لم يكن مثيراً للدهشة ما طرحته بعض وسائل الإعلام الغربية والإقليمية حول مسألة انتقال السلطة في السعودية، حيث اعتدنا على محاولاتهم في تضخيم الحدث وتهويله، واختلاق القصص والروايات حول التوقعات والسيناريوهات والخلافات وذلك عند حدوث أي استحقاق دستوري يتعلق بنقل السلطة في البلاد . ورغم عبثية الطرح الذي ساقه البعض وسذاجته، إلا أنها تبقى قراءة من زاوية مختلفة، ومجرد آراء وانطباعات شخصية لا توافق الحقائق الماثلة كونها لم تستند إلى محاولة فهم الجذور الاجتماعية والثقافية للمجتمع السعودي. كان إحساساً مليئاً بالابتهاج والارتياح عم أرجاء البلاد وخالج كل مواطن ومواطنة عندما أصدر خادم الحرمين الشريفين أمره الملكي، ليغلق أبواباً من التكهنات والتخمينات والشائعات بطريقة دستورية. مع العلم أن سلاسة انتقال الحكم في المملكة تاريخياً ، لم تشهد مصاعب أو خلافات تذكر، وظلت المسألة تحسم بشكل مرن وتوافقي باستثناء حالة عام 1964 التي ارتهنت لأسلوب الحسم وأنقذت البلد من أزمة حقيقية ، ومع ذلك كرس النظام السعودي حالة من الاستقرار السياسي الملفت في منطقة ملغومة ومتوترة سياسياً. صفوة القول إن المرحلة القادمة تعني رهاناً جديداً على نجاح الخطوات الإصلاحية لاسيما في وجود وتفاعل ولي العهد الأمير سلمان الذي أكد في خطاب للملك سيره على نهجه وسياسته. ظلت مؤسسة الحكم في السعودية عبر التاريخ راسخة وثابتة ، بدليل أن منصب ولي العهد كان قد تولاه أميران خلال تسعة أشهر دون فراغ أو تأجيل أو صعوبات تذكر. وسارت العملية وآليتها بانسيابية وسلاسة، وهو ما أكد الرسالة السياسية في ترسيخ استقرار البلاد والالتزام بالمشروع الإصلاحي لمواجهة التحديات داخلياً وخارجياً. ولذلك عندما اختار خادم الحرمين الأمير سلمان ولياً للعهد وتعيينه نائباً لرئيس مجلس الوزراء ووزيراً للدفاع، فإنما أراد غلق أي ثغرة دستورية من ناحية، وتتويجاً لمسيرة الأمير سلمان الحافلة بالإنجازات والتجارب وثقة بقدراته من ناحية أخرى، ما أهّله ليكون عضداً وساعداً وسنداً للملك. ناهيك عن أهمية الظرف ودقة المرحلة وتسارع المتغيرات تحتاج إلى شخصية بحجم الأمير سلمان. بيد أن المقام هنا ليس هدفه المديح أو الإطراء، وإنما هو وصف لما في هذه الشخصية من عناصر ومزايا، بعبارة أخرى هو قراءة للشخصية وما فيها من خصائص. فهو رجل دولة ساهم في بناء دولته وسياسي مخضرم. يؤمن بمعادلة المواءمة بين الأصالة والمعاصرة أي الانفتاح مع التمسك بثوابت الدين والدولة. خبير بخفايا تاريخ المنطقة ومستوعب لمعادلاتها وتوازناتها ومدرك لحساسية الجغرافيا وتعقيداتها. ومن النادر جداً أن ترى غالبية الناس يتفقون حول شخصية واحدة، غير أن شخصية سلمان فرضت عليهم الإعجاب بها واحترامها والالتفاف حولها رغم اختلاف مرجعياتهم الفكرية والاجتماعية والثقافية. ولعل من اقترب من عوالم الأمير يلمس إلى أي مدى ثراء هذه الشخصية