تمثل الإجازة للجميع فرصة للترويح عن النفس بعد عناء من الجهد والعمل، وتعتبر تجديداً لنمط الحياة وكسراً للروتين اليومي، حيث يعود المرء بعدها إلى العمل أو مقاعد الدراسة وهو بنفسية مفتوحة ومتجددة مقبلة بجد ونشاط، كما تمثل الإجازة فرصة للقاء الأهل والأحبة والأصدقاء والتفرغ التام لهم عدة أيام، بعيداً عن روتين العمل الممل، فيسعد الجميع بالزيارات العائلية التي تتخللها المسامرات، وتبادل الأخبار، ورحلات التنزه القصيرة، التي تجمع الأقارب في جو من المتعة والصفاء. عطلات زمان عبارة عن «مكاشيت» بالبر أو اجتماع في المزرعة أو في «بيت الشايب» ويحرص الجميع على استغلال كل يوم من أيام الإجازة، فترى البعض يبدأ بالتخطيط لها بأسابيع، ويجري مشاورات مع أهل بيته في كيفية اختيار الأنسب في قضائها، وفيما مضى لم تكن العوائل تعرف السفر إلى أماكن سياحية برفقة الأبناء فقط كما هو عليه الحال الآن، بل كانت الوجهة الوحيدة هي شد الرجال إلى ديار الوالدين والأهل والأحبة في القرى والبلدات الصغيرة، فهاهم الأبناء وعلى أحر من الجمر ينتظرون إطلالة الإجازة السعيدة، من أجل حزم الأمتعة وشد الرحال إلى مسقط رأس والدهم، حيث سيلتقون هناك بأبناء العمومة والجيران في تلك القرية الحالمة الواعدة بهدوئها الجميل، بعيداً عن صخب المدينة وضجيجها، وسيضمهم منزل الجد، الذي هو أكثر الفرحين بحلول أحفاده ضيوفاً خفيفي الظل على قلبه المفعم بالمحبة والحنان. وسيلة سفر كانت وسيلة السفر إلى القرى تتم عن طريق السيارات التي لم تكن مصممة لركوب العائلات في بداية استيرادها ودخولها للبلاد، فجل السيارات الموجودة كانت في الأساس من أجل نقل للبضائع، كسيارات "اللوري" وسيارات "البيك أب"، وإن كان يوجد هناك قلة من سيارات نقل الركاب والتي يقتنيها الميسورون من الناس، الذين اقتنوها من أجل نقل الركاب بين المدن والقرى، ولذلك تجد الجميع سعيدا حين امتلاك سيارة "لوري" أو "بيك أب"، حيث يصممها لركوب عائلته للسفر، وذلك بركوب الرجل وزوجته في "غمارة" السيارة أما بقية الأبناء فيكون "صندوق" السيارة مكان ركوبهم على لوح خشب زود بفراش، أما العفش فمكانه تحت ذلك اللوح، وتسير السيارة منطلقة منذ بزوغ الفجر إلى وجهتها ببطء شديد، حيث لا تتجاوز سرعتها (80) كيلو متراً في الساعة، ويتم الوقوف في العديد من المحطات للتزود بالوقود، والراحة، وتناول وجبة الإفطار أو الغداء، وقد يستغرق السفر اليوم بأكمله في قطع مسافة من (الرياض) إلى (القصيم)، بينما لا يصيب الركاب السأم أو الملل، فقد كان ركوب السيارة بحد ذاته متعة، خصوصاً بعد أن تم تعبيد الطرق التي تربط المدن والقرى ببعضها. قهوة الفيشاوي بمنطقة الحسين في القاهرة مقصد السائحين قديماً فعاليات الاستقبال عند وصول القادمين من المدن إلى أهاليهم في البلدات والقرى تبدأ فعاليات الاستقبال المتسمة بالبساطة، حيث تغمر الفرحة كل قادم وقرينه من النساء والأطفال والشباب، فكل له فرحة بقدوم من يتواءم معه عمراً وفكراً ويتم في البداية تقديم القهوة والشاي والوجبة التي توافق قدومهم غداءً كانت أو عشاء، ومن ثم يتم إعداد مكان ليبيت فيه هؤلاء الضيوف فيتم إخلاء عدد من الغرف لهذا الغرض، كالمجلس أو الغرفة التي بجانبه لتخصص للأب وزوجته والأطفال الصغار، أما بقية الصبية والبنات فيتوزعون مع أقرانهم في غرف نومهم، وبعد عناء السفر يخلد الضيوف جميعاً للنوم باكرين، لتبدأ فعاليات جديدة من المتعة منذ الصباح الباكر، حيث يتم إعداد