وزارة الداخلية تُحدد «محظورات استخدام العلم».. تعرف عليها    ب 2378 علمًا بلدية محافظة الأسياح تحتفي باليوم الوطني ال94    أمين الشرقية يدشن مجسم ميدان ذاكرة الخبر في الواجهة البحرية    برعاية وزير النقل انطلاق المؤتمر السعودي البحري اللوجستي 2024    غوارديولا يعرب عن سعادته بعودة فودين للمشاركة في المباريات    جمعية إسناد تنفذ مبادرة نسمعهم لمستفيديها ذوي الاعاقة السمعية    مكتبة الملك عبدالعزيز العامة تحتفي باليوم الوطني 94 بفعاليات تشكيلية وسينمائية وتراثية وثقافية    مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية ينظم مؤتمره الدولي الثالث    المراكز الصحية بالقطيف تدعو لتحسين التشخيص لضمان سلامه المرضى    جيش إسرائيل يؤكد مقتل الرجل الثاني في حزب الله اللبناني إبراهيم عقيل    نائب الشرقية يتفقد مركز القيادة الميداني للاحتفالات اليوم الوطني    المركز الوطني للأرصاد يحذر من المعلومات الفردية غير الرسمية عن مناخ المملكة    زعلة: ذكرى اليوم الوطني ال94 ترسخ الانتماء وتجدد الولاء    "الصندوق العالمي": انخفاض معدلات الوفيات الناجمة عن مرض الإيدز والسل والملاريا    حركة الشباب تستغل النزاعات المحلية الصومالية    الذهب يرتفع بعد خفض سعر الفائدة.. والنحاس ينتعش مع التحفيز الصيني    حافظ :العديد من المنجزات والقفزات النوعية والتاريخية هذا العام    خطيب المسجد النبوي: يفرض على المسلم التزام قيم الصدق والحق والعدل في شؤونه كلها    خطيب المسجد الحرام: أعظم مأمور هو توحيد الله تعالى وأعظم منهي هو الشرك بالله    "رفيعة محمد " تقنية الإنياغرام تستخدم كأداة فعالة لتحليل الشخصيات    رئيس جمهورية جامبيا يصل إلى المدينة المنورة    تشكيل النصر المتوقع أمام الاتفاق    محافظ بيش يطلق برنامج "انتماء ونماء" الدعوي بالتزامن مع اليوم الوطني ال94    أمطار متوسطة على منطقة المدينة المنورة    محافظ حفرالباطن يرأس المجلس المحلي    الأمم المتحدة تؤكد أنها نفذت خطط الاستجابة الإنسانية ل 245 مليون شخص    الأخدود يتعادل سلبياً مع القادسية في دوري روشن للمحترفين    محمد القشعمي: أنا لستُ مقاول كتابة.. ويوم الأحد لا أردّ على أحد    وظيفةُ النَّقد السُّعودي    جمعية النشر.. بين تنظيم المهنة والمخالفات النظامية المحتملة    5 محاذير عند استخدام العلم السعودي    «الجيولوجيا»: 2,300 رخصة تعدينية.. ومضاعفة الإنفاق على الاستكشاف    «المجنون» و«الحكومة» .. مين قدها    إسرائيل - حزب الله.. هل هي الحرب الشاملة؟    حصّن نفسك..ارتفاع ضغط الدم يهدد بالعمى    احمِ قلبك ب 3 أكوب من القهوة    احذر «النرجسي».. يؤذيك وقد يدمر حياتك    الذكاء الاصطناعي يقودني إلى قلب المملكة    ديفيد رايا ينقذ أرسنال من الخسارة أمام أتلانتا    جوشوا ودوبوا يطلقان تصريحات التحدي    مصادرة صوت المدرجات    النصر وسكّة التائهين!    أدب تختتم ورشة عمل ترجمة الكتاب الأول بجدة    ماكرون: الحرب في لبنان «ليست حتمية».. وفرنسا تقف إلى جانب اللبنانيين    قصيدة بعصيدة    حروب بلا ضربة قاضية!    قراءة في الخطاب الملكي    سوق المجلس التراثي بشقراء يواصل استعداداته للاحتفاء باليوم الوطني 94    شرطة الرياض: القبض على مواطن لمساسه بالقيم الإسلامية    التزامات المقاولين    صحة جازان تدشن فعاليات "اليوم العالمي لسلامة المرضى"    جازان: إحباط تهريب (210) كيلوجرامات من نبات القات المخدر    أكثر من 5 ملايين مصلٍ يؤدون الصلوات في المسجد النبوي خلال الأسبوع الماضي    برعاية خادم الحرمين.. «الإسلامية» تنظم جائزة الملك سلمان لحفظ القرآن    نائب أمير منطقة جازان ينوه بمضامين الخطاب الملكي في افتتاح أعمال السنة الأولى من الدورة التاسعة لمجلس الشورى    أمطار متوسطة إلى غزيرة مصحوبة بالبرد وتؤدي لجريان السيول على 5 مناطق    اليابان تحطم الأرقام القياسية ل"المعمرين"    هيئتا الأمر بالمعروف في بلجرشي والمخواة تفعّلان برنامج "جهود المملكة العربية السعودية في محاربة التطرف والإرهاب"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماضي «الحدائق المسوّرة» انتهى مع انفتاح المجتمع وخروجه من عزلته!
