عندما ظهرت فرقة الخوارج أو فرقهم في الفترة المبكرة من الإسلام أجمع علماء الملل والنحل أنهم هم من أخبر عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم وتنبأ بظهورهم وظلالهم وتحققت نبؤته وخرجوا في عصر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد واقعة التحكيم وكفروا الصحابة وصاحب المعصية، واعتمدوا عموما على القرآن فقط إلا ما نقل عن متأخري فرقة الإباضية من تقديسهم لكتاب جعلوه أصح كتاب بعد القرآن فهو عندهم بمنزلة صحيح البخاري عند أهل السنة و الجماعة، وأعني هنا مسند الربيع بن حبيب الأزدي العماني البصري. يقال إنه توفي سنة 175هجرية أو سنة 180هجرية، والربيع هذا شخصية مجهولة عند العلماء أما كتابه المسند فهو من أغرب الكتب إذ إنه لم يعلن عنه إلا في الفترات المتأخرة. ما أريد قوله هو أن فرق الخوارج لم يعرف عنهم كبير اهتمام بالحديث، بل إن أغلب فرقهم لم تأخذ بالسنة، واكتفوا بالقرآن الكريم وخرجوا على الأمة بأقوال شاذة، واجتهادات عجيبة كثيرا ما جانبت الصواب. ويكفي أن نطالع كتاب الفهرست لابن النديم لنكتشف أن ابن النديم لم يذكر لفرق الخوارج إلا كتب الردود والحجاج انتصارا لمذهبهم وهي قليلة أيضا. قبل أيام أعلن عن حكم حكمت به المحكمة الجزائية المتخصصة على أحد المتطرفين بالسجن 23سنة ، وذلك لدعوته إلى بدعته وضلاله، وأن المجتمع الإسلامي قد ارتد منذ عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك (تولى الخلافة سنة 86 للهجرة وتوفي سنة 96 للهجرة) - وهو زمن معمري الصحابة وكبار التابعين طبعا- هذا التاريخ لم يختره هذا المدان عبثا أو ارتجالا بل اختاره هربا من السنة النبوية ودلالتها إذ إن السنة في هذا التاريخ لم تدون بعد بالشكل الذي وصلت به إلينا فتدوين السنة وجمعها بدأ في عصر عمر بن عبدالعزيز (ولي الخلافة سنة 99 هجرية وتوفي سنة 101هجرية) وهو زمن كبار التابعين ومعمري الصحابة هذه المقولة تتطابق مع أفكار مصطفى شكري -وهو مهندس زراعي انضم مبكرا لجماعة الإخوان المسلمين ودخل السجن معهم وفي السجن كفر المجتمعات الإسلامية وفارقها- حينما أطلق سراحه توجه للصعيد حيث كون مجتمعاً من الشباب بزوجاتهم، وأطفالهم وأخذوا منه البيعة، وكان يحرم عليهم كل ما هو حديث ولم يكن موجودا في عصر الصحابة، وعاش معهم حياة بدائية متكلفة وكان شديدا وصارما في أفكاره حتى أنه حرم ركوب السيارة، ومنع طباعة الكتب لهذا يغلب على أدبيات هذه الجماعة أنها مخطوطة باليد وبالرغم من وجود أطباء معه إلا أن العلاج السائد لأتباعه هو الحبة السوداء. ما أريد قوله هو أن فرق الخوارج لم يعرف عنهم كبير اهتمام بالحديث، بل إن أغلب فرقهم لم تأخذ بالسنة، واكتفوا بالقرآن الكريم وخرجوا على الأمة بأقوال شاذة، واجتهادات عجيبة كثيراً ما جانبت الصواب. ويكفي أن نطالع كتاب الفهرست لابن النديم لنكتشف أن ابن النديم لم يذكر لفرق الخوارج إلا كتب الردود والحجاج انتصاراً لمذهبهم وهي قليلة أيضاً.. وكما قلنا كفر مصطفى شكري بالمعصية، ونفذ الحدود بين أتباعه مثل حد الجلد، والرجم، والقصاص بالسيف، وكان يرسل أتباعه لكل من يرد عليهم لكي يغتالوه بالسكاكين؛ لأن المسدس وما استحدث من أسلحة بدعة مثل محاولتهم اغتيال حسن هلاوي، الذي جلس مع مصطفى شكري وناقشه في أفكاره، ورد عليه من الكتاب والسنة، وتسبب في مفارقة مجموعة من أتباع شكري لهذه الجماعة ويقال إن السجال بين هلاوي وشكري امتد لأكثر من 12 ساعة، خرج منه حسن هلاوي منتصرا، ومؤثرا على أتباع شكري فتبنى أفكاره مجموعة منهم، وفارقوا تنظيم مصطفى شكري؛ فحنق عليه مصطفى شكري وأرسل له مجموعة من القتلة من حملة السكاكين ونوع السكاكين (قرن الغزال) -وهي نوعية منتشرة في كل مكان وتباع في الشوارع وعلى الأرصفة- فطعن بها هلاوي عدة طعنات وفارقوه بعد طعنه، وهو بين الحياة والموت، وأنقذ هلاوي وتعافى من جروحه المميتة، لقد التقيت بمجموعة منهم بعد سنة 1977 ميلادية وكانوا يعملون عند مجموعة من إخوان السلفيين ممن فارق العمل الحكومي، وخصوصا العسكري منه. اقول كانوا يعملون في الزراعة والحفر ورعي الماشية وغيرها من مهن لا تتطلب أوراقاً ثبوتية لأنهم متخلفون وسكن منهم أناس في بيوت متواضعة، وكان جل همهم السفر للجنوب والتعرف على عادات الناس، وتوثيق علاقاتهم بطلاب العلم من اليمن، وكنت وقتها لم أكن أبرر هذه الممارسات إلا أنها من باب الأخوة وحسن الخلق ولم أفهم أنهم يبحثون عن من يؤويهم ويحميهم في اليمن، وبعد مدة ذهبت مجموعة منهم لليمن، ودخلوا في أحلاف مع بعض القبائل اليمنية، وبدأوا حياتهم في اليمن كمدرسين وأئمة مساجد، وخطباء، بل يقال إن بعضهم قد صاهر من اليمن. المهم كونت هذه المجموعة الصغيرة نسبيا مجتمعات بدائية تناسب أفكارهم وتوجهاتهم وهنا يجب أن نتنبه إلى أنه ليس من الصواب أن نؤرخ للتطرف التكفيري في اليمن بمرحلة عودة الأفغان العرب إلى بلدانهم في الثمانينات والحقيقة هي أن التطرف التكفيري بدأ في اليمن على يد فلول جماعة مصطفى شكري، بل يقال إنهم في اليمن قبل أن يعدم مصطفى شكري وأنهم قد رتبوا أمورهم مع بعض القبائل اليمنية مبكرا، وأنه بعد إعدام مصطفى شكري أصبحوا يتسللون إلى اليمن خفية، حتى كثر سوادهم، و أن كثيراً منهم قد قاتل بعد ذلك في أفغانستان وتلاقوا في كثير من أفكارهم مع عناصر القاعدة.