كان الفيلم الفرنسي الألماني «دبلوماسية-Diplomatie» من ضمن الأفلام التي أثارت الانتباه العام الماضي في مهرجان برلين، وهو مقتبس من مسرحية تصور حواراً دار بين القنصل السويدي في باريس والجنرال الألماني الحاكم لباريس عام 1944م أي قبل انتهاء الاحتلال الألماني لباريس بقليل وانتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية. وقد حاز الفيلم على جائزة السيزار الفرنسية -وهي ما يعادل جائزة الأوسكار في فرنسا- لأفضل نص مقتبس، وهو من إخراج فولكر شلوندورف، مخرج فيلم «طبل الصفيح» -1979- الحائز على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي وعلى السعفة الذهبية لمهرجان كان السينمائي، وهو الفيلم المقتبس للرواية الشهيرة التي تحمل نفس الاسم للروائي الألماني الأبرز غونتر غراس. يبدأ الفيلم برواية الخطة التي أراد بها هتلر تدمير باريس في حالة إخلائها للحلفاء والتي تشمل تفجير ثلاثة وثلاثين جسراً يربط ضفتي نهر السين ببعضهما البعض ثم كنيسة نوتردام واللوفر ودار الأوبرا ثم برج إيفل؛ أي أنه أراد أن يمسح أهم معالم مدينة باريس وأجملها من على وجه الأرض، وذلك رداً على تدمير برلين. وقد أنيطت تلك الخطة بالجنرال ديتريش فون تشولتيتز -نيلز أريستراب-. وحتى الآن، لا أحد يعرف من أثر على الجنرال أو ما دار في ذهنه ومنعه من تنفيذ ما طلبه هتلر منه، وإن كان شولتيتز قد ذكر في مذكرات له صدرت عام 1951 بأنه لم يفعل ذلك حباً في باريس ومبانيها ولقناعته بأن هتلر كان في ذلك الوقت قد فقد عقله، لكن كتاباً آخر ظهر عام 1965 بعنوان «هل باريس تحترق» «Is Paris Burning»، وتم تحويله إلى فيلم، يذكر أن أحد الأشخاص الذين أثروا على الجنرال هو القنصل السويدي راؤؤل نوردلينج والذي كان على تواصل مع الجنرال أثناء محاولته للإفراج عن عدد من أسرى الحرب، وقد قام بدور نوردلينج في الفيلم المذكور المخرج الشهير أرسون ويلز. ويبدو أن الكاتب المسرحي سيريل جيلي والذي كتب سيناريو الفيلم أيضاً، قد تأثر بهذه الرواية ولكنه قرر تصويرها كحوار دار خلال ليلة واحدة بعد الاتفاق على الخطة وقبل صدور قرار التنفيذ النهائي. فنشاهد نوردلينج -أندري دوسولير-، يتسلل إلى مكتب شولتيتز عبر ممر سري فيفاجئه ويقطع عليه أفكاره. ورغم أن السيناريو يتناول بشكل أساسي المحادثة بين الرجلين، فقد كانت تتقاطع مع مشاهد قليلة للضابط الذي أوكلت إليه مهمة التفجير وبعض المشاهد القليلة لتبادل إطلاق النار بين الجيش الألماني والمقاومة، وكذلك لقطات أرشيفية بالأبيض والأسود عن الحرب وقد كانت موظفة توظيفاً رائعاً. ولكن لابد من الإشارة إلى أن المحادثة، ليست بالعادية فهناك منعطفات تبرز في حوار قوي بين دبلوماسي لا يفهم لغة الحرب والقتل والتدمير، وجندي ورث العسكرية أباً عن جد. كما نشاهد في بداية الفيلم جنرالاً متعباً ورحيماً بجنوده، ومن الواضح أن لديه إحساساً بأن الهزيمة على الأبواب، فهو يطلب في مرحلة ما من جنوده الصغار أن يرحلوا، وألا يبقى معه إلا من هم أكبر من عشرين عاماً. كما نرى الدبلوماسي وهو يحاول إقناع الجنرال بعدم المضي في الخطة، وتدمير المدينة الجميلة، ويؤكد له بأنه سيذكر في التاريخ إما بأنه البطل الذي أنقذ باريس أو أنه المجرم الذي دمر المدينة، وبعد أن يبدأ الجنرال في الوثوق في الدبلوماسي، خاصة بعدما وقع بطريق الصدفة على نقطة ضعفه الكبيرة، يخبره بأن عائلته الآن بيد هتلر وأن مرسوماً قد صدر بأن من لا ينفذ الأوامر ستعتقل عائلته وأنه بشكل أو بآخر من ضمن المقصودين بهذا التهديد. يقر الدبلوماسي بأنه وضع صعب لكنه لا يكف عن المحاولة. ما يجعل الفيلم ممتعاً بالرغم من النهاية المعروفة، فنوتردام واللوفر والجسور التي تقطع نهر السين مازالت كما هي، وكل زائر لباريس يعرف ذلك تمام المعرفة، هو الحوار القوي والأداء المتميز كما أن أجواء الفيلم بشكل عام آسرة، فكل كادر مرسوم بعناية ومعتنى بكل تفاصيله. أما المبارزة في الآداء بين أندري دوسولير ونيلز اريستراب ففي أفضل حالاتها، قد عرف أريستراب في دور رئيس العصابة الكورسيكية في فيلم «نبي».