سأل الخبير الياباني المبتعثين السعوديين: "كم دقيقة تحتاجون لتركيب العجلات في السيارة؟"، أجابه طلابنا: "خمس عشرة دقيقة". فخاطبهم الخبير: "إذن ركبوا العجلات وأخبروني كم الوقت الذي احتجتم إليه". واستطاع الطلبة إنجاز المهمة في سبع دقائق. بعدها علق الخبير الياباني: " لو لم تطبقوا بأنفسكم لاعتقدتم أنكم تحتاجون 15 دقيقة بينما لم تحتاجوا فعلياً سوى لسبع دقائق. لو وضعتم خطتكم على أساس 15 دقيقة لتسببتم بخسارة كبرى لشركتكم بمقدار ثماني دقائق لكل سيارة. ولكن هل تعلمون أن اليابانيين لا يحتاجون سوى لثلاث دقائق!! هذا الفرق هو الذي يمكننا كشركات يابانية من تحقيق الأرباح والتفوق عالميا". أخذت الحمية أحد مبتعثينا وقال: "إذن سنقوم بالعمل بسرعة وننتهي في ثلاث دقائق!!". فرد الخبير الياباني: "لا يا عزيزي فالسرعة آخر ما يجب أن تفكر فيه بل الأهم سلامة المستهلك أولاً". مقالة اليوم تعرض لمحات عن مشروع السيارة الكهربائية التي صنعها المبتعثون السعوديون ضمن برنامج تدريبي في اليابان. ينظر إلى الوقت باليابان على أنه تكلفة والعامل الذي لا يعمل بإنتاجية عالية تكلفة يجب التخلص منه. ويلخص هذا أحد أهداف مبدأ (الكايزن أو التحسين المستمر) في الإدارة اليابانية. وللتوضيح كان هنالك صندوق يحتوي كافة أنواع المعدات المطلوبة في هندسة السيارات،، ولكن ولتقليص وقت البحث تم استحداث صندوق جديد لطلابنا لا يحتوي إلا على الأدوات التي سيحتاجونها فقط في مشروعهم وهذا ما يطبق في مصانع اليابان. كما تم التركيز على روح العمل كفريق. ويقول خبير تقنيات السيارات الأسبق بشركة ميتسوبيشي (كيكوتشي شيجيهيتو)، والذي أشرف على تدريب طلابنا، "لو أن فرداً واحداً مهملاً تواجد في الفريق فذلك خطر على المنظومة كلها، وسر نجاح الطلبة في هذا المشروع هو عملهم كفريق واحد وسر تفوق اليابان وجود هذه الجدية والانضباطية في كامل أفراد المؤسسة". ومن النقاط الرائعة إدارة المعرفة حيث يقوم الأفراد بكتابة ملاحظاتهم في اللوحة ليطلع الجميع على كل ما يستجد والمشاكل وطرق حلها. ولا يخجل أحد من الخطأ بل أكبر خطر هو إخفاء الأخطاء وعدم حلها والاستفادة منها!! يروي المبتعث (سهيل كلكتاوي) أنه طلب منهم تثبيت بساط على شكل خريطة على الأرض تتضمن أشكال كامل المكونات، وعند وضع الشريط اللاصق أخطأ بعض الطلاب في عدم وضع الشريط بشكل مستقيم 100% ونتج عن ذلك بعض التعرجات. فطلب منهم الخبير الياباني إعادة تثبيت الشريط اللاصق بشكل جيد من جديد. تعجب طلابنا وسألوا: "ولماذا المبالغة في هذه التفاصيل الدقيقة؟"، فأجاب الخبير الياباني: عندما نتهاون في الأخطاء الصغيرة فالنتيجة ستكون حصول الأخطاء الكبيرة!!" وبالنسبة لي،، فأهم ما في المشروع ليس في تمكن الطلاب السعوديين من صناعة السيارة عبر مبدأ الهندسة العكسية من تفكيكها وإعادة تركيب أجزائها بما فيها المحرك ومن ثم قيادتها بطوكيو بعد النجاح في اختبارات الفحص والسلامة.. بل المهم ما تعلموه من مبادئ وأخلاقيات عمل وانضباطية خلال التدريب وتظل بداية الطريق لهم للوصول لمرحلة التطوير والابتكار مستقبلاً بإذن الله. لقد أسعدتني كلمة المبتعث السعودي (عبدالكريم الرويلي): "لا أشعر بقلق حتى لو طلبوا مني صناعة طائرة فسأسير على نفس الخطوات والمبادئ التي تعلمتها خلال صناعة السيارة الكهربائية!!". وأخيراً.. لن نستطيع التفوق على اليابان والأمم المتقدمة بتقليدهم بل بتطوير منهجنا السعودي الإسلامي الفريد لننافس مستقبلاً بإذن الله في صناعة السيارة وفي صناعة الحضارة.. وأي أمة تستطيع صناعة السيارة والقمر الصناعي والصاروخ.. ولكن المهم ليس ماذا نصنع بل كيف نصنع؟!