خلال الأسابيع القليلة الماضية قام خمسة رجال وسبع نساء بزيارات سرية لمستشفى «كليفلاند كلينيك» لإجراء مقابلات حول امكانية اجراء عملية جراحية جذرية لم تجرب على أحد من قبل في أي مكان في العالم. وطلبت منهم الدكتورة ماريا سيميونوف ان يبتسموا ويرفعوا حواجبهم ويغمضوا عيونهم ويفتحوا أفواههم. ثم تفحصت الطبيبة عظم الخدين والشفاه والأنوف، وسألتهم ماذا يأملون ان يكسبوا من العملية وماهو أكثر شيء يخشونه. ثم طرحت سيميونوف السؤال الأساسي «هل تخشون انكم ستشبهون أشخاصاً آخرين؟». الدكتورة ماريا سيميونوف تريد ان تحاول إجراء عملية زرع وجه. وهذا ليس ماكياجاً تلفزيونياً متمادياً. انه في الواقع أفق طبي تستكشفه طبيبة تريد ان يفهم عامة الناس ما تحاول القيام به. وما تحاوله سيميونوف هو: «إعطاء الأشخاص الذين أصيبوا بتشويه بالغ مخيف بسبب الحرائق وحوادث السيارات والكوارث الأخرى فرصة حياة جديدة. فأفضل الأساليب العلاجية المتوفرة حالياً لا تزال تترك الكثيرين منهم بوجوه مخيفة مليئة بندوب نسيجية اشبه بأقنعة لا تبدو ولا تتحرك مثل البشرة الطبيعية. هؤلاء الناس فقدوا أصلاً الإحساس بالهوية ذات الصلة بالوجه. وتقول سيميونوف ان ما ستفعله عملية الزرع هو «أخذ مغلف مصنوع من البشرة ووضع هويتهم فيه». ويلحظ مساندو سيميونوف خبرتها وتخطيطها الدقيق وفريق الخبراء الذي تم تشكيله لمساعدتها والتدريب الذي قامت به على الحيوانات وعشرات الجثث لكي تتقن تقنيتها. غير ان النقاد يقولون ان العملية محفوفة بمخاطر لا يجوز التعرض لها لأجل شيء لا ينطوي على مسألة حياة او موت مثل عمليات زرع الأعضاء. ويرسم هؤلاء صورة سوريالية مرعبة لسيناريو أسوأ الاحتمالات: رفض الجسم للوجه المزروع وتركه يذبل ويترك المريض في حالة أسوأ من قبل. ومثل هذه المخاوف هي التي أجهضت مؤخراً خططاً لإجراء عمليات زرع وجه في كل من فرنسا وبريطانيا. وحتى كتابة هذه السطور كان ثلاثة اشخاص قد وافقوا على اجراء العملية. ويشير نص استمارة الموافقة الى ان هذه العملية جديدة جداً ومخاطرها مجهولة الى حد ان الأطباء لا يعتقدون ان الموافقة الواعية ممكنة. وهذا ما تقوله الاستمارة للمرضى المحتملين: «وجهك سيزال ويوضع مكانه وجه تبرعت به جثة بعد تطابق نوع النسيج والسن والجنس ولون البشرة. وستدوم العملية من 8 الى 10 ساعات والبقاء في المستشفى من 10 الى 14 يوماً. «وقد تتضمن الاختلاطات التهابا تحول لون الوجه الجديد الى أسود وقد يحتاج ذلك الى إجراء عملية زرع ثانية او عملية ابتنائية بزرع قطع من البشرة. وسيتوجب أخذ ادوية منع الرفض مدى الحياة وهي تثير احتمال التعرض لخطر تلف الكلى والسرطان». وسيتحمل المستشفى تكاليف العملية الأولى الا انه لم يقرر شيئاً بعد بالنسبة للمرضى الآخرين. وثمة استمارة اخرى تبلغ العائلات التي تتبرع بوجوه موتاها ان الشخص الذي سيتلقى الوجه لن يشبه فقيدهم الغالي. والأرجح ان المتلقي سيكون مماثلاً لنفسه قبل اصابته في الحوادث لأن البشرة الجديدة ستغطي العظام والعضلات الموجودة التي تعطي الوجه شكله. إن كل الأشياء الصغيرة التي تتألف منها تعابير الوجه - مثل سلوكية الغمز في معرض سرد نكتة او إمارات التواضع واحمرار عند سماع إطراء ما - متأصلة في الدماغ وفي شخصية المرء وليست قابعة في الوجه. وتوحي بعض الأبحاث ان النتيجة النهائية ستكون مركبة من المظهرين. قبل ست سنوات تمنى جراحون لو كان بوسعهم إجراء عملية زرع وجه جديد لطفل عمره سنتان هاجمه