تساؤل قديم احتفل به الأدب الشعبي، وتساءل حوله عبر حوارات وأبيات تخاطب العين حينا والقلب حينا آخر يقول الشاعر أحمد بن جبران زعيم الغزل في بلاد غامد وزهران: قال أحمد بن جبران يا طرفي الزهوقا كم نهيتك ما تنهويت لكن ما انت العيب! قلبى بؤرة العيب انت ما هِلاّ رسولا يرسلك لنه من ورا الاضلاع وازي وابن جبران يرد السبب للقلب فهو البؤرة التي ينطلق منها الاهتمام ويرسل العين لتأتيه بالخبر اليقين الذي يؤكد ظن القلب واهتمامه، ثم يصبح أسير هواه المؤكد بتقرير العين. والقلب يختبئ خلف الضلوع والعين سفيره للاستطلاع. وفي محاورة شعرية بين الشاعرين عايد القريشي وأحمد الكرنب يقول القريشي متسائلا: أعتب على قلبي اللي حب والاّ على طرفي اللى شاف؟ أيّاتهم للعتاب اقرب لا صار ما بينهم ميلاف؟ ويجيبه الشاعر أحمد الكرنب عن هذه الكسرة بالكسرة التالية: القلب بين الضلوع مغب والطرف للقلب تلّغراف طرفك عن القلب ما يحجب وعاتبه يا سمي لا تخاف والكرنب يتفق مع ابن جبران بأن العين رسول تأتي بالحقيقة والقلب هو المتلقي المسؤول عما يترتب على تلقيه. لكن أحد الشعراء يعترض على الرد بعد أن ذاع الحكم وانتشر يقول الشاعر حامد محمد سالم الأحمدي: اللي حكم في الحكم ما طب ناقص عن الحكم سنترهاف لو انه القلب ما يرغب ما همه الطرف مهماشاف والشاعر الكرنب مرة أخرى يقول: الطرف شاف العجيب ومال والقوا على القلب صاليهم من هو له الحق باستكمال لأنك تنصّبت قاضيهم؟ ويجيبه الشاعر القريشي: الطرف آلة جذب وارسال والقلب يرغب ويد عيهم لو كان حطوا عليه اقفال ما له حقيقه يداعيهم وفي حوار آخر يقول القريشي: طرفي رضي بالجفا والقلب عيّا، ورايه معه ما صف أيّات فيهم تراه اصوب في عرفك القلب والاّ الطرف؟ ويجيبه الكرنب: أصُب حكم القضية صب ما دمت مسؤول ومكلّف الكل في موقفه لا صب ما لك عن ملازمه محرف ويقول الشاعر محمد عودة: قلبي وروحي وأيضاً الطرف في مزايم الود مختلفين الطرف راضى بحكم العرف وذوليك للمحكمة باغين؟ ويجيبه الشاعر همام القايدي: يا اهل المثل رباب العرف اللي معه حق يبغى يبين والمدعي بالبطل يوقف والشرع يحكم على التقنين وفي حوار آخر يقول الشاعر يوسف النبيهي تعليقا على محمد عودة وهمام: اللي اشتكوا عند قاضيهم في كرسي القلب مختلفين والآن وقفت دعاويهم والكل مثبت في ملكه سنين لا مال يقسم ويرضيهم ولا هم على الشرك متفقين يا صاحبي فيدني فيهم حتى اعرف الصك يعطى لمين ويأتى الرد مناطاً بالقلب: أفيدكم في معاتيهم الحق ما ياخذوه اثنين ومن واجب القلب يفتيهم هو الذي يعرف التعيين حوارات الكسرات التي أوردنا تحدث دائما في ملاعب الرديح الينبعاوية، وفيها متعة للمتلقي لأنها تمثل مناظرات أدبية كل فيها يدلي بدلوه. ويأتى الحوار أحيانا خارج دائرة المناظرة على شكل عتاب أو خصام مثل قول أحدهم: أرى عيونك كثير تلد يم الذي خاطري يهواه إن كان قلبك عنه ما يصد قل لي وقلبي علي شفاه ويأتي الرد موضحاً أن الود له معان تتجاوز الجسد فهناك مودة أخلاق ومودة اعجاب ومودات أخرى، فيقول: أظن شرحي وشرحك ضد في منهج العاطفة والجاه وان كان من شرعتي تنعد طمّن فوادك على نجواه مجرد رد للاطمئنان. ويفسر الشاعر دخيل الله بن مازن المشكلة في رده على الكرنب الذي سأل مستغربا من تأثر القلب رغم اختبائه بين الضلوع: كيف الهوى صار له مسلك يسعى مسا والصباح يطوف والقلب محبوس ومدرّك بين العضا والضلوع صفوف؟ وكانت إجابة ابن مازن: ما اظن يخفى على مثلك والله جعل لك نظر وتشوف وان كان ما هي طبيعة لك يجري مجاري الدما في الجوف وابن جبران يؤكد أن رؤية العين لا تكفي، فجمال الجسم ليس الجمال كله: قال أحمد ام جبران من ياخذ مرة بَيْن رأي ما هاله ريا العين يحسب الزقوم حالي كما لو خذت خوط زقوم لحالي واغرسه في جلس حالي وقلت يا ذا الغرس با خليك كمّن بعد مدة قلت: وش من؟ والاّ وهو زقوم أبى يحلى لعينا حتى ولو وضعت المرأة الجميلة المختارة من منبت سيئ تظل سيئة كما غرست شجرة زقوم في عسل ستظل سيئة المذاق. إذا العين ترى والقلب يعشق ويحسم نتائج التقويم وخضراء الدمن من ذلك. وبعد: فإن شعر الفصحى تناول هذا الموضوع، وأضاف حاسة الأذن كعامل مؤثر في إشعال الحب: يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة والاذن تعشق قبل العين أحيانا فالحواس كلها ذات تأثير على القلب الذي يتولى إدارة الموقف فيما بعد. ومعذرة عن عدم الوفاء باكمال البحث.