قبل عدة أسابيع من عاصفة الحسم قرأت تصريحاً استفزني وأثار حفيظة كثيرين من الغيورين على مصير أوطانهم ومصير العالم العربي. التصريح كان صادراً عن وزير الاستخبارات الإيراني السابق "حيدر مصلحي" في إطار حوار مع وكالة أنباء فارس قال فيه إن إيران أصبحت تسيطر الآن على أربع عواصم عربية، وليت المسؤولين الإيرانيين اكتفوا بهذا التصريح بل سبقه رئيس مقر عمار الاستراتيجي للحروب الناعمة بتصريح لا يدع مجالاً للشك في تطلع إيران للتسلط على الشعوب العربية من خلال تنصيب أنظمة ضعيفة تعتمد في وجودها على الدعم والحماية الإيرانية عندما قال: "على إيران أن تستمر في تقديم الدعم للمقاتلين في سورياوالعراقولبنان واليمن حتى لو كان ذلك على حساب قوت الشعب الإيراني" وهو ما يحدث بالفعل إذ بينما تحاصر الضوائق المعيشية الشعب الإيراني تنفق إيران بسخاء - برغم الشح في مواردها من العملات الصعبة - على تعزيز صمود حلفائها وبناء صناعات عسكرية غزيرة الإنتاج بما يفوق حاجة إيران لتصديره لعملائها وصناعتها في العالم العربي بهدف تحويل الخلافات السياسية إلى صراعات مسلحة، بل لم يتردد في إيضاح - وهو من المنظرين العقائديين للحرس الثوري - أن سوريا في ظل الأسد هي المحافظة رقم 35 في الجمهورية الإسلامية بل لها أهمية وأولية على معظم المحافظات الأخرى. هذه التصريحات مثلت في نظري "خطرفة" المنتشي بسكرة بعض الإنجازات الفجة التي لم يكتب لها أن تنضج وتؤتي ثمارها في أي في الدول التي تحدثوا عنها، فأعظم إنجازات إيران بكل ثقلها وتضحيات حلفائها لم تتجاوز بأي حال مرحلة إثارة الاستقطاب الطائفي وتعميقه ودفعه إلى حافة المواجهات. بعد تكرر تحليلات مشابهة في وسائل الإعلام الدائرة في الفلك الإيراني كنت أستغرب لماذا هذه الاستكانة في التعامل مع هذا النهج؟. فقد كنت أعلم أن إيران أجبن من أن تهب للدفاع عن حلفائها عندما يتعرضون لحرب حقيقية والشواهد كثيرة منها تركها حزب الله يواجه إسرائيل منفرداً في حرب وجود ثم اكتفت بتعويضه مالياً بعد ما تعرض له لبنان من دمار، ثم وقوفها موقف المتفرج بعد دخول قوات "درع الجزيرة" إلى البحرين وحتى تدخلها في سورية يظل سرياً وعلى استحياء ولم تتدخل إلا في العراق في ظل ضوء أخضر عالمي لإنقاذ العراق من جرائم داعش. إيران تعلمت درسها واستفادت من نتائجه بعد حربها مع العراق، ولا أظن أن أحداً من قادتها سيخاطر بالتورط في حرب خارجية تهدد بإعطاء الذريعة لتوجيه ضربة متعددة المصادر تعيد إيران 30 عاماً إلى الخلف، وتفقدها كل المكاسب التي حققتها منذ حاجة العالم لها في حرب تحرير الكويت والتهائه بمشكلات أخرى وتسامحه الخاطئ مع ممارساتها الخفية. والمملكة العربية السعودية بنفوذها السياسي والمالي وإمكاناتها العسكرية بالرجال والعتاد والقواعد ذات الموقع والقدرة الاستراتيجية كانت دائماً في قلب الأحداث وعضواً مؤثراً فيها، وهذا أمر معروف وملموس، ولذلك وفي ظل الأوضاع الراهنة المؤسفة التي تعصف بالعالم العربي أصبحت الرياض بلا أدنى ريب عاصمة القرار العربي والإسلامي، التي تشرئب إليها الأفئدة والأنظار، وتتجه إليها الآمال لوقف هذا العبث الإيراني في الدول المحيطة بها، وإيقاظ الحالمين من أوهامهم وإعطائهم درساً جديداً في تقدير حجم الدول وجدوى مصالحها والمدى المقبول في التحمل والتجاوز وضبط النفس إزاء ما تحول من استفزاز إلى تطاول وإجراءات مؤذية لابد من التعامل معها بما تستحقه من قسوة وردع مؤلم. لذلك لقيت عاصفة الحزم ضد العبث والمغامرات غير المحسوبة العواقب، قبولاً لدى كل عربي ومسلم ضاق ذرعاً بالتصرفات والتصريحات الإيرانية وما تسعى لبنائه من تغييرات جذرية مضرة بمصالح واستقرار الشعوب العربية، وحلقات في سلسلة الأهداف الرامية للهيمنة على المنطقة، وجعل طهران عاصمة محركة لمجموعة من الأنظمة التي تدور في فلكها وتتحرك بإيحاءاتها، ولذلك رأينا تحركاً عربياً وإسلامياً شعبياً يعبر عن الوقوف مع المملكة حتى لو ترددت الحكومات. لعل أجمل ما في "عاصفة الحزم" أنها كانت قراراً سعودياً لم تستأذن فيه أحداً بل بدأناه ولله الحمد بالاعتماد على الله ثم على قدراتنا الذاتية وبالاستعانة بحلفائنا الموثوقين الذين تجمعنا بهم علاقات الأخوة التاريخية ووحدة الأهداف والمصير، ولا يقل عن ذلك استشعار الخطر المحدق بنا جميعاً وخطورة التأخر في التعامل معه فوراً.. فقد كانت كل دقيقة تأخير ستتضاعف من التضحيات المطلوب للتصحيح. إن ابلغ ما يحمل ما أقول كلمات سماحة مفتي المملكة التي نشرت يوم الخميس 27 جمادى الآخرة قال فيها: "السعودية لم تسع إلى الحرب ولم تطلبها.. لكنها بليت بها، فردعت المعتدي وأنصفت المظلوم". فتحية لقيادتنا التي عودتنا على اتخاذ القرار الشجاع الصائب، وتحية لأبطالنا العسكريين الذين يخوضون الحرب على الحدود ويحفظون الأمن في المدن ويرسخون الاستقرار في جبهتنا الداخلية، ومزيداً من الالتفاف حولهم فقد لا تكون الحرب قصيرة وقد تتخذ أشكالاً أخرى. ولكن تكاتفنا قيادة وجنداً وشعباً وإخلاص الاعتماد على الله، ثم عقد النية على الصبر حتى تحقيق النصر، كفيلة بإنجاح مقاصدنا إن شاء الله.