حذرت جهات اقتصادية خليجية من حدوث نقص حاد في مادة الإسمنت خلال الأعوام الثلاثة المقبلة بسبب توسع دول مجلس التعاون في مشاريع البنية التحتية واستفادتها من الفوائض المالية في ميزانيتها لتنفيذ المزيد من المشاريع العمرانية العملاقة. وأكدت أن النقص الحالي في مادة الأسمنت دعا العديد من دول مجلس التعاون الخليجي إلى إلغاء رسوم الاستيراد على مادة الإسمنت، والترخيص لمشاريع جديدة. لمواجهة الطلب الحالي والمستقبلي. كما حذرت في الوقت ذاته من حدوث فائض كبير في مادة الأسمنت بعد أن تدخل التوسعات التي أجرتها بعض مصانع الأسمنت الخليجية لرفع طاقتها الإنتاجية، ودخول مصانع جديدة إلى مرحلة الإنتاج. وقدرت الدراسة التي أصدرتها منظمة الخليج للاستشارات الصناعية «جويك» حجم الزيادة المتوقع لمصانع دول الخليج من الأسمنت بنحو 22 مليون طن، ليصل حجم إنتاج تلك المصانع إلى نحو 60 مليون طن، وهو ما يمكن أن يتسبب بحدوث أزمة فائض، وتعرض مصانع الإسمنت إلى تراجع في الأرباح. وتوقعت الدراسة ازدياد حجم الطلب على الأسمنت خلال السنوات الثلاث القادمة، نظراً لوجود مشاريع عمرانية كبيرة في معظم دول مجلس التعاون، والتي تتمثل في توسيع وإنشاء المطارات والطرق والفنادق، والمساكن، والمصانع، والمنشآت الرياضية، والمواجهة ذلك فان معظم مصانع الأسمنت الخليجية قد بدأت في تنفيذ مخططات طموحة لزيادة الإنتاج وإجراءات وسعة ضخمة في الطاقات الإنتاجية، كما توجهت بعض الحكومات في دول المجلس إلى منح تراخيص جديدة لإنشاء الكثير من مصانع الأسمنت، وبطاقات إنتاجية كبيرة. وأكدت أنه في حال تنفيذ كافة المصانع المرخص لها فإن الطاقة الإنتاجية للأسمنت في دول المجلس ستصل إلى كميات هائلة، مما يبعث على القلق في حال تراخي حجم الطلب وحدوث فائض في المخزون، الأمر الذي يتطلب من جميع المسؤولين عن هذه الصناعة في المنطقة إلى مراجعة شاملة وواعية لمستقبل هذه الصناعة، ووضع الخطط المستقبلية لتسويق الفوائض في حال حدوثها والتعاون والتنسيق فيما بينهم، لتحقيق استقرار سوق الأسمنت الخليجي، حتى لا يصبح هناك خلل في هذه السوق يمكن أن يلحق أضراراً بالغة بالمنتجين. ودعت إلى مراجعة متأنية لواقع ومستقبل هذه الصناعة، واستشراف آفاق المستقبل، والمجالات والأسواق المتوقعة لتصريف وتسويق الفائض من الأسمنت في حالة حدوثه، وذلك لتلافي أية هزات سلبية قد تنشأ من اختلال العرض والطلب في المستقبل، قد تؤثر بشكل سلبي على أوضاع هذه الصناعة وتلحق الضرر بالمنتجين. وكذلك ضرورة قيام الشركات العاملة في صناعة الأسمنت بالتنسيق فيما بينها مبكراً لوضع خط استراتيجية مستقبلية لتسويق الفائض من الأسمنت في حال اكتفاء السوق المحلية خاصة وأن هناك خططاً لزيادة الطاقات الإنتاجية في الأسواق المجاورة، خاصة إيران التي تخطط لرفع طاقتها من الأسمنت من حوالي 33 مليون طن إلى أكثر من 70 مليون طن بحلول عام 2010م. يشار إلى أن عدد المصانع العاملة في مجال الأسمنت عام 2004م بلغ نحو 32 مصنعاً تقدر طاقاتها التصميمية بحوالي 42,7 