فكرياً وثقافياً وإنسانياً، لاسيما من حظي بتواصل قريب معه، وأنا كنت من ضمن هؤلاء المحظوظين، وهم كثر بحجم المملكة وتنوع ثقافاتها وتعدد قبائلها وناسها. هذه القناعة التي تشكلت لديّ عبر تراكم سنين تنطلق من مواقف معينة لا تلبث أن تؤكد صحة رؤيته التي تستند على التأني والهدوء والتروي وهي تأتي ضمن منظومة صفات يتفق عليها كثيرون، لعل أبرزها حكمته وعدله واعتداله وورعه وفراسته وذاكرته المدهشة وصرامته وحنوه ودقته وحسن إصغائه وعدم تسرعه في اتخاذ القرار. يصفه السعوديون بأنه أمين العائلة وحاميها ومستشار الملوك الراحلين وسيد الوفاء، وصانع التنمية، وصديق المثقفين، وكافل اليتامى والفقراء والمعوقين . ولعل إشرافه على حقيبة الدفاع، جاء ليعكس استحقاقه بتوليها ما يكرس الطمأنينة والاستقرار ليس في بلادنا فحسب وإنما أيضا في منطقتنا المتوترة. على أي حال، شخصية بهذه الانضباطية الإدارية، وتلك الرؤية الثاقبة المعتدلة قادرة بحول الله على تحمل التركة الثقيلة وأعبائها الجسيمة ومهامها الصعبة، والتعاطي معها بحيوية وتفاعل وحزم، ما يجعله حقيقة يمثل رجل المرحلة. ولذا فالمرحلة القادمة ستواجه تحديات حقيقية، وتتطلب نوعاً من التحديث والمرونة لمجتمع بطيء الحركة في تحوله الاجتماعي، رغم تقدم العقلية السياسية في مبادراتها بمراحل عن المجتمع وهي التي أصبح خطابها منتمياً إلى فضاء الشفافية، بدليل أن من يتأمل كلمات خادم الحرمين الشريفين ، يلحظ أن الحوار والوحدة الوطنية والتفاعل مع لغة العصر والانفتاح على العالم، أصبحت محاور الخطاب السعودي الجديد، كون لغة العصر قد تغيّرت، وشبكة العلاقات الدولية قد أخذت منحى مختلفاً من حيث التوازنات والمفاهيم. ولعل المتابع للمشهد السعودي بتنوع تجلياته، لاسيما في السنوات الأخيرة، يلحظ أن ثمة حراكاً لافتاً ونقاشات جريئة وتنويرية غير مسبوقة طالت ملفات اجتماعية ودينية وثقافية، لم يكن من المتصور طرحها قبل عقدين من الآن، وهذا ما يدعونا للتفاؤل بالمستقبل، وإن كان هذا لا يعني انه لا توجد ملفات ومشاكل تحتاج إلى حلول مثلها مثل أي بلد ، فالتطرف والفقر والبطالة والإرهاب ووضع المرأة ومسألة فك الاشتباك بين ما هو ديني وبين ما هو اجتماعي، كلها قضايا وملفات شائكة وتحتاج إلى حلول ومعالجات. صفوة القول إن المرحلة القادمة تعني رهاناً جديداً على نجاح الخطوات الإصلاحية لاسيما في وجود وتفاعل ولي العهد الأمير سلمان الذي أكد في خطاب للملك سيره على نهجه وسياسته. وهذا يعني أن السعودية دولة ناقدة لذاتها، متفاعلة مع ما حولها من تحولات وهي على دراية بالمخاطر والمحاذير، ما يدفعها باتجاه بلورة معادلة التوازن ما بين رغبة المواطن ومصلحة الدولة، وإبراز مفاهيم جديدة تستند إلى المواطنة الحقيقية، ليصار إلى إصلاحات جوهرية واجتماعية واقتصادية قادمة بإذن الله تعالى، ما يمكننا للخروج إلى العالم أكثر ثباتاً على الأرض.