيته الوادعة القديرة داعماً ومباهيا بصدى شعر أخته وجلال موقفها، مطمئناً إلى رفقتها ومباهيا بما نالته من إعجاب بشعرها وما ظهرت به من ثقة. وعلى صعيد آخر كان المتابعون أمام الشاشات في كل مكان يتطلعون إلى نجاحها ومتابعة إبداعها. لقد تجلت معاني الأخوة بين الشاعرين ليس في مواقف التعزيز والمساندة فحسب بل وفى الابداع حواراً ورثاء ودعابة. فمن الحوارات يقول أبو هاني ممتدحا شعرها: رهيبة يا اختنا والله رهيبةْ كأن الشعر في كفك قضيبةْ هربْ من عند غيرك والتجا لك حروفه مع معانيه العجيبة ولو قالوا له الشعار وَيْنك نطقْ: كل يدوّر عن نصيبه وقضيبة أي تخصص، وتجيبه رحمها الله: شهادةْ من ضليعٍ بالقوافي يشرفنى واحبه واقتدي به خَضَار الفرع من جَذْرٍ يقله ونور البدر من شمسٍ تنيبه على راسي وفي قلبي غلاكم وكلي فخر بعقول نجيبة ومن أبيات التأييد والمساندة يقول أبو هاني عندما غادرت الشاعرة بالطائرة لمناسبة شعرية: طارت ومعها اشعارها بالقراطيس أبيات من صدق الشعور كْتبتها أبيات موزونة وفيها الأحاسيس محكورة المعنى وفي قافيتها خاويتها من دون شك ووساويس إن الاديبة واصلة مرحلتها باصرارها .. تدرّس الناس تدريس إن العزيمة بالظَّفَرْ خاتمتها وتجيبه مستورة: بِنْتٌ بَنَتْ وانتم لها خير تاسيس آمال في أبياتها سرّبتها أمشي وإنتم في دروبي فوانيس وغايةْ بعيدةْ همِّتَكْ قرّبتها ويا خير خُوَّة من مشورة وتونيس ويا سعد عينٍ للأمل صاحبتها من خِبْرتك آخذ فوائد وتحميس يا اللي القصايد بَكْ تمِدّ رقبتها وكانت وفاة الشاعرة حدثاً مفاجئاً وجد الشاعر منه حزنا بالغا فقال: استوحش العش للتغريد ذكرى مع الريش منثورة عصفور أضرب عن الترديد حزنا على فقد عصفورة وقال أيضاً: طالِبْك يا نعمة النسيان دروس حتى اجتهد وانسى كل ما مسحته من الوجدان يصبح معي مثل ما أمسى وحتى ابنة الشاعر طالبة الماجستير أشجان آلمها الفقد فقالت: يا ليل تَكفَى دثِّر الملتاعِ ضُفُّه بسترك لا تصيبه لوعة يوم اتذكر شاعرتنا التاعِ وش حيلة الملتاع غير دموعه وقد جاراها والدها الشاعر: الله أكبرْ يانهار وداعِ حزن المودع يمتزجْ بدموعه ضاع الأملْ في ظرف لحظة ضاعِ ما احدٍ يضيّع للأمل من طوعه وقد رثى الشاعرة أبو هاني بقصائد كثيرة من أبياتها: معذورةٍ يا عَبْرتي واشجاني الموت هذا لحظةٍ مخبورة وش لون ما نحتار واحنا نعاني فرقى جسد مع روح ما هي صورة؟ ومنها: مات القصيد وحُطْ في الاكفانِ مدهونة بالمسك مع كافوره والله ماشيٍّ يفيد الفاني الا الدعا لا خيِّتي مستورة ومن قصيدة أخرى: ضاع منا الأمل والحرف وش لون ضاع ما بقي غير أبياتك بقرطاسها بعد مزحك وضحكك والخبر كيف شاع إن فيك المنايا أظهرت باسها يا ظروفاً تجيب الحزن والارتياع سبع من قايمة رختر ومقياسها إلى قوله: كنت اشجِّع واساند لابسات القناع يطلقنّ القوافي ضد حباسها لَيْه الابداع يدفن يمنع الاطلاع ليه خيل العرب بتحارب افراسها ما يعيب القصيد ولا يطمِّن رفاع والعلوم المخلّه تعرف اجناسها وفي هذا رد على معارضي المشاركة وحبس الابداع. رحم الله مستورة وألهم أبا هاني الشاعر محمد سعيد ضويعن الأحمدي ومحبيها الصبر والسلوان.