على رغم أهمية مقاعد أمان الأطفال في السيارات لسلامتهم وضمان راحتهم وبقائهم في مقاعدهم طيلة وقت الرحلة، تظل حركة الأطفال ونشاطهم داخل السيارة وتركهم دون قيود، من الأمور المعقدة التي يصعب السيطرة عليها ولا تحظى في الوقت نفسه بذلك القدر من الاهتمام لدى أولياء الأمور والأسر بل وحتى السائقين وقائدي المركبات المحترفين، خاصة في منطقتنا العربية. والواقع أن توافر أدوات ووسائل السلامة والأمان في السيارة يُعد في دولنا الخليجية للأسف من الأمور الكمالية والشكلية وربما من مظاهر التباهي والتفاخر الاجتماعي، في حين أنها أصبحت تدرج عالمياً ضمن سلم الأولويات في تشريعات وتنظيمات وقوانين السلامة المرورية في معظم دول العالم المتقدم، وذلك لما يمثله أمر سلامة الأطفال من أهمية ولما تسببه حركتهم ومشاغباتهم داخل السيارة من تشتيت لانتباه السائقين أثناء القيادة، والتسبب في الحوادث المرورية وهو ما يعرض سلامة الأطفال للخطر. وربما لن نستغرب اليوم إذا عرفنا أن حوادث السيارات تعتبر من أهم مشاكل الصحة العامة الأساسية حول العالم، والتي يكون ضحاياها الصامتة في أغلب الأحيان هم من الأطفال وصغار السن، فوفقا لمنظمة الصحة العالمية يقتل يوميا أكثر من 1000 طفل ومراهق من الذين تقل اعمارهم عن 20 عاما في حوادث المرور. كما تشير الدراسات في المملكة إلى أن حوادث الطرق هي ثاني أكبر سبب للوفيات في جميع الفئات العمرية بعد الأمراض المعدية وأمراض القلب، حيث يعزى ذلك لأسباب عدة من أهمها: زيادة عدد السيارات، السرعة العالية، التهور والتجاوز الخاطئ، قطع الإشارة الضوئية الحمراء والانشغال بالهاتف الجوال وهو ما يعرض الأطفال لخطورة أكبر بالإضافة الى عدم استخدام حزام الأمان ومقاعد السلامة للأطفال وتركهم يجلسون في المقعد الأمامي. وفي هذا الجانب، توصي هيئات سلامة الطفل وخبراء المرور والسلامة على الطرق، بجلوس الأطفال في مقاعد الأمان المخصصة لهم بالمقعد الخلفي للسيارة، فهو أكثر مكان أمن داخل السيارة، مع ضرورة اختيار مقعد الأطفال المناسب والتأكد من جلوس الأطفال بشكل صحيح، مؤكدين أن الاعتقاد الشائع بأن الأطفال الرضع والأطفال الصغار يكونون أكثر أماناً في أحضان أمهاتهم أثناء الرحلات بالسيارات، هو اعتقاد خاطئ وغير صحيح بل ومؤذٍ ينبغي تجنبه ومكافحته وتنفيذ حملات توعية توضح مدى خطورته. وفيما تشير الإحصائيات إلى أن الأطفال يكونون أكثر أمانا في المقاعد الخلفية بنسبة تزيد عن 25 في المئة، يظل للأسف جلوس الطفل في المعقد الخلفي ليس كافيا لحمايته وحده، إذ لا بد من استخدام مقاعد سلامة الأطفال المناسبة بحسب العمر والوزن، حيث يوصي الخبراء والمختصون بضرورة استعمال المقعد المناسب ليعطي للطفل الحماية الكافية وأن توضع هذه المقاعد في المقعد الخلفي في السيارة لحماية أكبر. وبحسب عدة دراسات عالمية حديثة، فإن مقاعد سلامة الأطفال تقلل من خطر الموت في سيارات الركاب بنسبة تزيد على 70 بالمئة للرضع، وبنسبة تتجاوز 50 بالمئة للأطفال الصغار من عمر سنة الى أربع سنوات، لذلك تؤكد عدة هيئات عالمية من بينها الادارة الوطنية الأميركية للمرور على التوصية بضرورة استخدام المقاعد الداعمة للأطفال حتى عمر 8 سنوات من العمر أو طول القامة 150 سم، مؤكدين أن وضع الأطفال في المقعد الخلفي الأكثر أمانا من المركبة يلغي خطر الاصابة بسبب الوسائد الهوائية الأمامية. إن سن قانون ملزم بضرورة استخدام مقاعد السلامة بالسيارة للأطفال، سيكون بمثابة خطوة مهمة نحو حماية أطفالنا من الإهمال، وكذلك تغيير فكر وتعديل سلوك الاباء وأولياء الأمور والسائقين إزاء فكرة مقاعد صممت خصيصا لحماية الأطفال وسلامتهم أثناء حوادث والسيارات بل وتأكيد الدور المهم لهذه المقاعد في حماية الأطفال الصغار خاصة إذا نظرنا للمشكلة باعتبارها إهمالاً من الآباء وأدركنا أن سلامة أطفالهم ليست مسألة خاصة بهم، بل هي قضية عامة تفرض تدخل الدولة. وما من شك في أن سلامة الأطفال والأجيال القادمة مسؤولية مشتركة تتطلب تضافر الجهود من أجل أن تتحول السلامة المرورية ومنها مسألة استخدام مقاعد الأطفال إلى ثقافة عامة لدى أفراد المجتمع من خلال المبادرات والبرامج التوعوية المرورية وتكريس فكرة العمل التوعوي وأهمية الفعاليات المرورية في تحويل النصائح والإرشادات التوعوية إلى سلوك يومي لمستخدمي الطريق. وربما من المناسب في خاتمة هذه المقالة التأكيد على أن هناك أدلة قوية على أن سن وتفعيل قوانين تفرض استخدام مقعد الأمان للطفل ومتابعة تطبيقها وحملات التثقيف والتوعية ونشر المعرفة وبرامج الحوافز تزيد من استخدام السائقين لمقاعد سلامة الأطفال كونها الوسيلة الأكثر فعالية في منع الإصابات وتخفيف اثار الاصطدامات المميتة في الحوادث المرورية.. والله يحفظ الجميع.