طالما وجدت إيران في اليمن من يصغي لها، فستعمل كل مافي وسعها لخرق القرار الأممي 2216، وتقويض أي جهود تبذل في سبيل السلام، حتى وإن كان الثمن هو المزيد من دماء الحوثيين، المهم كل المهم ألا يستقر اليمن، وأن يبقى فيتناماً للسعوديين وفق ما جاء على لسان بعض مسؤوليها. الجميع يعرف هذه الرغبة التي لم تعد سراً، أو مجرد تخمينات مراقبين، لكن لماذا كل هذا الحقد المبيت؟ تفاقمت عقدة إيران بشكل مرضي منذ أن قبل الغرب مفاوضتها على الملف النووي، والجلوس معها على طاولة واحدة، ومنذ أن بدأت دول ال (1+5) والولايات المتحدة على وجه الخصوص، تقدم لها المزيد من التنازلات، هنا بات المفاوض الايراني يشعر أنه في موقع تكافؤ مع كل تلك القوى مجتمعة، فهو في كفة، وأميركا وبريطانيا وفرنسا والصين وروسيا وألمانيا في كفة، وهذا التوصيف جاء على لسان أمير موسوي، وجاء مثله أو قريباً منه على لسان عدد من نواب حزب الضاحية، وهم أزلام إيران بالتأكيد، والأكثر قرباً من دوائر صناعة القرار فيها، مما يعني أنها أصبحت منذ ذلك الحين تتصرف كقوة عظمى، زاد على هذا إطلاق يدها في العراق وسورية ولبنان لحسابات جيوسياسية، والاستعراضات العسكرية الضخمة والمناورات، وحفلات إطلاق الصواريخ التجريبية، واستعراض القطع البحرية التي تجوب البحار بمناسبة وبلا مناسبة، والتي لا يكاد يمر شهر واحد دون أن تمتلئ الشاشات بصورها، كل هذا يؤكد رسوخ هذا الشعور المتنامي بأوهام العظمة. كانت القوة الوحيدة في المنطقة التي لم تجربها إيران، هي تلك القوة الرابضة على الضفة الأخرى من الخليج ممثلة بالمملكة، التي يرى فيها الإيرانيون جائزتهم الكبرى، هذا البلد الوقور الذي ظل عصياً على كل الاستفزازات، عندئذ قررت إيران أن تمد عصا الاستفزاز لتلامس خاصرتها في البحرين، لكنها فوجئت هذه المرة بخبطة كف على يدها تمثل في دخول قوات درع الجزيرة إلى البحرين لحماية مؤسساته، كان رداً وقوراً لا يخرج أبداً عن إطار تلك السياسات الهادئة التي تتخذها المملكة، ما دفعها للذهاب لما هو أبعد في الاستفزاز، لترتب لمحاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير، لكن الرد السعودي ظل أيضاً هادئاً وفي إطار سياق القانون الدولي، وعندما لاحت فرصة التدخل في اليمن بقيام الثورة ضد نظام صالح، وهو ما كانت تعد له إيران العدة عن طريق حلفائها الحوثيين، كانت على يقين من أن الرد السعودي لن يبتعد كثيراً عن تلك المساقات التي توهم الإيرانيون معها أنهم قاب قوسين أو أدنى من الظفر بالجائزة المنتظرة، بتطويق المملكة تمهيداً للانقضاض عليها، غير أن عاصفة عاتية هبت على حين غرة في منتصف ليل 26 مارس، ومزقت الحلم الفارسي، واقتلعت خيامه، وعصفت بخيله وركابه، وعفرت بالتراب كل تلك الصورة المتبرجة للقوة العظمى مهابة الجانب التي اشتغل عليها الملالي سنوات طويلة، وذهبوا لقراءة التراتيل أمام ضريح الخميني، ليزفوا له بشائر اكتمال نضج مشروعه. لقد أدمت عاصفة الحزم الأنف الإيراني، وعلى مرأى العالم الذي كان بعضه يتغنى بقدرتها على إخضاع الغرب للتفاوض معها على مفاعلاتها النووية. لم يصدق الإيرانيون أن هنالك من سيجرؤ على رفع رأسه أمام صواريخ رعد وزلزال وفجر، أو أن يدوس على طرف أيّ ممن يتحالف معهم، لقد انقلبت الطاولة في الخليج بين عشية وضحاها، وأفاق العالم في صباح اليوم التالي على موازين جديدة. هول العاصفة أسقط حلمهم ليس في قرب الوصول إلى الجائزة الكبرى وحسب، وإنما هز عروشهم في العراق وسورية ولبنان وكل نطاقات التمدد، ودفعهم في البداية للتهديد والتحدي، ومن ثم المناشدة وتسول إيقاف الحرب، وهاهي الآن وبعدما أدركت أن عاصفة الحزم جاءت مثل شكة الدبوس التي أفرغت هواء بالون أحلامها، وأعادتها إلى حجمها الطبيعي، تحاول أن تنفض التراب عما تبقى لها من كرامة بوصف نكبتها في اليمن (بانتصار إرادة المقاومة)، وهي نفس الجملة التي قيلت بعد حرب تموز 2006 م، بعدما حطم العدوان الإسرائيلي البنية التحتية اللبنانية، وأجبر ما يزيد على المليون مواطن على النزوح من مدنهم وقراهم، وارتفاع عدد الضحايا إلى أكثر من 1200 مواطن، مقابل 13 قتيلاً في الجانب الإسرائيلي، وإصابة عدد من المباني. هذه هي إرادة المقاومة، وهذه هي انتصارات إيران العظمى وحلفائها، عندما تجد من يعاملها بما تستحق كميليشيا في جسد دولة.