كانت زمان للوافدين.. والألعاب الحديدية تنتهي ب«فلقة راس».. و«اللي يخرّب أكثر من اللي يلعب»
نشر في الرياض يوم 17 - 01 - 2015

لا يزال العديد من جيل الأمس يتذكرون عبارة "ذهب محمد إلى الحديقة"، أو يتذكرون نصاً مشابهاً لها حينما درسوها في كتاب "المطالعة" في المرحلة الابتدائية، حيث انَّ الكثير من التلاميذ كانوا يتساءلون عن: "ما هي الحديقة؟"، إذ لم يكن في القرى بمبانيها الطينية وأزقتها الضيقة شيء ينطبق عليه هذا المعنى، إلاَّ أنَّ أول من فك طلاسم هذه العبارة التي استعصت على أذهان أولياء أمور التلاميذ في تلك المرحلة، هم المعلمون المقيمون الذين وضحوا أنَّ المقصود بها هو "الجنينة" أو "البخشة"، وهي المكان الذي كان يقصده بعض السكان في تلك الفترة، من أجل الحصول على الراحة والاستجمام والتمتع بمناظر الخضرة والنباتات والأزهار الجميلة، وكانت هذه الأماكن تضم ممرات حجرية وكراسي طويلة يجلس عليها زوار الحديقة.
نقرأ «ذهب محمد إلى الحديقة» ولا نراها ثم تم تشييدها وتحولت في البداية إلى مائدة دسمة للمواشي
إنَّ هذا التفسير لم يصل إلى أذهان العديد من كبار السن على وجه الخصوص، فكأنَّ هؤلاء المعلمين بذلك قد زادوا الأمر غموضاً، وكان كل واحد من هؤلاء يتعامل مع هذا التفسير بالقول: "لو كان هناك أرض خضراء بها نباتات، لكان من الأولى أن تكون مرعى خصب للحيوانات التي تقطع مسافات بعيدة مع (الشاوي) طلباً للعشب"، خصوصاً أنَّها تتعب مالكيها حينما يذهبون إلى البر ليجمعوا الحشائش لتعليفها، فلم يكن أيّ شخص في تلك الفترة يتصور أن تستزرع الأرض من أجل الاستمتاع بالخضرة والجمال، وأن تكون خاصة برواد من بني الإنسان يجلسون فيها للنزهة، لكن الحال كان مختلفا في المدن، حيث افتتحت بها العديد من الحدائق من قبل البلديات، وذلك في الرياض وجدة والدمام، ودأب الناس في البداية على تسمية الحديقة بكلمة "بخشة"، وهي في الأصل كلمة "فارسية" تعني "حديقة".
حديقة الفوطة
لعل من سكن "الرياض" منذ أكثر من نصف قرن لا يزال يتذكر أول حديقة أنشئت في المدينة، وهي حديقة "الفوطة"، التي أنشئت في عام (1377ه)، وتقع في "حي الفوطة" بقلب مدينة "الرياض"، وتأتي تسمية الحديقة بهذا الاسم نسبة إلى منطقة "الغوطة" في بلاد الشام، وهي منطقه مشهورة بخضرتها ومياهها ومناظرها الخلابة، حيث كان يعمل بالبلدية آنذاك مهندس سوري اختار لها هذا الاسم، فأصبح من يقرأ اسمها يُغيّر حرف "الغين" إلى "الفاء"، فتغيّر اسمها مع مرور الزمن من "الغوطة" إلى "الفوطة"، وتشتهر هذه الحديقة بخضرتها ومسطحاتها الخضراء، وقد أعادت "أمانة مدينة الرياض" مؤخراً استصلاح وتطوير وتأهيل الحديقة إلى سابق عهدها.