القهوة، ومن ثم يجتمع أهل البيت والضيوف على مائدة الإفطار، وبعد الانتهاء من الأكل يتفرق الجميع، حيث يغادر الأب مع رب الأسرة في جولة بالقرية وأسواقها، ويلتقون بعدد من الأصدقاء، ويمضون جل وقتهم في عدة زيارات، أما الصغار فيتوجهون إلى اللعب مع أقرانهم في الحارة بألعاب شعبية متنوعة، وكذلك الحال للبنات، اللواتي يمارسن اللعب في المنزل أو منزل الجيران، أما النساء الكبيرات فيقضين جل وقتهن في زيارة الجارات، وتناول قهوة الضحى، وتبادل الأحاديث والأخبار. جيل «شوفوني» يعتذر عن مناسبات أسرته ليتباهى بسفرته الدولية رحلة خلوية من الأماكن التي يقصدها الناس في الماضي "البر"، خصوصاً إذا صادف ذلك موسماً ربيعياً، حيث يجتمع عدد من الأسر التي تربطها أواصر القرابة، كالإخوة، والأعمام، ويتوجهون إلى أحد الرياض أو الأودية، ويقيمون عدداً من الخيام للرجال والنساء، ويقضون عدة أيام، يستمتعون فيها بالطبيعة الخلابة، بعيداً عن حياة المدن الرتيبة، وقد يستغلون أيام التخييم هذه بالذهاب إلى صيد الطيور، والأرانب، والضبان، ويعودوا بحصيلة صيدهم في فرحة من الصغار، ويطبخوه، ومن الأشياء المحببة لدى الصغار في هذه الرحلات الخلوية هي التعود على أفعال الكبار، كالتكفل ب"شبة النار"، وعمل القهوة والشاي، وتعلم فنون الطبخ، والاعتماد على النفس، وكثرة الاحتكاك بالكبار؛ لاكتساب العديد من التجارب، كما يجد الشباب الفرصة في مزاولة الأنشطة الرياضية، كاللعب بكرة القدم، أو السباق بالأرجل؛ مما يكسبهم القوة والنشاط والحيوية، عوضاً عن حياة الخمول والكسل خلال إقامتهم في المدن، ومن أهم ما يجذب مرتادي هذه الرحلات الخلوية هو الاستمتاع بالطبيعة، حيث الهواء العليل النقي، والهدوء الجميل الذي يجلب صفاء الذهن، والتمتع بمناظر الخضرة الخلابة والجو الربيعي. وقت "الصفرة" مما يميز الإقامة في القرى خلال الإجازة أثناء زيارة الأهل والأقارب هو الاستيقاظ من النوم باكراً، ويسمى هذا الوقت في القرى ب"الصفرة"، فيقال "فلان قايم من الصفرة"، ولعل السبب في تسميتها بذلك هو أنّ الشمس في هذا الوقت بداية طلوعها فتكون مصفرة، وأول من يقوم عادة هم الصغار، حيث يقومون بنشاط وهمة؛ بسبب نومهم المبكر، فما كان هناك شيء في الماضي يدعوهم إلى السهر، وربما كانت الكهرباء معدومة ليلاً، خصوصاً في القرى الصغيرة، فيقومون بالتجول في البيت، ويقصدون الحوش الذي به الطيور الداجنة، يجمعون البيض، ويذهبون إلى حوش الغنم، يلهون مع صغارها، حتى تستيقظ الأم لتحلب من الغنم حليباً من أجل شربه أثناء تناول طعام الإفطار، ومع مرور الزمن باتت مفردة "الصفرة" مفردة غريبة على من يسمعها، رغم أنّها من الفترات الجميلة التي كان الناس يحبون القيام فيها، ليستمتعوا بها من أول النهار، وها هو الشاعر "عبدالله بن عبدالعزيز الضويحي" يصورها في قصيدة تراثية جميلة قالها حنيناً إلى الماضي ومنها: دخلت بغرفة المجلس وذكرت العود وكماره ذكرت الوالد وحنيت حنين النوق لحواره وشفته يا عرب بالعين يشب النار بوجاره اشوف الدلة الخمره يقلبها على ناره يزل بدلة صفراء يحوف البن ببهاره يلالي النجر وينادي مع الصفره يجي جاره يصب من البكر فنجال يقعد الراس وأفكاره ومن القصص الطريفة عن وقت الصفرة هو أنّ أحد كبار السن رأى أحد الشباب الصغار عند أحد المخابز في وقت باكر جداً، لم يكن فيه الشباب يستيقظون عادة، فسلم عليه، وقال له مداعباً: "أجل ما صفرت" أي لم تنم في وقت الصفرة، فرد عليه الشاب: "سمعتني أصفر؟"