يمكن إيجاز واستخلاص ثلاث خصائص مهمة من الأوامر الملكية التي أعلنت يوم الخميس الماضي تتمثل في: الشمولية، التوقيت، والرؤية. فالشمولية تتمثل في في تشكيل مجلس وزاري جديد يجمع بين حيوية الشباب وخبرة الكبار قي مزج يتناغم مع متغيرات العصر الحالي في مجالات شتى (اقتصادي، تنموي، أمني، سياسي). وتم تشكيل مجلسين من المجلس الرئيس في تحول اداري وهيكلي يضمن المحافظة على الحيوية والخبرة حيث تم الغاء المجالس واللجان العليا، ليصبح المجلسان الجديدان المطبخ الحقيقي لصناعة القرار الاداري والسياسي والاقتصادي للبلاد. ناهيك عن أن دورهما سيكون تنسيقياً ومتابعاً لإجراءات التنفيذ لتسهيل العبور من خلال التداخل والتعارض في بعض الأنظمة بين الوزارات المتعددة، علاوة على أنهما سيعملان على إزالة سوء الفهم والتطبيق الذي يعتري بعض منفذي القرارات والتي كانت تعطل مصالح المجتمع. وسيكون المجلسان أداة لرفع توصيات مشروع القرارات ومسوداته واستراتيجيات السياسات التنموية والاقتصادية وكذك السياسية للبلاد ما يجعل ولي الأمر على اطلاع كامل لاحتياجات البلاد والعباد وفي صوره نهائية مايجعله مطمئنا لاتخاذ قرارات أكثر كفاءة وفعالية في تحقيق رؤيته. وتتضح الرؤية الإدارية والسياسية والاقتصادية للملك سلمان -حفظه الله- أنه وفي خلال أسبوع واحد فقط تم اتخاذ قرارات جذرية وحاسمة وسريعة فيما يتعلق بولاية العهد ومابعد ولاية العهد في اشارة الى التحول للجيل الثاني للحكم. تبعها في أقل من اسبوع ترؤس الجيل الجديد من أبناء الاسرة لأهم مجلسين منبثقين من مجلس الوزراء في اشارة إلى اللامركزية القادمة وسرعة الإنجاز وعدم التردد في اتخاذ القرارات، وهو مايمكن فهمه من تسنم جيل شاب من الوزراء لقيادة الوزارات الخدمية لبعث أفكار وحيوية وطاقة جديدة لعملية التغيير التي ستحدث في تلك الوزارات. ومن الواضح أن مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية سيساهم وبشكل كبير في مساندة الوزراء الجدد في اتخاذ القرارات والدفع بتنفيذها بصورة أسرع في ظل المتغيرات المتسارعة حولنا، على أن تكون تلك التغييرات سلسلة وتتلاءم مع ثقافة المجتمع ليتم رفع مستويات التغير وقبولها مايجعلها سهلة التطبيق. ونجد أن عملية التغيير التي تواكب ثقافة المجتمع شملت تغييرات مهمة في وزارات العدل والشؤون الإسلامية التي ستعمل على التغيير عن طريق المصالحة مع المجتمع بكل أطيافه، وليس الصدام مع الثقافات المختلفة، ما يمكن هاتين المؤسستين من إكمال مشاريع تطوير القضاء ورفع الوعي الفكري لدى المؤسسات الدينية المتمثلة في الخطباء ورجال الحسبة في صورة تتناغم مع متغيرات المجتمع الحديث. ولم تحدث تغييرات في الفريق الاقتصادي والمالي للبلاد مع البقاء على وزيري الإسكان والعمل لإنهاء أهم تحديين يواجهان البلاد وهما المساكن والبطالة واللذان سيكونان من أولويات مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية التي يترأسها وزير شاب يعي أهمية هذين التحديين للبلاد، حيث شملت الأوامر المليكة رصد 20 مليار ريال لفك الاختناق في أراضي المنح، في توجه سريع لأهمية رفع مستوويات تملك المواطنين للمساكن. ولعل تعيين أحد الوجوه المخضرمة لوزارة الشؤون البلدية هي دلالة على أن هناك عوائق بيروقراطية تواجه القطاع البلدي والعقاري في مسألة الفسوحات والتراخيص ناهيك عن غياب استراتيجيات التطوير العمراني لبلديات الكثير من المدن صغيرها وكبيرها ما ساهم بشكل كبير في ارتفاع اسعار الأراضي والايجارات. ويمكن القول إن خلف كل هذه التغييرات رؤية ملك لديه من الخبرات الادارية والاقتصادية والسياسية والأمنية المتراكمة منذ عهد والده الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه، مرورا بتجربة ناجحة ومعاشة هي مدينة الرياض التي انتقلت من مجرد مدينة وسط صحراء قاحلة الى أحد أهم كبريات المدن في العالم وأكثرها نمواً وتطوراً، مايجعلنا واثقين أن السفينة ستستمر في الإبحار الى مستقبل أفضل.