التقت المصالح الإيرانيةالأمريكية باحتلال العراق عام (2003م)، فتم تدمير جميع مؤسساته الحكومية، وتمكنت إيران من السيطرة على مفاصل الدولة والتأثير في صناعة القرار، وتغير المشهد السياسي في منطقة الشرق الأوسط، ومنذ ذلك الوقت بدأت إيران كلاعب رئيسي في العراق وسورية واليمن وفلسطين ولبنان، وحاولت وما زالت تبذل جهود جبارة للتأثير في دول أخرى كدول الخليج ومصر والسودان ودول المغرب العربي. والحقيقة أن الجهود الإيرانية لاختراق العالم العربي بدأت قبل ذلك بوقت كبير، أي منذ عام (1979م)، ونشطت بعد انتهاء الحرب العراقيةالإيرانية التي امتدت لمدة ثمانية أعوام (1980م-1988م). اعتمدت إيران في استراتيجيتها لاختراق العالم العربي على الأحزاب الشيعية، شبكات التجسس، التحالف مع حركات الإسلام السياسي، استغلال التناحر بين تيارات الإسلام السني، المصالح الاقتصادية، الرموز الدينية، والمنح الدراسية. المهمة شاقة لأن العطار يحاول إصلاح ما أفسده الدهر، والتحدي كبير لأن القوى العظمى ضالعة في الفوضى التي يعيشها العالم العربي، والأمر يحتاج إلى صياغة إستراتيجية برؤية سياسية خليجية موحدة تجاه إيران ساعد في هذه الاختراق، قناعة بعض صناع القرار المؤثرين في الولاياتالمتحدة بعد أحداث (11سبتمبر)، بأن إيران هي الحليف القوي والأنسب في منطقة الخليج، ومن هنا ارتأت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندليزا رايس ضرورة (إعادة ترتيب قائمة الحلفاء) في العالم وفي منطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص. ترى إيران في نفسها المدافعة عن الإسلام، وقبلة المذهب والأقليات الشيعية في العالم العربي، والمسؤولة عن ضمان حرية الملاحة في الخليج ومضيق هرمز. في مقابل هذه الإستراتيجية الإيرانية الواضحة، كان العالم العربي وما يزال يعاني من تفكك، واختلاف عميق في نظرته لقضاياه الجوهرية، فمساحة خلافاته الضيقة تغلبت على مساحة مصالحه المشتركة الأكبر والأهم، فلم يتمكن من خلق رؤية سياسية موحدة، وهو ما عبر عنه وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل في مؤتمر القمة العربية في سرت (2010م) بالخواء الإستراتيجي. وفي ظل هذا الوضع العربي غير المطمئن، وشلل جامعة الدول العربية نتيجة إصابتها بمرض عضال رافقها منذ الولادة، لا نرى في الأفق أي مؤسسة عربية قائمة وقادرة على مواجهة التمدد الإيراني في هذه الظروف المعقدة سوى مجلس التعاون الخليجي. المهمة شاقة لأن العطار يحاول إصلاح ما أفسده الدهر، والتحدي كبير لأن القوى العظمى ضالعة في الفوضى التي يعيشها العالم العربي، والأمر يحتاج إلى صياغة إستراتيجية برؤية سياسية خليجية موحدة تجاه إيران، فالتعامل معها يحتاج إلى جلد ونفس سياسي طويل، وضربات استباقية، سواءً على الصعيد الاقتصادي أو الدبلوماسي أو الأمني والعسكري، وأعتقد أن لدى دول الخليج من عناصر القوة، ما يجعلها مجتمعة قوة إقليمية عظمى، مؤثرة وفاعلة على الصعيد الدولي، وهو ما رأيناه بامتياز في مصر والبحرين. من الناحية العملية، فدول الخليج بحاجة إلى انتصار في اليمن من خلال استعادة الشرعية وتقليص نفوذ الحوثي، وما زال بالإمكان تحقيق ذلك من خلال حرمان التنظيم من موارد النفط والغاز، فالجيوش تمشي على بطونها، وإذا تعذر على عبدالملك دفع