جبل أبو مخروق
لم يكن سكان الرياض يعرفون الحدائق قبل هذه الحديقة، بل لم يكن لهم متنفس سوى جبل "أبو مخروق" الذي اكتسب أهميته التاريخية من الحدث الذي وقع قريباً منه، وهو أنَّ الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- توقف عنده ليلة فتحه مدينة "الرياض" في عام (1319ه) قادماً من "الكويت" مع رفاقه ال (60) للراحة والتشاور لبعض الوقت، وبعد فتح المدينة اتخذ الملك عبد العزيز –يرحمه الله- الجبل مرصداً يراقب منه مدينة "الرياض" القديمة، كما كان الملك يقصده طلباً للراحة والاستجمام في رحاب الطبيعة آنذاك، وكانت المنطقة المحيطة بالجبل حينها خارج حدود العاصمة، إلاَّ أنَّ الجبل احتضن فيما بعد العائلات والأطفال في أيام العطل الأسبوعية والإجازات الدراسية.
وسُمِّي الجبل بهذا الاسم نظراً للتجويف الكهفي الذي يعتليه والتشكيلات الصخرية المتأثرة بعوامل التعرية وسقوط الأمطار، حيث أنَّها أسهمت في عملية تكوينه بأشكال متعددة، وقد تحول الجبل لحديقة عامة عبر أول افتتاح عصري للجبل (عام1400ه) على طريق "صلاح الدين الأيوبي" بحي "الملز"، وذلك على مساحة مقدارها (40) ألف متر مربع، وخلدت ذكرى الجبل مشروعات التأهيل والتطوير والتشجير، فصمم المتنزه ليأخذ شكل تكوينات طبيعية غير منتظمة؛ حتى تتلاءم مع هيئة الجبل، مع الإبقاء على قمة الجبل على طبيعتها؛ للمحافظة على الفجوة.
حديقة الملك فهد
شرعت البلديات فور إنشائها على توفير حدائق ومتنفس للأهالي في البلدات التي افتتحت فيها، فخصَّصت العديد من الأراضي بين الأحياء، حيث تمَّ تسويرها بشبك معدني، ومن ثمَّ زراعتها بالعشب الطبيعي "الثيل"، إلى جانب غرس بعض الأشجار والنخيل فيها، كما تمَّ نزع ملكيات بعض الأراضي في عدد من المدن التي لا تتوفر فيها أراض وإنشاء حديقة عليها، كما هو الحال في محافظة "شقراء" -على سبيل المثال-، التي تمَّ نزع ملكية أرض كبيرة فيها، ومن ثمَّ إنشاء حديقة عليها منذ عقود من الزمن، حيث لا تزال هذه الحديقة الجميلة قائمة إلى الآن بعد إدخال التحسينات اللازمة عليها طيلة هذه السنين، وهي حديقة الملك فهد للعائلات، إذ تُعدّ من أقدم الحدائق بالمنطقة.
قدامى المزارعين
أولت البلديات الحفاظ على الحدائق والعناية بها إلى العديد من قدامى المزارعين من المواطنين كبار السن، حيث تمَّ توظيفهم، وعهدت إليهم مهمة العناية بسقيا الحديقة وصيانة مزروعاتها ونوافيرها وفتح أبوابها وإغلاقها وحمايتها من أيدي العابثين، وكم كان أولئك حريصين على مزروعات تلك الحدائق والعناية بها، فتراهم بلبسهم التقليدي يعملون مستخدمين المساحي "المسحاة"، ويضرّبون الأرض ويقلبونها، ويجرون المياه في سواقيها ويسقون "أشرابها"، فقد كانت عملية السقيا يدوية، إذ لم يكن هناك "مؤقتات"، ومن أعمالهم أيضاً الإشراف على الحديقة عند فتحها للجمهور في أوقات محددة، وذلك حتى وقت متأخر من صلاة "العشاء"، حيث يغلقون عند مغادرة الزوار أنوار الحديقة وأبوابها ووضع الأقفال عليها، حتى يتمّ فتحها من صباح الغد.
