في المقال السابق كتبت عن المسؤولية أو المحاسبية بصفة عامة، ولمزيد من التفصيل اكتب اليوم مثالاً تطبيقياً عن مستويات المسؤولية في مؤسسات التعليم العالي. يمكن تفصيل المسؤولية باتجاهات أربعة، باتجاه الأعلى، باتجاه الأسفل أو الأدنى، باتجاه الداخل، وباتجاه الخارج. المسؤولية باتجاه الأعلى تمثل المسؤولية الإدارية التقليدية، المتجهة من المسؤول للمسؤول الأعلى منه، وتغطي الإجراءات الإدارية والخطوات البيروقراطية والجوانب القانونية. هذا النوع هو التقليدي والسائد في دوائرنا الحكومية، سواء كانت الجامعات أو غيرها. هذا هو الحد المطلوب للنجاح بأقل الخسائر كما يرى كثير من القياديين، فطالما تسير وفق الإجراءات ولا تخالف اللوائح، والمسؤول الأعلى راضٍ، فالأمور تسير بخير. المسؤولية باتجاه الأسفل تركز على كون الإداري مسؤولاً أمام الأدنى منه مرتبة أو مستوى في اشراكهم في صنع القرار، مشاركة الزملاء وتحقيق مصالحهم وطموحاتهم. هذا النوع يفترض أن يبرز في المؤسسات الأكاديمية بشكل يفوق غيرها من المؤسسات. هذه المشاركة أو النوع من المسؤولية تبقى في حالات كثيرة ضعيفة أو اختيارية ومتفاوتة من مؤسسة إلى أخرى. كم مسؤولاً أعلى في الجامعة يرى نفسه مسؤولاً أمام أعضاء هيئة التدريس ومنسوبي الجامعة؟ المسؤولية باتجاه الداخل تبرز في المجتمع الأكاديمي في ما يعرف بالمسؤولية المهنية، كتلك التي تفرضها الجمعيات العلمية المهنية وتفرضها أخلاقيات العمل الأكاديمي والبحثي والتعليمي، وتفرضه المرجعيات الأدبية في كل تخصص أو مجال. لا يمكن الاكتفاء بالنظام البيروقراطي كذلك المكتوب في اللوائح، في المجال الأكاديمي فهناك أدبيات ومرجعيات علمية وأكاديمية ومهنية لكل تخصص علمي، يجب عدم تجاوزها حتى يبقى ذلك التخصص منافساً ومميزاً ومبدعاً مقارنة بأقرانه. في جامعاتنا بكل اسف الأداء البيروقراطي يقلل في حالات كثيرة من أهمية هذا الجانب وفي حالات كثيرة يقتل الإبداع الأكاديمي والعلمي لدى بعض التخصصات بتعميم اللوائح البيروقراطية عليها دون تقدير لخصوصيتها وطبيعتها المهنية والتعليمية والتدريبية. المسؤولية باتجاه الخارج وتعني المسؤولية أمام العميل أو المستهلك النهائي للمنتج، وفي حالة التعليم العالي هو الطالب والمستفيد من مخرجات الجامعة ومن نتاجها البحثي والعلمي. تعني المسؤولية أمام الجهات الداعمة والمساندة والقيادات الفكرية والاجتماعية. لا أدري إن كان مسؤولو الجامعات لدينا يعنيهم هذا الأمر، أم أن الطالب هو آخر اهتماماتهم الفعلية والمستفيد من مخرجات الجامعة غائب عن رؤية الجامعة.. اخترت مؤسسات التعليم العالي كمثال لشرح مستويات المسؤولية، ويمكن تطبيق النموذج على غيرها من المؤسسات والقطاعات.