تحدثنا في سبع حلقات سابقة عن البرمجة اللغوية العصبية، وكما ذكرت في مقالات سابقة بأن البرمجة اللغوية العصبية موضوع ظهر حديثاً، وللأسف فإن كثيراً من الأشخاص استغلوا جهل الناس في بلادنا العربية وهذا الأمر جعل كثيراً ممن لا مهنة لهم يلجأون إلى أخذ شهادات ممن يُسمون بالمُدربين، وحقيقة لا أعلم كثيراً عن هذا الموضوع، وكيفية منح تراخيص مُدّرب، لشخص امضى عدة أيام أو ربما أسابيع أو حتى أشهرا، بأن يُصبح مُعالجاً، يُعالج الناس من اضطرابات نفسية كثيرة، فكما قرأت في بعض وسائل الإعلام المحلية، بأن فلان الفلاني (ولا تعرف ما هو المؤهل الذي حصل عليه هذا المُعالج بالبرمجة اللغوية العصبية؟) أصبح لديه الحل لجميع مشاكلك.. فإذا كنت عزيزي المريض تُعاني من الرُهاب الاجتماعي، ولا تستطيع الحديث أمام الآخرين، وتجد صعوبة في مواجهة المسؤولين.. فما عليك إلا أن تحضر جلسة أو اثنتين وسوف تجد نفسك مُنطلقاً في الحديث ليس لديك مشاكل في الحديث أو مقابلة المسؤولين وتتحرر تماماً من الرُهاب الاجتماعي، وبجانبه إعلان آخر مماثل عن القضاء على الوسواس القهري أو اضطراب القلق العام..! المُعالج الذي ينشر هذه الإعلانات لا يُرفق في إعلانه كيفية معالجة هذه الاضطرابات الصعبة، ما هي الطريقة العملية التي يستخدمها في العلاج، خاصة وأنه يُرفق مع علاج هذه الاضطرابات الصعبة، أموراً أخرى عامة، مثل تطوير مهاراتك الإدارية، وتقوية الثقة في نفسك، وتجاوز صعوبات الحياة الزوجية، وجعل الزوج يُصبح أداة طيعة بين يدي زوجته بعد أن كان صعباً وحشاً لسنين طويلة.. وهكذا. اعتقد من البداية أن الجهات المسؤولة عن صحة المواطنين في البلد هم المسؤولون عن انتشار هذه الظاهرة وتفاقمها، وهي وزارة الصحة.. فهل هؤلاء المعالجون الذين يُعالجون اضطرابات نفسية صعبة تتطلب علاجات نفسية عالية التقنية وكذلك أدوية غالية الثمن يستمر عليها المريض لسنوات طويلة، ومع ذلك تنشر هذه الإعلانات في الصحف المحلية ولا يوجد اعتراض من الجهة المسؤولة عن حماية صحة المواطن من جميع جوانبه الجسدية والعقلية والنفسية؟ فهل توافق وزارة الصحة على هذا النوع من العلاجات والذي تسربل بالمنهجية العلمية وحصول الشخص على شهادة مُدّرب.. مُدّرب في ماذا؟ لا جواب هناك، وكما ذكرت فقبل عدة سنوات كنت أعمل ضمن لجنة استشارية عليا للطب النفسي لمعالي وزير الصحة (ولا زلت حتى الآن!)، وتم عرض هذا الأمر علينا، وكان إجماعاً من جميع الزملاء أعضاء اللجنة العليا للطب النفسي بأن هذا الموضوع، موضوع البرمجة اللغوية العصبية ليس له علاقة بالأمور الطبية العلاجية، والتصاريح لا تُمنح من وزارة الصحة، وأن الجهات التي تمنح التصاريح لمثل هؤلاء هي الغرف التجارية أو المؤسسة العامة للتعليم الفني والمهني، وربما يكون لهاتين الجهتين علاقة بمفهوم التنمية والتدريب لكن خلط الأمور، وإدخال العلاجات وحل المشاكل العائلية في الإعلانات اعتقد أنه مخالفة رسمية، إلا إذا كانت الجهات التي ذكرتها تمنح تصاريح علاجية وهذا ليس صحيحاً حسب معلوماتي الشخصية. يبقى الآن ماذا نصنع بعد أن استشرى هذا الداء (البرمجة اللغوية العصبية) وفي الطريق علاجات نفسية غريبة، سوف تصل المملكة قريباً وسوف يكون لها ضحايا بالعشرات وربما بالمئات إن لم تتنبه وزارة الصحة وتقف بحزم أمام هذه العلاجات وطرقها الجديدة التي قد تتناسب مع المجتمعات والثقافات الغربية، ولكنها لا تتناسب البتة مع مجتمعاتنا المسلمة العربية..! أعود هنا وأقول: ماذا لو تعلم شخصٌ مؤهل مثلاً اختصاصي نفسي عيادي (اكلينكي)، أو طبيب نفسي متخصص في الطب النفسي، ومؤهل رسمياً، وتلقى تدريبات في البرمجة اللغوية العصبية، وأصبح يُمارس العلاج النفسي مع البرمجة اللغوية العصبية في علاج بعض الاضطرابات النفسية التي يُصعب على الطب النفسي التقليدي علاجها مثل حالات الهستيريا؟ بعض الزملاء ممن أثق في رأيهم قالوا لي بأن هناك طبيبا نفسيا مؤهلا، وصاحب شخصية متزنة (وهؤلاء للأسف قلة في من يعملون في الصحة النفسية..!)، درس البرمجة اللغوية العصبية وأصبح مفيداً للحالات التي ذكرتها، وقد جرّبه زميلي هذا وقال بأنه افاده في حالات نفسية تعاني من اضطرابات هستيرية لسنوات وتحسنت مع هذا الشخص..! قد يكون هذا صحيحاً.. وربما الأطباء النفسانيون والاختصاصيون النفسيون العياديون إذا تعلموا البرمجة اللغوية العصبية يصبحون من ذوي الفائدة في بعض الأمراض.. هذا رأي.. ورأي زملاء آخرين من يتفق ومن يُعارض. شخصياً أرى أن يتم تطبيق الخطوات العلاجية المتداولة عالمياً في علاجات الأمراض حسب الأنظمة والقوانين الطبية المعمول بها في البلد، وتجنب التجارب وأخذ الاحتياط والحذر في علاج المرضى النفسيين والعقليين الذين للأسف الشديد أصبحوا حقل تجارب لكل من لا يجد له مهنة، فمرة علاج بالكي، ومرة بإخراج الجن (بالضرب المبرح الذي قد يقود إلى الوفاة، ومرة بالسشورا ومرة أسلاك الكهرباء.. إلخ).. مسكين المريض النفسي لا يوجد قانون يحميه من عبث العابثين واستغلال ضعاف النفوس.. وليس لنا إلا أن نرجو من وزير الصحة وهو رجل متحمس ويُريد أن يخدم البلد، ولكن ربما الصحة النفسية ليست المجال الذي يجلب الشهرة وعدسات المصورين، فهناك أمور أهم.. بعد هذا ليس لنا سوى الله العلي القدير أن يلطف بالمرضى النفسيين والعقليين وأن يُسخر لهم من يرعاهم.. إنه سميعٌ مجيب الدعاء.