وكان المضحك في الأمر، أنَّ عددا من هؤلاء الموظفين قد فهموا الأمر على عكس ما يظنون، حيث كانوا حريصين على ألاَّ يدخلها أيّ طفل أو شاب مراهق، فقد كانوا بالمرصاد لكل من يدخلها، والويل كل الويل لمن وجدوه داخلها، حيث تبدأ المطاردة والإبعاد قسراً عنها، وقد يُمنى من يتم الإمساك به بعلقة ساخنة منهم بعد التعهد بعدم دخولها مرة أخرى، ممَّا جعل هؤلاء الشباب يدخلون إليها ساعة "العصرية" على خوف ووجل من أن يطبَّ عليهم فجأة هذا "الحارس" فيحدث ما لا يُحمد عقباه.
ألعاب خطيرة
لم يغفل القائمون على البلديات أهمية الألعاب في حياة الأطفال والشباب الصغار على وجه الخصوص، حيث عمدوا إلى تركيب ألعاب بدائية محلية الصنع، مثل: "المراجيح" و"الزحاليق"، وغيرها، إلاَّ أنَّها كانت بعيدة كل البعد عن السلامة لمستخدميها، فهي مصنوعة من الحديد كلياً، وكانت "المراجيح" –مثلاً- مصنوعة من الحديد، و"الكراسي" من الحديد أيضاً، ولم يكن هناك "سلاسل" حديدية ترتبط بالمقاعد المعلقة بال "مواسير"، بل كانت كلها من "المواسير" الحديدية القوية، فعند التأرجح بها في الهواء، ربَّما يسقط من بداخل المقعد ويقع على الأرض، فإذا ما نهض رجع إليه المقعد بسرعة البرق، وربما ضرب جسمه في مقتل، خصوصاً منطقة الرأس.
وكان هناك العديد من التحديات بين الشباب، حول من يستطيع أن يتأرجح بسرعة كبيرة، على أن يكون وضع الركوب وقوفاً بدل الجلوس، ومن ثمَّ يقفز المتأرجح عالياً في الهواء على الأرض، ممَّا قد يسبب كسر يديه أو قدميه، وقد حدثت بالفعل العديد من الإصابات التي خلفت عاهات لم يمحها الزمن، فالبعض تهشمت أسنانه الأمامية من جراء ذلك، ممَّا اضطره لتركيب أسنان بديلة عوضاً عنها، وهناك من كسر ساعده أو ساقه أو جرح جسده، وهكذا، كما أنَّ من كان يهوى السباحة لم يقاوم وجود الماء في "النوافير"، ممَّا جعله يغامر بالقفز إلى حوض "النافورة" والسباحة بعد أن يخلع ملابسه، لكنه لم يسلم من صعقة كهربائية جعلته يكره السباحة كلياً.
عبث المراهقين
ما زال الوعي ينقص العديد من مرتادي الحدائق إلى وقتنا الحاضر، ومن العبث الذي كانت تتعرض له الحدائق تكسير "نوافيرها" التي كانت شيئاً جديداً وغريباً على من يشاهدها أول مرة، حيث كانت الحدائق تُزيَّن ب "نوافير" مبنية كحوض دائري لا يتجاوز قطرة ثلاثة أمتار وبارتفاع يبلغ أقل من متر واحد، وبها "ماسورة" دائرية من النحاس يخرج منها "مواسير" صغيرة إلى الأعلى بطول الإصبع تنثر الماء عالياً، فحين يراها الشباب المراهق وهي لا تعمل يثنون هذه المواسير الصغيرة باتجاهين متعاكسين، حتى يتم كسرها، ويستمرون في التعامل مع الباقي حتى يُجهزون عليه، ممَّا يتسبَّب في خرابها.
