على سطح منزله، وأمام «عشّة» الحمام، وقف «أبو بر» حائراً ومشتتاً. بدا وكأن عظامه لا تستطع أن تحمله، أو أن الأرض ترغب في ابتلاعه. لمَ لا، وهو يسترجع علاقاته الحميمية مع هذه «العشّة» المحاطة بشبك معدني والمسقوفة بألواح خشبية والمزدحمة بأقفاص من مختلف الأحجام، تحوي أزواجاً من الحمام المشرئب بالبياض. كل زوج له قصة، وكل قصة لها مكانة غالية وعزيزة وآثرة لديه. بالنسبة «لأبي بر» كان الحمام وظل حتى ساعة كتابة هذا الموضوع، متنفساً لكل ضائقاته. عندما يهيج إعصاره المنزلي «كاترينا»، وهي دائماً هائجة مائجة، يتسلل هو إلى السطح. يناجي حماماته، ويقول لهن كل ما لا يستطيع أن يقول لكاترينا، التي لا تسمع سوى صوتها ولا ترى إلا منظرها. ولأن الحمام يجيد الاستماع ويجيد المشاهدة، فلقد كان «أبو بر» يعتبر هذه «العشّة» المتخذة ركناً قصياً وضيقاً من سطح منزله، بمثابة منزل بديل. منزل واسع وهادئ ومشرق ودافئ وحميم. منزل يستقبله دوماً بكل ترحاب، ويمنحه كل الوقت ليقول ما يشاء ويفعل ما يشاء، ابتداءً من سرد قصص كآباته وانتهاءً بمشاركة حماماته طيرانها. في هذه الساعة التي يقف فيها «أبو بر» مُفرغاً من مشاعره، خاوياً من أحساسيه، منفصلاً عن كل معاني الوقت، يأتيه صوت «كاترينا» من الأسفل، بكل برود وتشفِّ، وهي تؤكد على العمال الذين وصلوا للتو: - لا تتركوا ولا حمامة. والعشّة ما أبغى أشوف أثرها. وبعدما تخلصّون، رشوا السطح بأقوى مبيد عندكم. ما هو ناقصنا أنفلونزا طيور. [email protected]