، أي أصدر صوتاً كالصفير!، فضحك كبير السن، وعرف بأنّه لن يفهم معناها، فهو من شباب هذا الجيل الجديد الذي نسي معظم مفرداته الشعبية. وجهة المسافرين تغيرت في الستينيات والسبعينيات الميلادية موسم المناسبات كانت المناسبات - خصوصاً مناسبات الزواج - تقام عادة في الإجازات، لا يكاد يغيب عنها أحد من الأقارب - وإن كانوا بعيدين في القرابة - إلاّ بسبب قاهر، كمرض وما شابه، فهم يرون فيها فرصة للتواصل وصلة الرحم، للالتقاء بالأقارب، والأصدقاء، ومشاركة منهم للعريس أو العروس وأهاليهما الفرحة، وكان من يتغيب عن هذه المناسبات محل سؤال الجميع للاطمئنان على صحته، حيث يعدون غيابه لم يحصل إلاّ لظرف طارئ، ولكن في عصرنا الحاضر تغيرت الطباع، وصار عدد من الأقارب يقدمون سفرهم للسياحة على كل حدث عائلي، حيث يعدون العدة للسفر إلى الخارج للتمتع بالإجازة منذ شهور، حيث يقومون مسبقاً بالحجز على الطيران، وحجز الفنادق، من أجل الحصول على أسعار مخفضة، وعندما تأتيهم رقاع الدعوة إلى مثل هذه المناسبات والأفراح يتغيبون عنها، متوجهين للتمتع بالسفر إلى الأماكن السياحية، غير مكترثين بتلبية الدعوة وإن كانت من أقرب قريب. وين تبي تسافر في كل إجازة يطل عليك سؤال مكرر قد سئمت سماعه مراراً وتكراراً: "وين تبي تسافر هالإجازة؟" وكأن السفر في الإجازات صار أمراً مسلماً به من قبل الجميع، فهم يرون في ذلك حقا مشروعا لهم بعد أشهر من الكد في الوظيفة أو الدراسة، بل إن أصحاب البيت من صغيرهم الذي تعلم النطق وتركيب الحروف حديثاً إلى أكبر قاطنيه يلحون بهذا السؤال على والديهم من أجل فرض رغبتهم في السفر والتجديد، بل إن هذا السؤال المحير بات يسأم منه رب الأسرة الذي تحاصره الأسئلة من جميع أفراد أسرته قبل الإجازة بعدة أيام، خصوصاً إذا كان من محدودي الدخل وممن تداهمه القروض، حيث يخطط للسفر إلى مكان قريب لا يكلفه الكثير من المصاريف التي تخلخل ميزانيته الشهرية، وتضطره إلى الاقتراض من غيره أو البنوك، من أجل تلبية حاجة كمالية جعلها الناس في وقتنا الحاضر من الأساسيات، حيث تجد من هو في مقتبل حياته الزوجية يقضي كل عام إجازته في عدد من دول العالم السياحية الباهظة الثمن، رغم أنّه يعيش في منزل بالإيجار ويقتني سيارة بالتقسيط. إجازات اعتراضية لا شك بأنّ الإجازات الاعتراضية القصيرة كإجازة منتصف الفصل الدراسي فرصة من أجل التغيير والاستمتاع بجو من الراحة والاستجمام بصحبة العائلة ولكن بات أغلب الناس يفضلون قضاءها بالسفر إلى أحد البلدان السياحية رغم قصر وقتها، فبدلاً من قضائها في زيارة الأقارب كسباً لصلة الرحم والتواصل، بات قضاؤها بالسفر إلى الأماكن السياحية البعيدة الوجهة المضلة لدى عامة الناس، ولو كان في ذلك إسراف في المصروفات الكمالية التي يعتبر السفر للسياحة من أهمها. أسافر بعيالي لم يكن السفر قديماً يحلو إلاّ مع اجتماع الأهل والأقرب، خصوصاً الوالدين، حيث يجتمع الإخوة مع بعضهم بأولادهم في صحبة والديهم، فيقصدون مثلاً الأماكن المقدسة من أجل أداء مناسك العمرة، ومن ثم زيارة عدد من المصايف القريبة، كالطائف، والباحة، وقد يجتمعون في مخيمات خلوية في جو من المتعة، حيث تزيد أواصر المحبة، والتآلف، والتواصل، بين الجميع صغاراً وكباراً، ولكن ظهر في الآونة الأخيرة، بل شاع سفر كل شخص مع أسرته الصغيرة المكونة من زوجته وأولاده فقط، دون الاجتماع مع أقاربه، وصار الاكتفاء من رب الأسرة على نفسه، الأمر الذي ينذر بوقوع شرخ في العلاقات