واستعانت البلديات –آنذاك- بالمدارس لتوعية الطلاب في هذا الشأن، وذلك بعد أن أعيتها الصيانة التي تكلف مبالغ طائلة، حيث يدخل مراقبو المدارس المتوسطة والثانوية خصوصاً على الفصول وهم يحملون تلك المواسير التالفة ويعرضونها على الطلاب مستنكرين هذا الفعل ومهددين من وُجد يفعل ذلك بأنَّ الجزاء الرادع والغرامة سيكون مصيره، ومن العبث أيضاً تخريب أسوار الحدائق التي كانت من السياج الحديدي الخفيف جداً، الذي لا يتحمل وطء الأقدام حتى يتم مساواته بالأرض، ممَّا يجعل السور عديم الفائدة، إلى جانب قطع الأزهار ورمي المخلفات على أرض الحديقة، كما أنَّ بعض مربي الماشية يدخلون مواشيهم في غفلة من الرقيب إلى الحدائق، خصوصاً في القرى، حيث تلتهم ما لذَّ وطاب لها من أنواع الحشائش والنباتات، ممَّا يُسبِّب للحديقة ومزروعاتها الهلاك والدمار، وهناك من كان إذا لم يُدخل مواشيه، فإنَّه يدخل ويحصد ما يجد من الزروع "الثيل" ونباتات الزينة، وحملها في صندوق سيارته، ومن ثمَّ الذهاب بها إلى مواشيه لتأكلها.
سجون مغلقة
كان تصميم الحدائق قديماً مغلقاً تماماً، حيث يحيط بها سياج حديدي مُحكم، وتلتف حولها أشجار كثيفة، كأشجار "الكينة" العالية، وهي بذلك أشبه ما تكون بالسجون، فلم تكن مفتوحة بحيث انَّ من يدخلها لا يمكن أن يُرى من الخارج، لذا فإن الآباء يحرصون على ألاَّ يذهب أبناؤهم إلى تلك الحدائق، بل ويعاقبونهم على ذلك، لذلك كان بعض الشباب من المتسكعين، خصوصاً في وقت الظهيرة يلجأ إلى تلك الحدائق بعيداً عن عين الرقيب، حيث يمارس بعض العادات المنبوذة في المجتمع، كالتدخين –مثلاً-، لذا تجد الآباء يُحذِّرون أبناءهم من الذهاب إليها؛ حفاظاً على استقامتهم، ولكن بعد فترة من الزمن تغيرت هذه النظرة، وذلك بعد أن أصبحت الحدائق شبه مفتوحة، إذ أُزيلت أسوارها، وأصبح من بالخارج يستطيع أن يكشف من بداخلها، خصوصاً الحدائق العامة غير المخصصة للعائلات.
بل إنَّ بعض الحدائق أصبح يُطلق عليها اسم "الساحات"، وصار بها ملاعب لكرة القدم وممرات مشاة وكراسي للجلوس، وأصبحت أكثر تنظيماً ونظافة، وباتت بذلك مأوى للشباب لقضاء وقت فراغهم فيما يعود عليهم بالنفع ويُقوِّي أجسامهم بالانخراط في الرياضة، خصوصاً رياضة المشي، التي لها فوائد صحية كبيرة.
ثقافة الأجانب
كان مرتادو الحدائق في البداية من الشباب والأطفال فقط، ولم يكن الكبار أو النساء أو العائلات يرتادونها البتة، ولعلهم كانوا يعدون ذلك من العيب، وظل الأمر مقتصراً على الأجانب فقط، إذ كانوا في البداية يتضايقون من الشباب والأطفال الذين يفسدون عليهم خصوصيتهم بجريهم في كل مكان ولعبهم بشقاوة قد يصاحبها لعب الكرة؛ ممَّا يُفوِّت عليهم فرصة الراحة والاستجمام والإفادة من جمال الطبيعة في الحديقة، حيث يحضرون معهم أكلهم، وربَّما طهوا طعامهم فيها، خصوصاً "الشواء"، الذي يشد جميع مرتادي الحديقة برائحته الجميلة التي تفتح الشهية.
أمَّا كبار السن والأهالي فينظرون إلى مرتادي هذه الحدائق -وهم من الأجانب- نظرة تعجُّب واستغراب، ممَّا حدا بعضهم لقول العبارة العامية: "ذولا ما لهم بيت؟"، أيَّ ما الذي يجعلهم يجتمعون في هذه الحدائق ويتركون منازلهم، متناسين أنَّهم أنفسهم يتركون منازلهم عند اعتدال الجو ودخول وقت الربيع بأمطاره الجميلة ويذهبون إلى البر؛ للاستمتاع بجمال الطبيعة الأخَّاذ، وربَّما نصبوا الخيام أياماً عدة في نزهة خلوية، فالراحة والجمال ينشدونه في البر و"الكشتات" والبعد عن صخب المدن وزحمتها، ولو استبدلوا ذلك بالجلوس في الحدائق، وهو أمر لا يمكن أن يقدم عليه أحد، فكأنَّهم في قرارة أنفسهم ما زالوا في جو المدينة الذي لا يشجع على قضاء وقت ممتع.
