أتيحت لي الفرصة مؤخراً مع مجموعة من الزملاء لزيارة مجموعة من الجامعات الامريكية العريقة وفي مقدمتها هارفاد، وجورج تاون، وميرلاند، وخلال الاجتماعات التي تم عقدها مع مسئولي تلك الجامعات ومسئولي وزارة التربية والتعليم الامريكية حظت ان الجانب الثقافي والتربوي لازال يحتل محل الصدارة في اهتمامات المنتسبين للتعليم الجامعي والعام بسبب كون التربية السليمة طريقاً لإقامة أمة عظمية. بل إن جامعة عريقة كهارفارد أنشأت برنامجاً يختص بالتعليم الديني من خلال كلية (دفينتي) يمنح شهادة الماجستير لمجتازيه مع التركيز على كيفية تعليم الدين وليس تعليم الدين في حد ذاته على حد وصف البرفسورة (دايان مور) المسئولة عن البرامج. وهذا يعني أن طرق تدريس المواد الدينية تخصص مهم في بلد يمنع تعليم الدين بالكلية في المدارس الحكومية، فكيف يكون الحال في بلد يعكس التعليم الحكومي فيه الهوية الدينية للبلاد وتدرس المواد الدينية في جميع مراحله. وفي اجتماع مع نائبة مدير جامعة ميرلاند للشؤون الاكاديمية أشارت الى تخصيص مبلغ 300 مليون دولار سنوياً للبحث العلمي بالجامعة يذهب جزء منها للأبحاث التربوية التي تلقى الدعم والعناية الكافية في الجامعة. وحين ننظر الى الواقع الاكاديمي للتربية والتعليم في بلادنا نرى أن الطريق لازال طويلاً أمامنا للوصول إلى مرحلة التميز المنشود في هذا المجال ومخرجات التعليم الجامعي خير شاهد على ذلك. فعلى الرغم من إنشاء كلية التربية بجامعة الملك سعود منذ عام 1377ه، وما تبع ذلك من إنشاء كليات للتربية في بعض الجامعات السعودية إلا أن الحاجة لازالت ماسة من وجهة نظر كثير من التربويين إلى عمل أكبر من ذلك يتمثل في إنشاء جامعة للعلوم التربوية وهو حلم يراود التربويين ويرون أنه صار الآن أقرب من أي وقت مضى، ولا سيما مع الاهتمام الشديد الذي يوليه الملك عبدالله للتربية والتعليم باعتبارهما خط الدفاع الأول أمام كل فكر منحرف وسبيل البناء السليم للإنسان السعودي المتطلع إلى المستقبل بما يحمله من تيارات متصارعة لا يصمد أمامها ويحسن السباحة في بحرها إلا من تلقى التربية السليمة المتوازنة من خلال معلمين أكفاء تم إعدادهم على أعين المتخصصين في هذا المجال وأعطوا الاهتمام الكافي خلال فترة دراستهم الجامعية. وفي رأيي أن هذه الجامعة الحلم ستركز في بدايتها على كليات أربع ستكون هي النواة الاساسية لها: كلية: الإدارة المدرسية، وكلية: الثقافة الإسلامية، وكلية: التربية الخاصة، وكلية: وسائل التربية والتعليم. إن هذه الجامعة المقترحة ليست بديلاً لكليات المعلمين التي أدت دروها في مرحلة سبقت من خلال الإمكانيات المتاحة لها، لكنها حاجة مستقبلية واستثمار مهم لصالح أبنائنا وبناتنا الذين هم أغلى ثرواتنا من خلال: 1- التأهيل السليم لمن يتولون الإدارة المدرسية والمعلمين والمربين 2- تشجيع البحث العلمي المتخصص في مجال التربية والتعليم 3- تفعيل استخدام الثورة العالمية في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في مجال التعليم 4- تأهيل المعلمين القادرين على ربط الطلاب بأصول ثقافتهم الإسلامية الوسطية المتزنة التي تضمن لهم بإذن الله الثبات أمام تيارات الغلو والإفراط من جهة وتيارات الانحلال والتفريط من جهة اخرى. فهل يتحقق الحلم ونرى (جامعة الملك عبدالله للعلوم التربوية) واقعاً على ارض الوطن وهدية من القيادة لمستقبل الجيل السعودي القادم؟ '' الاستاذ المشارك بكلية التربية جامعة الملك سعود