الاجتماعية، خصوصاً في التواصل مع ذوي الرحم؛ مما قد يسبب الوقوع في قطيعة الرحم. صحيح بأنّ المرء في حاجة إلى التفرغ إلى أسرته الصغيرة - خصوصاً في الإجازات -، للجلوس معهم والالتصاق أطول وقت ممكن لتعويضهم عن الغياب الذي يحدث بسبب مشاغل الحياة، لكن هذا لا يعني الانقطاع عن الأهل وزيارتهم، تحديداً إذا كانوا يقطنون في مناطق بعيدة عن مناطق إقامته، فيتم هجرهم وعدم التفرغ لزيارتهم إلاّ في مواسم الأعياد، فالواجب على كل شخص أن يخصص وقتاً، في كل إجازة إن استطاع وقتاً لزيارة أقاربه وقضاء عدة أيام معهم، من أجل التواصل وصلة الرحم والاستمتاع بالجو الأسري الجميل. سياحة زمان لم يكن الناس يعرفون معنى السياحة قديماً، فكل أيامهم متشابهة سواءً في أيام العمل والدراسة أو في أيام الإجازات، ولم يكن معنى الإجازة إلاّ الخلود إلى الراحة وأخذ قسط وفير من النوم المريح، الذي لا يتخلله تنغيص بالقيام إلى العمل أو الدراسة، وكان الطلاب مثلاً يعينون آباءهم في أعمالهم الزراعية أو الحرفية، وقد يهجرون البيوت إلى السكن في المزارع، إذا صادف ذلك وقت حصاد أو بدء حرث وزراعة، كما يجد الشباب وقت فراغ كبير من أجل إشباع هواياتهم، من الصيد، والتنزه بين المزارع، والسباحة في البرك و"القلبان"، والمسامرات إلى وقت متأخر بعد صلاة العشاء في الليالي المقمرة، خصوصاً التي تصاحبها بعض الألعاب الشعبية مثل لعبة "عظيم ساري"، أما مفهوم السفر فلم يكن موجوداً أساساً إلاّ لأداء مناسك الحج والعمرة، أو الاغتراب لطلب العلم، أو العمل، فلا أحد يسافر في الإجازة من أجل السياحة، التي لم تكن مفردة مفهومة أو دارجة في ذلك الوقت، وكان من يقطن خارج القرى والبلدات للعمل أو الدراسة يفرح بالإجازة من أجل العودة إلى والديه، ليعيش بينهم، وتقر أعينهم بوجوده معهم، وكذلك يوفر مصروفه، وينعم بأكل البيت الشهي واللذيذ، بعيداً عن أكل المطاعم الذي يفتقد الطعم والجودة والنظافة. تفاخر أول ما بدأ الناس السفر في الإجازات من أجل السياحة كان منذ أقل من أربعة عقود، وكان سفراً جماعياً عائلياً إلى عدد من مصايف المملكة، وكانت (الطائف) "عروس المصايف" هي الوجهة المفضلة لديهم، تلتها منطقة (الباحة) و(عسير)، ثم باقي مناطق المملكة، ولم يكن الناس يعرفون السفر للسياحة خارج المملكة إلاّ قلة قليلة من الميسورين، ومع تقدم الزمن والانفتاح على العالم شهدت الإجازات سفر العائلات إلى الدول الخارجية، بدءًا من دول الخليج، والدول العربية، ودول شرق آسيا، ثم إلى دول حوض البحر المتوسط، وأخيراً إلى أوروبا، وشتى بقاع العالم، بل صار الناس يتفاخرون بالسفر والسياحة في كل عام مرة أو مرتين إلى الدول السياحية المرموقة، كعواصم الدول الأوروبية، و(الدول الإسكندنافية)، و(استراليا)، و(أسبانيا)، و(كندا)، وغيرها، بل صار حتى ميسورو الحال وأصحاب الدخول المحدودة مجبرين من قبل أسرهم إلى الرضوخ للسفر، مجاراة لجيرانهم وأقربائهم، ولو كلف ذلك رب الأسرة نصف دخله السنوي، باضطراره إلى السلفة أو الاقتراض، من أجل تحقيق تلك الرغبة التي هدفها المباهاة والتفاخر. تكثر المناسبات الاجتماعية في الإجازات جرت العادة قديماً بالسكن في ضيافة الأهل في الإجازات هدوء القرى كان مقصد أهاليها المغتربين في الإجازات كشتات البر المتنفس الأول للعوائل قديماً سهولة الإجراءات وصلت للحصول على بطاقة صعود الطائرة ذاتياً حقائب السفر قديماً لا تخلو من «عدة الطبخ» .. واليوم يتم الاعتماد على البوفيه المفتوح