رواتب الميليشيات التابعة له، والقادة المؤتمرين بأمره، تزعزعت صفوف التنظيم وأصبح آخر ما يفكر فيه المرتزق الحوثي الولاء لنظام الملالي، ويترافق مع ذلك، الضغط على صالح لإخراجه من المشهد السياسي، وحشد المجتمع الدولي ضد الانقلاب، ودعم القبائل اليمنية والمحافظات الرافضة له. وفي سورية، أعتقد بأنه يجب على دول الخليج ومن الآن (الاستعداد لما بعد الأسد)، ولا أشك أبداً بأن القوى العظمى قد أعدت ترتيباتها لهذه المرحلة، وكذلك إيران، فهي ستنفذ في سورية بعد الأسد ما نفذته في العراق بعد صدام، من خلال، تأسيس وإنشاء أجهزة استخبارية وأمنية مسؤولة عن تنفيذ توجيهات المرشد في سورية ما بعد الثورة، وهذه المهمة سُيكلف بها بطبيعة الحال الجنرال قاسم سليماني، ولن تغفل طهران، تجهيز قيادات وأحزاب سياسية موالية لها في دمشق، وإنشاء مؤسسات تجارية كبرى قادرة على التأثير في صناعة القرار الاقتصادي والتجاري في سورية مستقبلاً. وفيما يخص العراق، فعلى الرغم من التأثير الإيراني القوي على صناعة القرار العراقي، إلا إننا إذا أمعنا النظر في الحالة العراقية الخليجية، وخصوصاً بعد رحيل المالكي، فنجد أن العلاقات قد تحسنت بشكل ملحوظ، وهناك فرص في الداخل العراقي نستطيع أن نستثمرها ونراهن عليها في سبيل الحفاظ على علاقات متوازنة مع العراق قدر الإمكان، وهي القبائل العربية العراقية، المشاعر والمصالح الوطنية، والقادة العراقيين من المذهب الشيعي، والذين يقدمون المصلحة الوطنية على الطائفية المقيتة. وعلى الصعيد الأمني، هناك تحد يتمثل في مواجهة شبكات التجسس الإيرانية المنتشرة في العالم العربي ودول الخليج على وجه الخصوص، ولا أرى أفضل من سرعة تفعيل جهاز الأنتربول الخليجي لتحييد هذه الشبكات والقضاء عليها، وإحراج إيران أمام المجتمع الدولي. وفي الجانب العسكري، اتضح جلياً الدور البارز الذي اضطلعت به قوات درع الجزيرة في استئصال التمرد في البحرين، ووأد المحاولة الانقلابية في مهدها، وإحباط المتآمرين بفشلهم في قلب نظام الحكم وزعزعة استقرار دول المجلس، ومن هنا تأتي أهمية تطوير وتقوية قوات درع الجزيرة، وأعتقد أن لدى دول المجلس من القوة المادية والبشرية ما هو كفيل بتشكيل قوة ردع ضاربة، الذي يحتاج إلى توفر إرادة لتحقيقه. وعلى الصعيد الإعلامي، فنحن بحاجة إلى محاصرة إيران بإلقاء مزيد من الضوء على، اضطهاد أهل السنة في إيران، والتنكيل بقبائل الأهواز(الأحواز) العرب، والتمييز العنصري ضدهم، والتدخلات الإيرانية المتكررة في الشأن الخليجي والدول العربية. إن استطاعت دول الخليج تحقيق نصر في اليمن، واستعدت جيداً لما بعد الأسد، وحافظت على علاقات متوازنة مع العراق، وتمكنت من تقوية درع الجزيرة، ومنعت إيران من امتلاك السلاح النووي، ونجحت في تفعيل الأنتربول الخليجي، وأصبح لديها إستراتيجية إعلامية موحدة وفاعلة تجاه إيران، في هذه الحالة فقط، بإمكان دول الخليج والدول العربية، ومن منطلق المفاوض القوي، التوجه بتقديم مبادرة شاملة وموحدة تجاه إيران، ولا عيب في ذلك، تضمن إقامة علاقات مبنية على المصالح المشتركة وحسن الجوار، تحقن دماء المسلمين، وتطالب طهران بضرورة مراجعة سياساتها العدائية المستفزة، التي لم تخدم سوى الكيان الصهيوني، والعالم المستفيد من تناحر الدول العربية والإسلامية.