حدائق عصرية
امتداداً لجهود البلديات في نشر الحدائق والمسطحات الخضراء، انتشرت الآن العديد من الحدائق العصرية الغنَّاء وارفة الجمال في معظم المدن والقرى، وهي مزودة بالخدمات الضرورية لمرتادي هذه الحدائق، كدورات المياه للرجال والنساء، إلى جانب وجود المقاعد و"الكابينات" التي تهيئ لمرتاديها الخصوصية المنشودة، حيث انتشرت حدائق العائلات المُزوَّدة ب "أكشاك" تُقدّم المشروبات والمأكولات الخفيفة وبيع "الإكسسوارات"، إلى جانب تخصيص ملاعب للأطفال؛ ممَّا جعلها متنفساً حقيقياً للأحياء المحيطة بها، وإيماناً من المسؤولين بأهمية نشر الحدائق والمسطحات، فقد أعلنت "أمانة مدينة الرياض" عن توجهها لإنشاء (100) ساحة بلدية، حيث تمَّ إنجاز (70) ساحة منها فعلياً، إلى جانب (60) ملعبا للأطفال، وذلك خلال الأعوام الثلاثة المقبلة، لتُضاف إلى (402) حديقة وملعب تستقبل سكان العاصمة "الرياض" بمساحة تزيد على (2.325.000) متر مربع من المسطحات الخضراء.
حدائق منزلية
بعد انتشار الحدائق في المدن والقرى، وبعد تغيُّر نظرة النَّاس نحوها، وبعد أن خرج النَّاس من منازلهم القديمة إلى "الفلل" والأحياء المغلقة، فإنَّ العديد منهم بدأوا في ارتياد الحدائق مع أطفالهم، من أجل منحهم فرصة التمتع بالألعاب المتوفرة فيها، وبعد فترة صار هؤلاء يذهبون إلى الحدائق والمتنزهات التي هيأتها البلديات، خصوصاً في إجازة نهاية الأسبوع والإجازات الرسمية، ومن أشهر المتنزهات في هذا الجانب: متنزه حديقة الوطن ومتنزه السلام ومتنزه وادي نمار، وغيرها، وصار من الصعب على مرتاديها في وقت متأخر إيجاد مكان لهم، فبعد أن كان غالبية مرتاديها من المقيمين، صار الجميع من مواطنين ومقيمين يُقبلون على ارتيادها بشكل دوري.
ومع تغيُّر نمط البناء الحديث، صار كل منزل لا يخلو من حديقة منزلية، إذ تضم مسطحاً أخضر والعديد من نباتات الزينة والورود و"النوافير"، بل صار من ضمن مخطط البيت إيجاد مكان مخصص كحديقة وتصميمها وتهيئتها بتمديد الماء والكهرباء، بل تعدى الأمر ذلك إلى الاستعانة بمحال تنسيق الحدائق، التي انتشرت بكثرة مؤخراً، حيث تتولى هذه المحال تنسيق الحديقة وجعلها مكاناً جميلاً مهيأً للجلوس فيها، كما أنَّها أصبحت مصدر جمال للبيت لكل زائر، وقد نظمت العديد من البلديات مسابقات لأجمل حديقة منزلية في أسابيع الشجرة؛ بهدف نشر الخضرة والجمال والعناية بالأشجار، مع مراعاة استخدام طرق الري الحديثة التي تهدف إلى ترشيد استهلاك المياه.
ذكريات المزرعة لا تزال عالقة في الذهن أكثر من الحديقة
حديقة قديمة متواضعة الخدمات
ألعاب الحدائق قديماً كانت حديدية وخطيرة
المزارع كانت أماكن تنزّه للعائلات قبل ظهور الحدائق
حديقة الفوطة أول حديقة أُنشئت بمدينة الرياض
جبل ابو مخروق أقدم حديقة وسط الصحراء، وشاهد على عصر الحضارة في المملكة
أصبح متنزه حديقة الوطن متنفساً للعديد من أهالي مدينة الرياض
تأهيل الحدائق العامة في مدن ومحافظات المملكة أعاد للأذهان ذكريات البساتين القديمة
جبل ابو مخروق شرق مدينة الرياض عام 1371ه، 1952م


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.