قال خبراء اقتصاديون ان استمرار البطء في اتخاذ الخطوات اللازمة في تحديث عمل السوق السعودي وتطوير تشريعاته وأتباع جدول زمني مدروس لطرح مزيد من الشركات للاكتتاب العام سيجعل نسبة كبيرة من السيولة المتوافرة للاستثمار حالياً تتجه نحو الخارج. وأكد الخبراء أن استمرار غياب المحفزات اللازمة قد يتسبب في تأخر اقتصاد البلاد عن التقدم الذي تشهده أسواق المنطقة المجاورة. وقالوا خلال ندوة اقتصادية عقدتها «الرياض» وتنشرها لاحقاً هذا الأسبوع، أن هناك مخاوف من أن تواجه البلاد نتيجة هذا البطء تحدياً كبيراً في تمويل المشاريع المستقبلية، وخطراً على مستقبل برنامج التخصيص السعودي، بحيث ستتقلص مبالغ السيولة التي يحتاجها البرنامج لاستيعاب اسهم الدولة المخصصة، بجانب أنه سيساعد وبشكل كبير على هجرة الاستثمارات وذلك نظير ما تقدمه أسواق المنطقة من خدمات متقدمة. وطالب الخبراء بتأسيس جهاز جديد تكون مهامه محاسبة الجهات الحكومية وسؤال مسئوليها عن البرامج الاقتصادية المتأخرة والتي لم يتم تنفيذها بسبب البيروقراطية الحكومية ومنها برنامج التخصيص، إضافة إلى فرض عقوبات على الجهات التي تتعمد تأخير طرح مزيد من الفرص الاستثمارية أمام المواطنين أو إعاقة تنفيذ برنامج التخصيص، لافتين إلى أن هذه البيروقراطية ستعمل على دفع عدد كبير من المستثمرين نحو البحث عن بدائل استثمارية في الأسواق المجاورة. وأكد ل«الرياض» سعد الرصيص عضو مجلس إدارة غرفة الرياض والعضو المنتدب لشركة المعجل، ان هناك الكثير من العوامل والسياسات الداخلية التي تمنع عودة رؤوس الأموال من الخارج أو حتى القدرة على استثمار الأموال المحلية في الداخل، مبيناً أن الأسواق الخارجية تتمتع بديناميكية خاصة وتحركات إيجابية تلبي رغبات المستثمرين، في الوقت الذي أغلقت فيه كافة الأبواب أمام الأموال السعودية الباحثة عن الاستثمار داخل موطنها. وقال الرصيص ان على الدولة أن تسارع في تنفيذ برنامج التخصيص الذي أقرته قبل نحو ثلاثة أعوام، مشيراً أن لدى الحكومة في الوقت الراهن العديد من الفرص الاستثمارية التي يمكن تحويلها لشركات مساهمة واستفادة المواطنين منها في تنمية مدخراتهم . وأضاف :«هناك عدة أجزاء وردت في قرار قائمة المرافق والأنشطة والخدمات المستهدفة للتخصيص، أولها شركة التعدين العربية السعودية وهي شركة قائمة الآن ومؤسسة منذ فترة طويلة، وتحويلها كشركة مساهمة عامة وطرح 50 في المئة منها للاكتتاب العام سيساعد على سرعة قيامها وتكامل نشاطها، أما الجزء الثاني فركز على تجميع حصص الدولة في مصافي البترول، مؤكداً ان البلاد تحوي العديد من المصافي الأمر الذي يتطلب سرعة التحرك نحو تأسيس الشركات الخاصة بالمصافي وطرحها للاكتتاب العام . وبين أن من المرافق التي وردت في برنامج التخصيص الفنادق الحكومية، موضحا أن تجميع هذه الفنادق تحت قائمة واحدة وتقييمها بشكل دقيق وطرحها للمواطنين سيزيد من قوتها ويرفع من أدائها، كما ان زيادة رأس مال شركة طاقة إلى 5 مليارات ووضع حصة الدولة للاكتتاب العام سيزيد من الفرص امام المواطنين لتنمية مدخراتهم . من جهته، أكد أستاذ المحاسبة والمراجعة في جامعة الملك سعود الدكتور عبد الرحمن الحميد ورئيس لجنة السوق المالية بالغرفة التجارية الصناعية بالرياض سابقاً، أن بيع حصص الدولة الموجودة في الشركات المساهمة لن يخدم الاقتصاد الوطني، مشدداً على أن هذه الحصص بنيت للأجيال القادمة وهي أصول يجب المحافظة عليها وأن تبقى لهم كما حدد لها . وذكر أن المطلوب في الوقت الراهن خلق فرص استثمارية جديدة تمتص السيولة العالية التي يمتلكها المواطنون، مبيناً أن هناك مجموعة من الفرص الرائدة والمتاحة في قطاع البتروكيماويات والبترول وتحديداً قطاع المصافي، وأن الدولة مطالبة بكسر جميع الحواجز البيروقراطية التي تعيق فتح فرص استثمارية واعدة. وأكد الدكتور عبد الرحمن مازي العضو المنتدب للشركة الوطنية لأنظمة المعلومات أن من الضروري التحرك باتجاه تعديل السياسات وتطويرها لمنع هروب مزيد من رؤوس الأموال الوطنية، مشيراً إلى أنه لايرى فرقاً بين الاطروحات التي تنادي بأن يتم زيادة حصص القطاع الخاص في بعض الشركات التي تم تخصيصها جزئياً من الشركات الحكومية، وبين طرح شركات أخرى أو تخصيص جزء من شركات حكومية قائمة كشركة معادن، إلا أنه قال ان الفرق ربما يكون في نوعية المراقبة والمتابعة . إلى ذلك، اعتبر أستاذ العلوم المالية بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن الدكتور سليمان السكران، ان المملكة تأخرت كثيراً في قضية البنية التشريعية التي أصبحت واحدة من أبرز العقبات التي واجهت وتواجه الاستثمار داخل البلاد، حيث لم تتماش مع متطلبات ومسارات الاقتصاديات العالمية، مشيراً إلى أن الاكتتاب الذي تم أخيرا في شركة «دانة غاز» قد ساهم في تعرية مناخ الاستثمار السعودي، ما يتطلب سرعة التحرك لمعالجة السلبيات التي تعاني منها البلاد في قدرتها على استقطاب الاستثمار . وأشار المحلل الاقتصادي خالد الجوهر إلى أن التسارع في طرح جميع الشركات للاكتتاب العام خطأ كبير، حيث أن هناك دول مجاورة استعجلت في طرح أسهم مجموعة من الشركات، فواجهت كوارث مالية كبيرة . وقال :«ليس من المهم أن نسارع في طرح المزيد من الشركات، لكن من الضروري البحث عن شركة قابلة للتطوير وتملك إدارة جيدة، مشدداً على أن المملكة تعيش في طفرة كبيرة، ما يستدعي ضرورة الاستفادة منها عن طريق فتح قنوات استثمارية تكون داعمة للاقتصاد الوطني.