كلب شرس وأحضر الى جامعة تكساس في دالاس، حيث كان الدكتور كارل غاتوسكي يتدرب. وأجريت للطفل عملية زرعت خلالها ست قطع من بشرة استؤصلت من فخذه ونقلت الى المنطقة المحيطة بفمه. ودامت العملية الجراحية الدامية 28 ساعة اصبح بعدها جزء من بطنه القسم العلوي من وجهه. وتحول جزء من ساعديه الى شفتيه وفمه. ويقول غاتوسكي الذي يعمل الآن جراحاً في مستشفى جامعة ويسكانسن - ماديسن ان الطفل لن يصبح مظهره طبيعياً أبداً. إن النجاة من مثل هذه الجراح قد يعني «العيش مع 1,000 جرح». فالمريض قد يخضع لعشرات العمليات الجراحية لزرع الجلد بوصة بعد بوصة بعد أخذ قطع جلد من ظهره وساعديه ووركيه وساقيه. وقد تكون عملية زرع الوجه حلاً افضل، فرغم عامل الصدمة فهي تنطوي على «ميكروجراحة» روتينية. يتم خلالها ربط زوج او زوجين من العروق والشرايين على جانب من الوجه والمأخوذة من النسيج المتبرع به بالمريض. وسيجري تقطيب حوالي 20 من النهايات العصبية بعضها ببعض لمحاولة استعادة الإحساس والقدرة على الحركة. وستثبت قطب صغيرة من النسيج الجديد على فروة رأس المريض ورقبته والمناطق المحيطة بالعينين والأنف والفم. ويقول الدكتور جون باركر مدير قسم الجراحة البلاستيكية في جامعة لويزفيل انه كان يمكن اجراء هذه العملية قبل عشر سنوات. اذ اعلن هؤلاء الأطباء منذ عدة سنوات انهم يعتزمون اجراء عمليات زرع وجه، الا انهم لم يتمكنوا من اقناع اي مستشفى بالموافقة. غير ان الدكتورة سيميونوف دأبت على اجراء الاختبارات على الحيوانات، ثم حصلت على الموافقة من المستشفى على تجربة العملية على البشر، وهي تشدد على انها لا تتنافس مع احد لإجراء العملية الأولى. وتقول: «آمل ان لا يتهاون احد او يجري العملية لمجرد كسب الشهر. اننا حذرون الى اقصى حد». سيميونوف درست الطب في بولندا وتلقت تدريباً في اوروبا والولايات المتحدة وأجرت ألوف العمليات الجراحية خلال 30 سنة. ونجاح محاولتها العتيدة زرع وجه جديد سيتوقف على اختيار المريض الصحيح. وتريد سيميونوف حالة واضحة ومختارة بدقة. فهي لن تجري العملية لطفل لأن المخاطر التي تنطوي عليها كبيرة جداً. كما انها لا تريد مريضاً بالسرطان لأن ادوية مقاومة الرفض تثير احتمال المعاودة. وتقول الدكتورة: «اريد ان اختار مرضى مشوهين فعلاً وليس مريضاً لديه ندوب صغيرة، ولديه كمية كافية من البشرة الصحيحة لإجراء عمليات زرع تقليدية اذا فشلت عملية زرع الوجه». وسيقرر طبيب الأمراض النفسية في المستشفى الدكتور جوزيف لوكالا ما اذا كان المرشحون يتمتعون بالصحة والنفسية لكي يضمن انهم يعرفون المخاطر التي تنطوي عليها العملية. ويقول لوكالا: «اننا نبحث عن شخص قوي نفسياً ونريد اشخاصاً قادرين على اجتياز المحنة». ويأمل الدكتور جيمس زينس، رئيس قسم جراحة التجميل ان يكون مع الفريق الطبي المؤلف من 10 - 12 طبيباً الذين يشاركون في العملية وهو بدوره يقوم بالبحث عن المرضى، ويقول انه يتلقى اتصالات هاتفية غريبة من اشخاص لا يصلحون كمرشحين. وقد يكون ماثيو تفتلر الذي يقيم في نوكسفيل بتنسي المريض المثالي المنشود. فقبل ثلاث سنوات اصيب بحروق بالغة في حادث اصطدام أدى الى مصرع زوجته الحامل. ورغم العمليات العديدة التي أجريت له لا يزال وجهه يخيف الأطفال. غير انه يرفض اجراء عملية زرع وجه. ويقول تفتلر: «الحصول على وجه شخص آخر ليس عملاً صائباً. وأخشى ان يقع خطأ ما ايضاً. وماذا سأعمل اذا لم احصل على وجه.. هل استطيع ان استمر في العيش؟».