مليون طن من الأسمنت مقابل 33 مليون طن من الكلنكر، مما يعني وجود نقص في إنتاج مادة الكلنكر والتي يتم تداركها عن طريق الاستيراد من الأسواق الخارجية. وبلغت استثمارات تلك المصانع 5,8 مليارات دولار، واستوعبت نحو 13 ألف عامل، وهي مرشحة للمزيد من التوسعات والنمو في الفترة القليلة القادمة. وشهدت أسواق دول مجلس التعاون ارتفاعاً في حجم الاستهلاك المحلي من الأسمنت، حيث بلغ قرابة 39,8 مليون طن عام 2004م، واستطاع الإنتاج الخليجي حتى عام 2004 تغطية معظم احتياجات السوق المحلي لدول المجلس، إلا أن شدة ازدياد حجم الطلب بدءاً من نهاية 2004، وخلال النصف الأول من 2005م، نتيجة مايشهده قطاع البناء والتشييد من ازدهار غير مسبوق، أدى إلى عدم كفاية الإنتاج لتغطية حاجة السوق. وإلى تأمين كميات إضافية من الأسمنت عن طريق الاستيراد، كما حدا بدول المجلس على إلغاء أو تخفيض نسبة الرسوم الجمركية للحفاظ على أسعاره بالشكل الطبيعي، ولتغطية الطلب المتزايد على الأسمنت عن طريق الاستيراد. وتجدر الإشارة إلى أن صناعة الأسمنت في دول المجلس قد بدأت في عام 1959م، ومنذ ذلك الوقت وهي تشهد نمواً وتطوراً ملحوظاً، ترافق وتزامن مع مسيرة النهوض الاقتصادي، وحركة البناء والعمران النشطة التي شهدتها المنطقة في الفترات الماضية، وما زالت تشهدها حالياً وبشكل أكثر تسارعاً عن ذي قبل، الأمر الذي أدى إلى اشتداد الطلب على مادة الأسمنت حالياً بعد فترة من الهدوء النسبي امتد خلال السنوات 1998م - 2001. وأدى ذلك إلى وجود فجوة بين إمدادات الأسمنت وحاجة السوق. مما حدا بدول المجلس إلى اتخاذ العديد من الخطوات لتسهيل عملية الاستيراد من الأسواق الخارجية، وإلى التوسع في طاقات المصانع العاملة، فضلاً عن منح الكثير من التراخيص لإقامة مصانع جديدة ذات طاقات إنتاجية كبيرة جداً. تعتبر صناعة الأسمنت إحدى أهم الصناعات التحويلية الاستراتيجية في دول مجلس التعاون، نظراً لما تشكله هذه الصناعة من أهمية اقتصادية ترتكز عليها عملية البناء والتشييد، السكني منه، والتجاري، والصناعي، وفي إقامة البنية الأساسية، وفي مختلف المرافق والإنشاءات. وقد بدأت هذه الصناعة في المملكة العربية السعودية 1959م، وفي عام 1969م في دولة قطر. ثم الإمارات العربية المتحدة عام 1975م، وسلطنة عمان في عام 1984م، كما تم إنشاء مطحنة للأسمنت في دولة الكويت عام 1972م. وفي مملكة البحرين عام 1973. وشهد سوق الأسمنت الخليجي تقلبات حادة في مجال العرض والطلب خلال فترة أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات من القرن الماضي. وتعرض إلى فترات ركود بعد تباطؤ حركة العمران والبناء الذي أعقب اكتمال إنشاء البنية الأساسية في فترة السبعينات وأوائل الثمانينات، وأدى ذلك إلى وجود خسائر لدى بعض المصانع نتيجة ازدياد العرض وانخفاض الطلب. وتشهد ازدهار حركة البناء والعمران والاندفاع الكبير نحو المشاريع العقارية، وذلك بسبب الفوائض في الميزانيات نتيجة ارتفاع أسعار النفط إضافة إلى تدنى أسعار الفائدة لدى البنوك.