سوق «الزل» بالرياض يعتبر من أهم المراكز التراثية التجارية للمدينة، فعلى الرغم من احتوائه على الكثير من الأدوات التراثية التي يعزف عنها الشباب.. نجد عدداً غير قليل من كبار السن أو الأجانب الذين يهمهم أمر التراث يزايدون على قطع نادرة ويبحثون عنها، من يدفع الأكثر يحتفظ بها في متحفه الخاص أو في دكانه الصغير انتظاراً لمن يشتري بأعلى سعر. ولا عجب أن تتحول هذه التجارة أو هذه الهواية إلى معرفة وخبرات تاريخية، فنجد أصحاب المحلات يتركون محالهم ويجتمعون في مكان قريب للتنافس والبحث في أمر عملة من الدولة العثمانية أو بندقية استخدمت منذ أكثر من 200 سنة.. أو أي قطعة تراثية يقوم هؤلاء بتحديد ملامحها من جلسة واحدة، ولا عجب أن نسمعهم يتحدثون عن أحداث تاريخية حفظت عن ظهر قلب. في هذا العالم الواسع بتفاصيله تغلغلنا إلى شيء من جزئياته.. محاولين اطلاع القراء على تراث اندثر لدى الكثير منا، فكانت لنا هذه الجولة بسوق التراث.. وسوق الكبار .. وسوق الاحتفاظ بأسرار غابت عن هذا الجيل. مجرد هواية فهد النشوان مالك أحد المحلات التي تحتفظ بقطع نادرة جداً يعتبر نفسه هاوياً أكثر من كونه تاجراً.. حيث يرفض في بعض الأحيان البيع من هذه القطع مفضلاً الاحتفال بها والتأمل فيها بين الوقت والآخر، فهو كان أول من التقينا في هذه الجولة، حيث قال: احتفظ بمتحف خاص في بيتي وأرفض بيع شيء منه عدا القطع المكررة، أقوم بشراء هذه القطع من السوق أو من مناطق ثانية أو من خارج المملكة، حيث احتفظ بمصحف خط قبل 200 سنة ولم أبعه حتى الآن.. إضافة إلى عملات للدولتين الأموية والعثمانية وأول عملة سعودية كذلك أصدرت في عهد جلالة المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز آل سعود، وأنا أعتبر نفسي مولعاً بالتراث، وسبق أن عرض عليَّ بيع جميع هذه القطع بمبلغ كبير جداً ولم أوافق لأن جمعها صعب جداً، فمنذ 18 سنة وأنا أجمع هذا التراث، وأنا لست حريصاً على البيع قدر حرصي على الشراء والجمع. واختتم النشوان حديثه ضاحكاً: إن فرطنا في تراثنا فمن يهتم به؟ موسى الشلهوب، أحد المغرمين بأجهزة البث الإذاعي القديمة، حيث حرص على جمعها واقتنائها منذ ما يقارب العشرين سنة تقريباً، وقد حرص مؤخراً على بيع الأجهزة المكررة كما يقول من خلال محل صغير افتتحه لذلك، وعلى الرغم من أنه يجد صعوبة في الحصول على هذه الأجهزة إلا أنه حريص بأن يقتني كل قطعة يراها بأي سعر. ويقول الشلهوب بأن حصولي على هذه القطع غالباً ما يكون بصفة شخصية عن طريق بعض الأصدقاء، أو من خلال المزاد. معرفة تاريخية وثقافية الهاوي صالح المرشد أيضاً يعتبر من المتابعين للأمور التراثية قال: بدأت بجمع المقتنيات القديمة كهواية في البداية، وأنا شخصياً استفدت منها كدراسة، بحيث استطيع أن أتعرف على التاريخ من خلالها، والسوق أصبح مدرسة.. لأن زواره أكثرهم من المؤرخين والمثقفين، ومؤخراً أصبح المواطن يهتم بجمع هذا التراث، ومشاركاتي في مهرجانات التراث أيضاً نفعتني في الاحتكاك أكثر بمن هم أقدم مني في جميع المناطق. ونحاول حالياً الاستفادة من التقنيات الحديثة في الحصول على ما نريد، حيث أصبح الإنترنت وسيلة للحصول على بعض القطع من الخارج وخاصة العملاات القديمة، وعن أثمن شيء يمتلكه قال المرشد: أمتلك عملة من العهد الأموي وهي من الذهب، وقد عرض علي مبلغ 80 ألف ريال لبيعها ورفضت مفضلاً الاحتفاظ بها لنفسي. أقدم هاوٍ عبدالله المنصور، أقدم هاو للتراث في هذا السوق، ويعتبره جميع المرتادين والتجار أيضاً مرجعاً مهماً لهم، يقول: اهتمامي بأمر التراث منذ عهد الملك عبدالعزيز - يرحمه الله - حيث بدأت منذ سن مبكرة جداً، وتراثنا السعودي متميز ولا يوجد في أي مجتمع ثان، برغم عزوف الشباب عن هذه الهواية، وأكثر ما يشد الزبائن وخاصة الأجانب منهم هي الخناجر والأسلحة القديمة خاصة إذا كانت من الذهب، والآن أصبح الهاوون مختصين كل في شأنه، فالبعض يهوى العملات والآخر الأسلحة وكل في تخصصه، وأثناء تجمعنا في مجلس واحد الكل يستفيد من معلومات الآخر.وأخيراً عبَّر عبدالله عن أمنيته في وجود مكان مستقل للتراث بشكل منظم.